لبست النقاب فعاداها أهلها وهجروها

السؤال

أريد أن أستفسر عن حدود طاعة الوالدين إذا كانوا معارضين محاولتي أن أسلك طريق الحق وأنا أعلم أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولكن ماذا إن تعارضت رغبتهم عن قيامي بمستحب؟ وإذا كان مثل النقاب مع العلم أنهم لا يمنعوني عن الحجاب ولكن بدون تغطية الوجه، ولقد قلت لهم إني سأنتقب وقد أخذت هذه الخطوة ولكن والدتي قالت لي إنها لن تكلمني أبدًا، مع العلم أنها لا تغطى شعرها! وقال لي والدي إني لن أخرج من البيت منتقبة، فقلت لهم: إني لن أخرج حتى يرضوا، ولن أخرج من غرفتي في وجود غير المحارم من أزواج أخواتى في البيت، مع العلم أن هذا تقريبا كل يوم، وهذا يمنعني من مجالسة أهلي أو قيامي بأي شيء لهم من مساعدة لأمي أو أن أبرهم كما ينبغي، ولا أريد أن أتخلى عن النقاب، فماذا بإمكاني أن أفعل؟ وهل أخطأت باتخاذي هذا القرار؟ أرجو النصيحة وعدم إهمال نصحي، وجزاكم الله خيرًا، وأسأل الله أن يوفقكم لمساعدة المسلمين، ويهدينا جميعا إلى الحق والعلم.

الجواب

الحمد لله

ليس هذا بقرار تأخذينه ويمكن لكِ تركه متى شئتِ، بل هو شرع الله تعالى قد عملتِ به، والحقيقة: أننا تأثرنا برسالتكِ هذه، وساءنا أن نجد من الآباء والأمهات من يقف حجر عثرة أمام طريق ستر وهداية أبنائهم وبناتهم، وهم يرون ويسمعون من يسيء إلى أهليهم ويجلب لهم الخزي والعار بالضلال والانحراف، فبدلًا من الفرح بهذه الهداية وتشجيعها نجدهم يغضبون ويهجرون ابنتهم التي أرادت تنفيذ شرع الله بلبسها للنقاب؟.

وأنتِ – أختنا الفاضلة – نوصيكِ بتقوى الله، والبقاء على ما أنتِ عليه، وأن تزيد ثقتكِ بربك تبارك وتعالى، فهو وحده القادر على هدايتهم وتثبيتكِ.

وفكري دائما برضا الله تعالى، ولو أدى هذا إلى سخط الناس، وفي نهاية المطاف سيكتب الله لك الأجر ويُرضي عنكِ أهلكِ.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” من التمس رضا الله بسخط الناس: كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس “. رواه الترمذي ( 2414 ).

وقد قال بعض السلف: ” السعيد مَن أصلح ما بينه وبين الله؛ فإنه من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الخلق، ومن التمس محامد الناس بسخط الله: عاد حامده من الناس ذامًّا له “.

* قال شيخ الإسلام ابن تيمية – بعد أن ذكر حديث عائشة، وبلفظ آخر موقوفًا عليها -:

هذا لفظ المأثور عنها، وهذا من أعظم الفقه في الدين، والمرفوع أحق وأصدق، فإن من أرضى الله   بسخطهم: كان قد اتقاه، وكان عبدَه الصالح، والله يتولى الصالحين، وهو كاف عبده، { ومن يتق الله   يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب }، فالله يكفيه مؤنة الناس بلا ريب، وأما كون الناس كلهم يرضون عنه فقد لا يحصل ذلك، لكن يرضون عنه إذا سلموا من الأغراض، وإذا تبين لهم العاقبة.

ومَن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئًا كالظالم الذي يعض على يده يقول ” يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلًا يا ويلتى ليتنى لم أتخذ فلانا خليلا “.

وأما كون حامده ينقلب ذامًّا: فهذا يقع كثيرًا ويحصل في العاقبة، فإن العاقبة للتقوى، لا يحصل ابتداء عند أهوائهم، وهو سبحانه أعلم. ” مجموع الفتاوى ” ( 1 / 52 ).

* قال ابن القيم – رحمه الله -:

فلا يظن أحدٌ أنه يخلص من الألم البتة، وإنما يتفاوت أهل الآلام في العقول، فأعقلهم مَن باع ألمًا مستمرًّا عظيماً بألم منقطعٍ يسيرٍ، وأشقاهم مَن باع الألم المنقطع اليسير بالألم العظيم المستمر.

فإن قيل: كيف يختار العاقل هذا؟، قيل: الحامل له على هذا النقد والنسيئة، والنفس موكلة بحب العاجل   { كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة } [ القيامة / 20 ]، { إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يومًا ثقيلًا } [ الإنسان / 27 ]، وهذا يحصل لكل أحدٍ، فإن الإنسان مدني بالطبع لا بد له أن يعيش مع  الناس، والناس لهم إرادات وتصورات، فيطلبون منه أن يوافقهم عليها فإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه، وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب، تارة منهم وتارة من غيرهم، كمن عنده دِين وتُقى حلَّ بين قوم فجار ظلمة ولا يتمكنون من فجورهم وظلمهم إلا بموافقته لهم أو سكوته عنهم، فإن وافقهم أو سكت عنهم سلِم من شرهم في الابتداء، ثم يتسلطون عليه بالإهانة والأذى أضعاف ما كان يخافه ابتداء لو أنكر عليهم وخالفهم، وإن سلم منهم فلا بد أن يُهان ويُعاقب على يد غيرهم.

فالحزم كل الحزم في الأخذ بما قالت عائشة أم المؤمنين لمعاوية ” مَن أرضى الله بسخط الناس كفاه الله   مؤنة الناس، ومَن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئًا “.

” زاد المعاد ” ( 3 / 15 ).

فعليكِ – أختنا الفاضلة – التفكر فيما نقلناه لكِ من الوحي وأقوال الأئمة، وليس هذا من العقوق لوالديك في شيء، ويمكنك القيام بمساعدة الوالدة، والقيام على شئون البيت في حال عدم وجود أحد من الأجانب، فتجمعين بين القيام بمساعدة والدتك وعدم الاختلاط بالأجانب.

– والزمي الدعاء بالثبات لك، والهداية لأهلك، ولا تيئسي من رحمة الله تعالى.

 

والله يوفقكِ ويرعاكِ.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة