كلمة حول ” الحكمة من وجوب الوضوء من خروج الريح “

السؤال

ما هو الهدف من الوضوء بعد أن يقوم المرء بإخراج غازات؟.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

الوضوء من خروج الريح واجب لمن أراد الصلاة، وقد ثبت ذلك في صحيح السنَّة، وأجمع عليه علماء الإسلام قاطبة.

عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ ) قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ. رواه البخاري ( 135 ) ومسلم ( 225 ).

عَنْ عَبْدِ الله بنِ زَيْد أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: ( لَا يَنْفَتِلْ – أَوْ: لَا يَنْصَرِفْ – حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا ). رواه البخاري ( 137 ) ومسلم ( 361 ).

قال ابن المنذر – رحمه الله -:

وأجمعوا على أن خروج الغائط من الدبر، وخروج البول من الذكر، وكذلك المرأة، وخروج المني، وخروج الريح من الدبر، وزوال العقل بأي وجه زال العقل: أحداث ينقض كل واحد منها الطهارة، ويوجب الوضوء.

” الإجماع ” ( ص 29 ).

ثانيًا:

والمسلم يعتقد أن ما شرعه الله تعالى فيه الحكمة البالغة، ومن مقتضى الإيمان به تعالى: تعظيم أوامره ونواهيه، واعتقاد أنه لم يشرع إلا ما فيه حكمة بالغة، ولم يتوقف المسلم في تنفيذ أمره تعالى والابتعاد عن نهيه معرفته بحكمة التشريع، بل يكفيه أن يعلم ما شرع الله فيسارع إلى تنفيذه.

قال ابن القيم – رحمه الله -:

ومن علامات تعظيم الأمر والنهي: أن لا يحمل الأمرَ على عِلةٍ تُضعِف الانقياد والتسليم لأمر الله عز وجل، بل يُسَلِّمُ لأمرِ الله تعالى وحُكمه، ممتثلا ما أمر به، سواء ظهرت له حكمة الشرع في أمره ونهيه أو لم تظهر، فإن ظهرت له حكمة الشرع في أمره ونهيه: حمله ذلك على مزيد الانقياد بالبذل والتسليم لأمر الله، ولا يحمله ذلك على الانسلاخ منه وتركه جملة، كما حمل ذلك كثيرًا من زنادقة الفقراء والمنتسبين إلى التصوف، فإن الله عز وجل شرع الصلوات الخمس إقامة لذكره، واستعمالا للقلب والجوارح واللسان في العبودية، وإعطاء كل منها قسطه من العبودية التي هي المقصود بخلق العبد، فوضعت الصلاة على أكمل مراتب العبودية.

” الوابل الصيب ” ( ص 35 ).

ثالثًا:

ومن حكمة التشريع: التفريق بين الخارج من الجسم، فليس كله له الحكم نفسه، ومن أراد الطعن في التشريع فألزم بالوضوء من الجشاء والبلغم كما أوجب الشرع الوضوء من خروج الريح: فهو يحكم على نفسه بالجهل والحماقة.

قال ابن القيم – رحمه الله -:

وأما قوله ” وفرَّق بين الريح الخارجة من الدبُر وبين الجشوة فأوجب الوضوء من هذه دون هذه “: فهذا – أيضًا – من محاسن هذه الشريعة وكمالها، كما فرق بين البلغم الخارج من الفم وبين العذرة في ذلك.

ومَن سوَّى بين الريح والجشاء: فهو كمن سوَّى بين البلغم والعذرة، والجشاء من جنس العطاس الذي هو ريح تحتبس في الدماغ ثم تطلب لها منفذًا، فتخرج من الخياشيم، فيحدث العطاس، وكذلك الجشاء ريح تحتبس فوق المعدة، فتطلب الصعود، بخلاف الريح التي تحتبس تحت المعدة.

ومن سوَّى بين الجشوة والضرطة في الوصف والحكم: فهو فاسد العقل والحس. ” إعلام الموقعين ” ( 2 / 107 ، 108 ).

ولذا لمَّا كان خروج الريح من الدبر، وكان ذلك موضعًا للنجاسة لم يكن بعيدًا عن الحكمة أن يُؤمر المسلم بالوضوء من خروج الريح من الدبر، ولذا فإن الشريعة المطهَّرة تفرِّق بين الخارج من السبيلين والخارج من غيرهما، فإلحاق الريح بحكم الغائط ليس مما يُستغرب، وخاصة أنه قد يخرج في كثير من الأحيان نداوة ورطوبة مع تلك الريح، مع التنبيه على أن إيجاب الوضوء من ذلك الخارج لا يعني بالضرورة أنه نجس.

قال القفال الشاشي – رحمه الله -:

وكان أصل الأحداث: ما خرج من السبيلين من غائط وبول ونحوهما؛ لأن كل ما خرج منهما أو من أحدهما لاحقٌ بجملة ما يُستقذر ويُجتنب, ثم كان زوال العقل مما يزول معه التكليف في الحال ويخرج من سبيليْ صاحبه ما يتجاوز مخرجه ويجتنبه, وينبغي التنظف منه,  وأقل ذلك الريح الخارجة من الدبر؛ لأنها في كثير من الأحوال لا تخلو من أن تقترن بها نداوة ورطوبة فيتعذر التحفظ من ذلك، فحسَم الباب، وألحَق ما خرج منه بمعنى الغائط والبول إذ كانت الريح مقدمة لهما.

” محاسن الشريعة ” ( 1 / 169 ).

رابعًا:

ونقول في هذا الباب أيضًا: إنه لو لم يكن خروج الريح ناقضًا للوضوء للزم من ذلك جواز إخراج الريح في المساجد أثناء حضور خطبة الجمعة، وفي الجماعات أثناء أداء الصلاة، ومثل هذا لا تأتي به الشريعة المطهرة، فحُسمت مادة أذية المصلين بتلك الروائح الكريهة بالمنع من إخراج الريح أثناء الصلاة، وجعل خروجه ناقضاً للوضوء.

وكذلك يقال فيما لو صلَّى المسلم وحده بين يدي ربه تعالى، فإن مقتضى إجلال الله تعالى أن يحافظ المسلم في صلاته على أن يكون في أحسن حال، من حيث اللباس، والرائحة، وطهارة المكان، وهذا يتنافى مع إباحة إخراج الريح، وجعلها غير ناقضة للوضوء.

وبكل حال فإن الوضوء عبادة، وإن تشريع أسباب نواقض الوضوء فيه الحكَم البالغة، والمسلم الحق هو الذي يعتقد في ربه تعالى أنه حكيم، وأن تشريعاته فيها الحكمة البالغة، وها نحن نرى في عالم البشر من يتناول دواءه في أوقات محددة، وطرق مبيَّنة، وكميات محدَّدة، وهو يلتزم ذلك دون سؤال عن ” كيف ” و ” لماذا “، وما ذاك إلا لثقته بعلم الطبيب الذي وصف له الدواء وطرق تناوله، فلمَّا ترسَّخ له الثقة بعلمه لم يسأل عن ” الحكمة “، ولله المثل الأعلى فإنه العليم الحكيم، ومن آمن بربه تعالى وأثبت له العلم فلا يجد غضاضة في الاستجابة لأوامره ولو لم يدرك الحكمة، فكيف لو وقف على شيء من تلك الحكَم بعد تلك الاستجابة؟!.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة