حكم الإهداءات التي يضعها المؤلفون في أول كتبهم
السؤال
ماحكم الإهداء التالي؟ وهل فيه مخالفة للشريعة؟.
هذه صيغة الإهداء:
إلى: الصدِّيقة حبيبة المؤمنين، الطاهر العذراء، سيدة نساء العالمين أم عيسى عليها السلام، إلى مريم ابنة عمران، هذه شهادة براءة من السماء “.
علما أن هذه مقدمة إهداء كتاب يفسِّر ” سورة مريم “.
الجواب
الحمد لله
ما يفعله بعض المؤلفين من كتابة ” إهداء ” في أول صفحة من كتابه المطبوع لا يخلو من حالين:
الأولى: كتابة إهداء خاص على نسخة معيَّنة، يقصد بها التودد والتقرب من المُهدى إليه، مع رجاء ثواب الآخرة، وهذه لا حرج فيها، ولا يجوز له أن يستوفيَ مالا مقابلها – كما يفعله بعض المؤلفين -، كما لا يليق بشخص يشتري الكتاب بماله ثم يكتب له المؤلف إهداء ويوقع له عليه! وهو أمر متناقض في نفسه، فكيف يجتمع الشراء والإهداء؟!.
الثانية: كتابة إهداء على الصفحة الأولى من كتابه المطبوع طباعة على كل نسخه – وهو المقصود بالسؤال – وهذا له أحوال وأحكام:
1. أن يُقصد به إهداء حقوق الطبع للمُهدى إليه، وأن حقوق الكتاب المالية لم تعد للمؤلف.
ويلزمه إن نوى هذا أن لا يُطالب بحقوق الطبع، ويكون إظهاره اسم المُهدى إليه علنا من باب الإعلان عن تقديره ومحبته.
2. أن يُقصد به إهداء ثواب كتابة الكتاب للمُهدى إليه.
وهذا الأمر يُنزَّل على مسألة ” إهداء الأعمال الصالحة “، وقد يكون المُهدى له حيّا، وقد يكون ميتا.
وليُعلم أنه لا يُشرع إهداء ثواب الأعمال للأحياء، وأما بخصوص الإهداء للأموات: فإنه يشرع بما جاء به النص.
ولا نظن بالكاتب الفاضل يريد هذه الصورة في إهدائه كتابه لمريم عليها السلام ، ولو أرادها فإنه لم يأت نصٌّ في جواز هذه الصورة في إهداء ثواب أعمالها، ثم إنَّ مريم عليها السلام قد شُهد لها بالخير والثواب والمنزلة الرفيعة في الجنة فخير للمسلم أن يلتفت لنفسه ليزيد من أعماله الصالحة فهو أولى بها ممن شُهد لهم بالجنة.
3. أن يُقصد به التزلف للمُهدى إليه، كما يفعله من يهدي كتابه لملك أو أمير أو رئيس أو رجل من علية القوم أو غني.
وهذا فعل لا يليق من كاتب أو طالب علم، وهو من التزلف القبيح، ومن سؤال المال.
4. أن يُقصد به التعبير عن محبته وتقديره للمُهدى إليه، كمن يهدي كتابه لشيخه، أو والديه، أو زوجته، أو أبنائه.
وهذا تقليد للغرب لا يجوز فعله، فالهدية مصطلح شرعي، ولها أحكامها التفصيلية، وليس ما يُفعل بهذا القصد – ولا الذي قبله – في شيء من الشرع.
وللدكتور محمد بن عمر الشماع – وفقه الله – كتاب بعنوان: ” أحكام الأعمى في الفقه الإسلامي “، وكان الشيخ سليمان بن ناصر العلوان من المقدِّمين لهذا الكتاب، وفي أول الكتاب عنون المؤلف بكلمة ” إهداء “، ولكنه لم يكتب تحتها شيئا، وعلَّق بالحاشية فقال:
” كنتُ قد كتبتُ هنا إهداء ثم حذفته، وعلق الشيخ سليمان بن ناصر العلوان بقوله: ” الإهداء ليس من هدي الأئمة السابقين ولا من طريقة الصحابة المقتدين، وأول من أحدثه الغربيون وتبعهم طائفة من جهال المسلمين، فالأولى بمثلك حذفه اتباعا لمن سلف ” انتهى “. انتهى.
وكان الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة قد أهدى تحقيقه لكتاب ” الأجوبة الفاضلة ” للشيخ اللكنوي لروح شيخه الكوثري! الجهمي الضال، فعلَّق عليه الشيخ سليمان العلوان بقوله:
” أقول: الإهداء فيه ما فيه من التشبيه بالغرب، ومخالفة هدي السلف “.
– انظر ” إتحاف أهل الفضل والإنصاف بنقض كتاب ابن الجوزي دفع شبه الشبه وتعليقات السقاف ” ( ص 65 ) – ترقيم الشاملة -.
* وقال الدكتور عبد الواحد المزروع – وفقه الله -:
يقول أهل العلم: إهداء البحوث كما يدبجه بعض الناس في أبحاثهم أو رسائلهم العلمية: يعدُّ من البدع؛ لأنه لم يكن يُعرف من سلفنا الصالح، ويضاف لذلك: أن أصله جاء من الغربيين، وما دام ليس له أصل في شرعنا، ولا عند سلفنا – وإن كان لم يرد دليل على منعه – إلا أن كونه فيه تقليد للغرب يكفي في وجوب تجنبه وتركه، سيما وديننا كامل لا يحتاج إلى إكمال من تصرفات وأفعال الغربيين، فوجوب الترك باعتبار أن هذا الفعل لا أصل له، وأنه تقليد للغربيين، وقد أشار إلى ذلك الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى. انتهى.
http://forum.ma3ali.net/t505513.html
وعليه: فإن لم يُرد كاتب ” تفسير سورة مريم ” الصورة الثانية – وهو إهداء ثواب عمله لمريم عليها السلام، وقد ذكرنا عدم جواز ذلك، ولا نظنه يريده -: فهو يريد الصورة الرابعة، وقد علم ما فيها، فخير له حذفها، وفي هذه الحال فليجعل مكانها كلمة شكر ودعاء لكل من كان سببا في إخراج كتابه، فهذا يستفيد منه الداعي والمدعو له، وأما كلمات الإهداء على الصورة المشتهرة – وهي الرابعة حسب تقسيمنا – فمهديها قد لا يسلم من الإثم، والمُهدى له لن يستفيد من كلمات الإهداء شيئا، والعاقل يعرف قيمة هذه الوصية، ولا أظنه إلا أنه يعمل بها.
والله أعلم.


