التفصيل في مسألة الطب النفسي وتقييم علومهم

السؤال

لا أعلم من أين أبدأ، وأين أنتهي، لا يخفى عليكم – شيخنا – الهجمة الشرسة التي تتعرض لها أمتنا المسلمة، من تشويه للدين، ومحاولات جريئة لقلب مفاهيم هذا الدين العظيم، بالتقريب بين أوامر الإسلام، وعادات الغرب بالتمييع، نسأل الله عز وجل أن يوفقكم للخير وقول الحق.

شيخنا:

في الآونة الأخيرة انتشر بيننا مصطلح أخذ ينتشر في مجتمعاتنا بشكل كبير، ألا وهو ” الطبيب النفسي “، وإني أحدثكم – وإني على عتبات التخرج من كلية الطب بإذن الله تعالى – أن ترشدنا – شيخنا – إلى حكم الشرع في هذا المجال بالذات:” الطب النفسي “، فسؤالي: أرجو من فضيلتكم رفع الشبه عن ادعاءات الأطباء النفسانيين، وتقييم علومهم على ميزان الشرع، وأسرد لكم معاناتي: إنه في الآونة الأخير تضافرت جهود النفسانيين كي يتجمعوا تحت سقف، واسم واحد، للتسويق لبضاعتهم، فكنت من المعجبين بعلمهم، إلى أن بدأنا نأخذ علوم النفس، وطب النفس، وسماع كلام الأطباء النفسانيين، فكانت من مواضيعهم نشر ترهات ” فرويد “، باسم العلم، والتصفيق لفرضياته على أنها حقائق مسلَّمة غير قابلة للنقاش، من تقسيمه للنفس، وتحليله للذات، وذكره لحقيقة الحياة من ناحية الدوافع، وتبعها فرضيات إنما هي شذوذ في التفكير, مثالها: أن يسرد أسباب ميول الأب للبنت، وميول الأم للبنت, بقولهم:” إن الأب إنما في عقله الباطن غيرة من ابنه لحب امرأته لولدها، فمِن أجل هذا هو يفضل ابنته! “, وعلى شاكلتها، ومنها تقسيم الذات، ووصفها بالأنا، والهو، والهو الأعلى، وكل هذا كنا ندرسه باسم العلم، فكانت شرارة الحيرة لدي – شيخنا – بعدها، فأخذت أقبل بعدها على أقوال الملتحين من أطباء النفس، قلت: لعلي أجد ضالتي، وأستوضح الأمر، وأقف على بر اليقين والأمان، فسمعت منهم ما أعجبني، إذ أنهم يجرِّمون ” فرويد ” وتلاميذه، ويجرِّمون ” هيجل ” والفلاسفة بقولهم: إنما هؤلاء على ضلالة، فاستقرت نفسي فترة بسيطة، حتى دخلتها خيوط الشك، بل التساؤل بعدما أتممت أخذ مادة ” الطب النفسي “، فأصبت بخيبة أمل، إذ أنني وجدت أن ” فرويد ” ومن هم على شاكلته أصبحوا الآباء الروحيين لهذا العلم، فكل فلسفاتهم وترهاتهم أصبحت قواعد علمية، بل أسسًا يُستند عليها، ويُبنى على أساسها، فأخذتُ أناقش دكتورنا، فكان لا يتقبل، بل الطامة أنه كان يتقول على العلماء من دون الدليل؛ ليدلل على أقواله، فأخذت أراجعه أن يأتيني بقول عالِمٍ واحدٍ لما يقول، فاستغاظ من فعلي، ومن ثَم أخذ يُدلي بدلوه، وأستوقفه، لكونه كان يمهد لقواعد إن رضينا بها كان فيه مخالفة للعقيدة، وتكذيباً لصُلب هذا الدين، فما كان يطيق استوقافي له، ويبرر قوله بأنه هذا كلام الضالين، نحن فقط ننقله، ونحن مسلمون، فأصابني بالذهول، كيف ينقل كلاما فيه مخالفة لتعاليم رب العالمين للمسلمين كي يسوِّق له على أنه علم مؤطَّر، ومؤصَّل، غير ما رأيت من أسلوب معاملة المرضى، وتخصيصهم غرفًا للمرضى عبارة عن زنزانة، وإنكارهم تسلط الجني على الإنسي بالتخبط والتلبس، وتسميتها بالخزعبلات والترهات، وتصدر المنابر للإفتاء، وتعليم الناس القرآن، تاركين تخصصهم والنقاش فيه، فتولد بها عندي حصيلة من الأسئلة، وأرجو أن لا يضيق صدركم بما ذكرت أو لطول ما سردت:

