حدثنا عن والدتك يا معاذ

#عودًا_على_أم_الحفاظ

صَارتْ حَيَاتي – بعدَ أمّي – مَسْرحاً
لِلدَّمع ؛ وَ الآهَاتِ ؛ وَ التَّذكارِ

ولا زال سؤال أخي الشيخ د. عبد السلام أبو سمحة يستفز ذاكرتي ساعة تلو ساعة حين قال (حدّثنا يا معاذ عنها) ..

ماذا أحدثك؟ وقد استيقظتُ فجر هذا اليوم وأخلاق الكبيرة الأميرة تصطف هذه المرّة أمامي وتتزاحمُ لتسبق كل صفةٍ جليلةٍ أختها ..

✨ أحدّثك هذه المرة عن ” حنّيتها ”

أنا أعلم تماماً ما في نفسِ غالب الناس من انطباع حول التعامل مع أبناء (الضرّائر)، فهلمّ إلي لأحدثك عن شيء مختلف!

فقد كانتْ تعامل أبناء ضرّتها (أم بدر) معاملة أولادها، وتحنّ عليهم حنيّة الأم الرؤوم، وخذ مثالا عن (حنّية التعليم) ..

فلو أن الآيات القرآنية تنطق لحدثتكم آيات عن تحفيظها وتلقينها القرآن لأبناء ضرّتها .. كيف لا وقد كانت الملجأ للتسميع ( يما يا يمّا مش عارف أحفظ ) ( يمّا بالله عليك سمعيلي شوي )
وبالمناسبة فخذ نكتة ما أظنك تقرأها في كتاب ..

فإنّ أبناء وبنات أم بدر (امرأة أبي) حفظها الله ينادون أمَّهم أمَّ بدر : ماما ..
وأما جدتهم أم ياسر حفظها الله فينادونها ( إمّي ) .. كعادة أهل سوريا ..
أما أمي (أم طارق) رحمها الله فينادونها : يمّه ..
نعم الفارق بينهنّ ( ماما .. إمّي .. يمّه ) ولم نسمع بل ولن تسمع منهم غير ذلك.
أترى وقد بلغت الحنيّة منها إلى أن تكون بمنزلة أمهم؟

ولو أن الأوراق التي تعلّموا فيها الخط تنطق لتحدثت بكل شيء، وحسبي أن الله يعلم، وعلمُه واسع قد أحاط بكل شيءٍ علمًا.

أَنوَارُ أُمِّي لاْ تُحَدُّ – كَحُبِّهَا
وحَنَانها – بِمَناعةِ الأَسوَارِ !

اللهم أسكنها الفردوس الأعلى بكثرة حنيتها ..

✨ أحدثك هذه المرة عن حنيتها وكرمها في ” الإطعام ” :

فهل تظن يومًا أن تطبخ طعامًا -لمن عندها أو من دعته لطعامها- ولا يلج في خلدها أن تحسب صحنًا لكل متزوجٍ خاصة من يسكن قربها!؟ فأول كلمة تسمعها حين نمدّ الأيادي إلى الطعام (خذوا لزوجاتكم) ..

وإذا سمعت أو لجأ من أبناء أم بدر إليها لطلب “سندويشة” أو نحو ذلك عند مرضِ أمهم أو غيابها، فأمٌ كريمة تنادَى ب ” يمه” تنادِي (تعال يا حبيبي .. وتعاليّ يا حبيبتي) .. وسيأكلون ويهنأون ..

ولم يتوقف يوما سؤالها ( .. أبوكم أكل ؟ .. أطعمتم أباكم؟ .. ) وحين تعرف أن أبي أكل تقول (إذا اكل أبوك كأني أكلت وزيادة..
فكان أحب الأعمال إليها لقمة تدخل جوف أبي)
هذا ما عهده وشهده أخي داود، وهي صدقٌ وحق !

كل ما صنعته هذه العظيمة كان من “نفْس طيبة” فلم تكن لتُحسن مع إخواني وإخوتي من أبي لمجرد أنهم يعيشون بقربها.. لا والله.. ولا أنها مجبرة من أحد لتعمِد إلى ذلك..
وسأترك دمعاتهم الثرة الصادقة التي ترونها في وجوههم آنذا هي التي تنطق بكل ذلك..