  1. أليس ” الطب النفسي ” هو تخصص أصله وشهاداته من الغرب، أو من الدول الكافرة عمومًا؟.
  2. أليس حريٌّ بنا أن نعرض ما تعلَّم أطباء النفس من مفاهيم وعلوم على ميزان الشرع؟.
  3. أليس ” طب النفس ” علم طبيٌّ كما يدعي كثير من أطباء النفس؟.

فهل يحق لي – شيخنا – أن أتساءل وأقول: إذا كان ” الطب النفسي ” علماً طبيًّا: فأقول ما هي النفس على ضوء العلوم التجريبية؟ وما هو كنهها؟ وأين تستقر النفس؟ وما هي طبيعة النفس؟ وما هي العوامل التي تؤثر في النفس؟ وعلى أي أساس علمي؟ وكما يقول رواد ” الطب النفسي ” عندنا: أن الإنسان عبارة عن تفاعلات كيميائية، فهل هذا القول صحيح؟ وأقول: ما الفرق بين الحي والميت؟ ولماذا تلك المواد الكيميائية تتفاعل عند الحي ولا تتفاعل عند الميت؟ وللأسف أجدهم يجيبون تلك الأسئلة بالآيات والأحاديث، قلت: إذا كان هذا علمًا تجريبيًّا: لماذا لا يثبتونها تجريبيًّا لا بتصدر كمجالس الإفتاء وتأويل كلام الله عز وجل.

  1. أليس – شيخنا – في إعطاء مريض بلغ به الهم ما الله به عليم حبَّة مخدرة، أو مهدئة، أو مفتِّرة، أو معطلة لوظائف الأعصاب: خيانة للأمانة، ومعارضة لصريح القرآن، ومعارضة لقول الله تعالى: ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا ).
  2. أليس من واجب مَن حمل هذا العلم من ” طب نفسي ” أن يحدد مصادره ومراجعه؛ ليتسنى لأهل العلم مناقشته، والاستيضاح منه؛ لأنهم عندما تسرد لهم حوادث مرت بك يقولون: هذه ليست حجة علينا، وعندما تأتيهم بأقوال في كتب النفس يقولون: هذا ليس معتمدًا، وعندما تنكر عليهم يقولون: نحن رواد ” الطب النفسي الإسلامي “، وكيف سمُّوه ” إسلامي “؟ هل لأنه مسلم يحق له أن يسمِّيه ” إسلامي ” ليتهرب من المناقشة والمسائلة؟.
  3. وأخيرًا: لاحظت فيه – شيخنا – استخدامهم للكذب كوسيلة للعلاج، والادعاء بقولهم: إنه أتانا شخص وبجلستين تم شفاء المرض، والواقع عندما رأيتهم أن الحالات تزداد، ولا تقلّ، وتسوء، ولا تتحسن، ويُعزى سوء حالة المرضى إلى مرضهم، ولا يعزونها لأدويتهم التي تعمل على إفساد أعضائهم، ويجعلون من المريض أنه هو الذي بيده العلاج؛ لأن المشكلة منبعها نفسه.

صراحة – شيخنا – في صدري الكثير، الكثير، وهمٌّ لا يعلمه إلا الله.

  1. التنويم المغناطيسي، فأرجو من فضيلتكم وضع النقاط على الحروف، وعدم الوقوف على حكم إلا بوقوفكم على الأمر، ومعطياته بنفسكم، بعيدًا عن قول الأطباء النفسيين أنفسهم؛ لأني صدمت على جرأتهم، وشجاعتهم في الكذب، وهناك منظمات ضخمة في أمريكا تناهض المدرسة النفسية، وتتهمها بالدجل، لذا أرجو من فضيلتكم تنويرنا بعلمكم، وجزيتم عنَّا خير الجزاء.

الجواب

الحمد لله

*سئل علماء اللجنة الدائمة:

ما حكم الإسلام في التنويم المغناطيسي, وبه تقوى قدرة المنوم على الإيحاء بالمنوم, وبالتالي السيطرة عليه, وجعله يترك محرمًا, أو يشفى من مرض عصبي, أو يقوم بالعمل الذي يطلب المنوم؟.

فأجابوا:

“……. التنويم المغناطيسي ضرب من ضروب الكهانة باستخدام جني حتى يسلطه المنوم على المنوم, فيتكلم بلسانه, ويكسبه قوة على بعض الأعمال بالسيطرة عليه إن صدق مع المنوم وكان طوعًا له مقابل ما يتقرب به المنوم إليه, ويجعل ذلك الجني المنوم طوع إرادة المنوم بما يطلبه من الأعمال أو الأخبار بمساعدة الجني له إن صدق ذلك الجني مع المنوم، وعلى ذلك يكون استغلال التنويم المغناطيسي, واتخاذه طريقًا أو وسيلة للدلالة على مكان سرقة أو ضالة أو علاج مريض أو القيام بأي عمل آخر بواسطة المنوم غير جائز، بل هو شرك؛ لما تقدم، ولأنه التجاء إلى غير الله فيما هو من وراء الأسباب العادية التي جعلها سبحانه إلى المخلوقات وأباحها لهم……. “. فتاوى اللجنة الدائمة1(1 / 345 – 349).

الشيخ عبد العزيز بن باز, الشيخ عبد الرزاق عفيفي, الشيخ عبد الله بن غديان, الشيخ عبد الله بن قعود.

* قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله -:

” لقد كنا في زمن مضى ابتلينا بضلالة لم تكن معروفة من قبل، وهي التنويم المغناطيسي، فكانوا يضللون الناس بشيء سموه بالتنويم المغناطيسي، يسلطون بصر شخص معين على شخص عنده استعداد لينام ثم يتكلم – زعم – في أمور غيبية، ومضى على هذه الضلالة ما شاء الله عز وجل من السنين تقديرًا، ثم حل محلها ضلالة جديدة وهي استحضار الأرواح، ولا نزال إلى الآن نسمع شيئًا عنها، ولكن ليس كما كنا نسمع من قبل ذلك؛ لأنه حل محلها الآن الاتصال بالجن مباشرة, لكن من طائفة معينين، وهم الذين دخلوا في باب الاتصال بالجن باسم الدين، وهذا أخطر من ذي قبل، فالتنويم المغناطيسي لم يكن باسم الدين وإنما كان باسم العلم، واستحضار الأرواح كذلك لم يكن باسم الدين, إنما كان باسم العلم أيضًا “. دروس للشيخ الألباني (44 / 6).

* وقال – رحمه الله -:

” ومن هذا القبيل معالجة بعض المتظاهرين بالصلاح للناس بما يسمونه بـ (الطب الروحاني ), سواء كان ذلك على الطريقة القديمة من اتصاله بقرينة من الجن كما كانوا عليه في الجاهلية, أو بطريقة ما يسمى اليوم باستحضار الأرواح, و نحوه عندي التنويم المغناطيسي, فإن ذلك كله من الوسائل التي لا تشرع لأن مرجعها إلى الاستعانة بالجن التي كانت من أسباب ضلال المشركين كما جاء في القرآن الكريم: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا )[ الجن/الآية 6] أي خوفًا وإثمًا.

و ادعاء بعض المبتلين بالاستعانة بهم أنهم إنما يستعينون بالصالحين منهم, دعوى كاذبة لأنهم مما لا يمكن عادة مخالطتهم ومعاشرتهم التي تكشف عن صلاحهم أو طلاحهم, ونحن نعلم بالتجربة أن كثيرًا ممن تصاحبهم أشد المصاحبة من الإنس, يتبين لك أنهم لا يصلحون, قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ) [ التغابن / من الآية 14 ], هذا في الإنس الظاهر, فما بالك بالجن الذين قال الله تعالى فيهم: ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ) [الأعراف / من الآية 27 ], السلسلة الصحيحة من 1 – 7 (1 / 466).