آهٍ ثم آه !
كيف لو حدثتك عن الوجبات المميزة التي كانت تصنعها لأضياف أبي مذ تزوجت! فطور .. غداء .. عشاء ..
لم تكن إلا كريمة معطاءة باذلة بحبٍ ونفْس زكية، وكانت دائما تقول حين تتحدث عن مرضها ( لقد تورمت قدماي وانهد جسدي من كثرة الوقوف ) لا شكوى ولا تذمرٌ بل خبر وحكاية لحال!
وكان لأم بدر حفظها الله سهم عظيم في إعانتها والتخفيف عنها حتى صارت وجبة العشاء أو الإفطار من عادتها .. فكانت رحمة مهداة لأمّي .. رحمها الله.

سلوا أبا جعفرٍ وأبا عبد الرحمن المصري وابن حابس وأبا أنسٍ -مع حفظ الألقاب- يحدثونكم عن إفطارات الصباح في حلَقة المسجد .. على مدار سنواااات طويلة!
دعوا مجدي يحكي لكم نكتة (السفرطاس)!
سلوا إخوتي عن (قهوة الظهر) ..

اللهم أسكنها الفردوس الأعلى بكثرة ما أطعمت وسقت.

✨ أحدثك هذه المرة عن ” زهدها ”

فوالله إن المال كان يكون بين يديها ولا تصنع ما تصنعه كل من تغتر بالمباهاة والمفاخرة خصوصا مع وجود الدّاعي .. والعذر في مثل هذه الحال عادة مقبول! لكنها كانت تتركُ ذلك وتقول بصوتٍ عال (ليش الإسراف والتبذير؟) آخٍ وآهٍ كأن دوي هذه الكلمات تصطلجُ في سمعي وتضطرب من وفرتها وكثرها..
كنا نقول: يا يمه، طيب نشتري كاسات جديدة! يا يمه! نشتري طناجر أحسن! تجد صخرة هاوية عليك (اسكت .. ما لك دخل.. هذه حياتي وأنا مبسوطة) ..

والله يا أحبتي لا أبالغ، ووالله إنها لو كانت تنطق (عفوا لا داعي لتكرار ذلك) .. اذهب إلى مطبخها الآن وانظر ماذا ترى!! وإني أنتظر الإجابة.

فوالله ما هو بحرصٍ ولا ببخلٍ ولا ضنٍ، ولكنها تُرفق كلمات (هاي الدنيا مش إلي) .. وإنّ كل جديد بمطبخها من آنية أو وعاء له “قصة” لم تدخل إلاّ هدية عليها .. لتصير تحت أمر الواقع..

أُمَّاه !! طَيْفُك – دَاْئِماً – يَحياْ مَعِي
ويقُولُ لِيْ : جَاهِدْ مَع الأَطهَارِ

وإن هذه الكريمة لم تغيّر من سجاد بيتها في الطابق الثالث مذ سكنته في مرضها – الذي ودّعت فيه – إلا قبل أسبوع.. ولمَ؟
قالت لي: (يا معاذ .. بدي منك فزعة معي خاصة هالمرة، يا حبيبي .. خليني أستقبل ابنتي هاجر استقبالا مختلفا .. بدي أفاجئها ) وفعلاً .. لا زلت أتذكر كلما زل لساني في قروب (أبنائي الله يحفظهم يارب) لطلبٍ أو سؤال فإنها تدخل علي في الخاص (احذف .. احذف .. لا تشوف هاجر ) حبيبتي كانت لا تريد أن أذهِب رؤية سعادة ابنتها أمام عينيها..
نسمّيها الآن [وصيّة أمي] فهي أكثر من عهِدتها بها.

لكنها لم تلبث سوى أيام قليلة بعد ذلك لتودّع كل شيءٍ، وليفتقدها كل شيء، ولتحكي لنا : ( هذه الدنيا فانية ) ..
وأنك مهما بالغت في تحسين شيءٍ فإنك مفارقه!

وَكانَت في حَياتِكَ لي عِظاتٌ
وَأَنتِ اليَومَ أَوعَظُ مِنكِ حَيّا

✨ لم أحدثكم عن صبرها، ولن أحدثكم، سأدع الوالد حفظه الله يحكي لكم ذلك:
https://www.facebook.com/775438918/posts/10153541333433919/

✨ أحدثكم عن جمال روحها وسلامة صدرها ..

فإنها وإن كانت تغضبُ سريعاً لكنها ترضى سريعًا، تذيب ما في قلبها الابتسامة والرسالة، ولا أعلم ضيفة تنزل عند ضرّتها أم بدر ولا تدعوا والدتي للحضور، وكذا العكس.

فأنشأنا والدنا أسرة واحدة في بيتين، وروحًا متلائما في أجساد ..

تكره الغيبة والنميمة، تكره مَن يملأ قلبها بالأحقاد، وتغادره بهدوء .

( الضمّة الأخيرة والمبيت الأخير )

في تمام الثانية عشرة ليلاً بتاريخ(١٤ / ١ / ٢٠٢٢ م) بينما نتسامر في بيت أمنا الثانية أم بدر حفظها الله مع أخواتي .. إذا برسالةٍ في قروب (أبنائي الله يحفظهم يارب) تقول (متت) هكذا بكل براءتها وألمها ..
كنتُ أول من يقرأها فسارعت بدون انتباه إليها في الطابق العلوي لأدخل عليها .. فإذا وجهها أزرق .. وإذا بالحبيبة الكريمة تضمّني … ثم تضمّني …
لقد استحييت ثم استحييت ..
لم يدر في خلدي حينها إلا أنها ضمة (مودّع) فسارعتُ إلى رسالة مفزعةٍ في قروب (الأسرة الكريمة) -والذي يجتمع فيه كل أفراد العائلة – فقدِموا خلال ثوانٍ .. فكان مما سمعتُ (ما بالك أفزعتنا الله يهديك!) لم يكن يعلم هذا المكلوم أنها تصارع الموت.

فمكثنا عندها نخفّض من حرارتها، ونطببها، سارع إلى ذلك أخويّ: عمر ومعاوية .. فما هدأت حتى بدأنا نضاحكها ونمازحها مزاح الأطفال بحضرة الأخواتِ كلهم .. وهي ساكتة هادئة .. لم نكن نعلم أنها تُصارع نَفَسَها ولم نكن نظنّ أنها لا تقدر على بث الشكوى بقدر الألم! حتى كتبت رسالة فجر اليوم في نفس القروب (أنا فاقدة التوازن .. لا أقدر على الوقوف ) .. كانت هذه الرسالة الأخيرة..
وكان من نعمة الله عليّ أن بتّ في غرفتها مع أختي أم ريان .. ومن عادتها أنها تناكف من يفعل ذلك وتقول (اذهب إلى بيتك وأهلك) لكنّها لم تكن تقدر على المغالبة في الكلام فوافقتْ بعد أن رجوتها أن تأذن لي بذلك، فأذنت ..
فنمت كأحلى ليلة!
ولما أذّن الفجر تركتني نائما حتى قضت من صلاتها، وأنا أتذكر والله أن عيني تستيقظ في كل حركة تفعلها -على خلاف العادة- ثم ترجع عيني لتنام، حتى أيقظتني وقالت (قوم صل ياحبيبي) فقمت من طوري وصليت مكاني ثم رجعَت ورجعتُ لأستيقظ بعد دقائق على اتصال أخي أوس بدكتور (لازم تروح المستشفى .. الأوكسجين 70 ) فأركبناها السيارة .. وكان ما كان .. والحمد لله!

لقد كانت الليلة الأخيرة .. والوداع الأخير ..

بَكَيتُكَ يا أماهُ بِدَمعِ عَيني
فَما أَغنى البُكاءُ عَلَيكِ شَيّا

كَفى حُزناً بِدَفنِكَ ثُمَّ إِنّي
نَفَضتُ اتُرابَ قَبرِكِ مِن يَدَيّا

فهذا غيض من فيض، وهذا إجابة بعض سؤلك ياشيخ عبد السلام ..

لم تكتمل الحكاية،
وللحديث بقيّة !

2 تعليقات

    • الله يرحمها ويصبركم على فراقها….جعل الله الجنه مأواها…..هنيئاً لها فقدتعلّمت وعلّمت وصبرت وصبّرت وحفظت وحفّظت والله انها خير مثال يحتذى به فهنيئاً لكم انكم ابنائها وممن نالكم العلم والحفظ تحت يديها…….رحمها الله.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

ابقَ على إتصال

2,282المشجعينمثل
28,156أتباعتابع
8,850المشتركينالاشتراك

مقالات ذات صلة