* قال الشيخ صالح آل الشيخ – حفظه الله -:

” ومن الصور الحديثة التي اختلف فيها العلماء، هل تدخل من الكهانة أم لا تدخل؟ وهل هي من استخدم الجن وعلم الغيب أم لا تدخُل؟ ما يُسَمَّى بالتنويم المغناطيسي, وهذا له صفته, وثَمَّ كتب كثيرة مُؤَلَّفَةْ في ذلك من مختصين في هذا, في أوربا وفي مصر وفي لبنان وفيه معاهد تُعَلِّمْ, هذا الذي يَدَّعُونَ أَنَّهُ فَنٌ أو علم من العلوم، وقد أفتت اللّجنة الدائمة عندنا في فتوىً مشهورة مُطَوَّلَة بأنَّ التنويم المغناطيسي ضَرْبٌ من ضروب الكهانة واستخدام الجن ليتسلَّطَ -بحسب ما عَبَّرُوا- الجني على الإنسي, فيَحْمِلُهُ ويَرْتَفِعْ عن الأرض ويُخْبِرْ بأمورٍ مُغَيَّبَة ويتسلط على نفسه وعلى روحه فيكون له عليها سلطان، وثَمَّ صور كثيرة، واليوم في عدد من البلاد -والعياذ بالله- ثَمَّ معاهد لتعليم عددٍ من هذه الأمور المنكرة، والواجب على المسلمين جميعاً أن يُنْكِرُوا هذا أشد الإنكار، لأنه:

–  أولًا: تَهَجُّمٌ على ما يختص الله عز وجل به.

ثانيًا: لأنَّهُ لا يكون إلا بالإشراك بالله عز وجل إذا صَدَقَ استخدامهم للجن.

–  ثالثًا: إنه فتحٌ لباب الدَّجَلْ وباب الكذب على الناس, وأخذ أموال الناس بالباطل.

وما يأخُذُهُ المُتَكَهِّنْ من المال فهو حرامٌ عليه وخبيث كما جاء في الحديث الصحيح:” حُلْوانُ الكاهن خبيث ” يعني أنه كَسْبٌ مُحَرَّمٌ خبيث، وقد جاء غلام عند أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – فأعطاه طعاماً فأكله أبو بكر رضي الله عنه، ثم قال الغلام: أتدري من أين هذا؟ قال: لا قال: كنت تَكَهَّنْتُ – يقول غلام أبي بكر لأبي بكر – رضي الله عنه – يقول: كنت تَكَهَّنْتُ لرجلٍ في الجاهلية فأعطاني هذا الحلوان، فجعل أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – يُدْخِلُ أصبعه في فيه حتى قَاءَ كل ما في بطنه “.

فهذا من حيث الكسب حرام، ومن حيث السؤال حرام، وذلك لعِظَمِ هذا الذنب، فإنه لا يجوز إقْرَارُهْ ويجب على من يقدر على إنكاره أن يُنْكِرْ “. شرح العقيدة الطحاوية  (1 / 707).

* قال الشيخ سعيد بن علي بن وهب القحطاني:

 أعظم العلاج للأمراض النفسية وضيق الصدر باختصار ما يلي:

1- الهدى والتوحيد، كما أن الضلال والشرك من أعظم أسباب ضيق الصدر.

2- نور الإيمان الصادق الذي يقذفه الله في قلب العبد، مع العمل الصالح.

3- العلم النافع، فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع.

4- الإنابة والرجوع إلي الله سبحانه، ومحبته بكل القلب، والإقبال عليه والتنعم بعبادته.

5- دوام ذكر الله على كل حال وفي كل موطن فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر، ونعيم القلب، وزوال الهم والغم.

6- الإحسان إلى الخلق بأنواع الإحسان والنفع لهم بما يمكن, فالكريم المحسن أشرح الناس صدرًا، وأطيبهم نفسًا، وأنعمهم قلبًا.

7- الشجاعة، فإن الشجاع منشرح الصدر متسع القلب.

8- إخراج دغل القلب من الصفات المذمومة التي توجب ضيقه وعذابه: كالحسد، والبغضاء، والغل، والعداوة، والشحناء، والبغي، وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام: سئل عن أفضل الناس فقال:” كل مخموم القلب صدوق اللسان “، فقالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال:” هو التقي، النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد “.

9- ترك فضول النظر والكلام، والاستماع، والمخالطة، والأكل، والنوم؛ فإن ترك ذلك من أسباب شرح الصدر، ونعيم القلب وزوال همه وغمه.

10- الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة؛ فإنها تلهي القلب عما أقلقه.

11- الاهتمام بعمل اليوم الحاضر وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل وعن الحزن على الوقت الماضي؛ فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا، ويسأل ربه نجاح مقصده، ويستعينه على ذلك؛ فإن ذلك يسلي عن الهم والحزن.

12- النظر إلى من هو دونك, ولا تنظر إلى من هو فوقك في العافية وتوابعها والرزق وتوابعه.

13- نسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها فلا يفكر فيها مطلقًا.

14- إذا حصل على العبد نكبة من النكبات, فعليه السعي في تخفيفها, بأن يقدر أسوأ الاحتمالات التي ينتهي إليها الأمر، ويدافعها بحسب مقدوره.

15- قوة القلب وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة، وعدم الغضب، ولا يتوقع زوال المحاب وحدوث المكاره بل يكل الأمر إلى الله – عز وجل – مع القيام بالأسباب النافعة، وسؤال الله العفو والعافية.

16- اعتماد القلب على الله والتوكل عليه وحسن الظن به سبحانه وتعالى؛ فإن المتوكل على الله لا تؤثر فيه الأوهام.

17- العاقل يعلم أن حياته الصحيحة حياة السعادة والطمأنينة, وأنها قصيرة جدًّا, فلا يقصرها بالهم والاسترسال مع الأكدار؛ فإن ذلك ضد الحياة الصِّحيَّة.

18- إذا أصابه مكروه, قارن بين بقية النعم الحاصلة له دينية أو دنيوية وبين ما أصابه من المكروه, فعند المقارنة يتضح كثرة ما هو فيه من النعم، وكذلك يقارن بين ما يخافه من حدوث ضرر عليه وبين الاحتمالات الكثيرة في السلامة, فلا يدع الاحتمال الضعيف يغلب الاحتمالات الكثيرة القوية، وبذلك يزول همه وخوفه.

19- يعرف أن أذية الناس لا تضره خصوصًا في الأقوال الخبيثة, بل تضرهم فلا يضع لها بالًا ولا فكرًا حتى لا تضره.

20- يجعل أفكاره فيما يعود عليه بالنفع في الدين والدنيا.

21- أن لا يطلب العبد الشكر على المعروف الذي بذله وأحسن به إلا من الله, ويعلم أن هذا معاملة منه مع الله, فلا يبال بشكر من أنعم عليه ( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ).

22- جعل الأمور النافعة نصب العينين, والعمل على تحقيقها, وعدم الالتفات إلى الأمور الضارة فلا يشغل بها ذهنه, ولا فكره.

23- حسم الأعمال في الحال, والتفرغ في المستقبل, حتى يأتي للأعمال المستقبلة بقوة تفكير وعمل.

24- يتخير من الأعمال النافعة والعلوم النافعة الأهم فالأهم, وخاصة ما تشتد الرغبة فيه, ويستعين على ذلك بالله, ثم بالمشاورة, فإذا تحققت المصلحة وعزم توكل على الله.

25- التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة؛ فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم, ويحث العبد على الشكر.

26- معاملة الزوجة والقريب والمعامل وكل من بينك وبينه علاقة إذا وجدت به عيبًا بمعرفة ما له من المحاسن ومقارنة ذلك، فبملاحظة ذلك تدوم الصحبة وينشرح الصدر ” لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر “.

27- الدعاء بصلاح الأمور كلها وأعظم ذلك ” اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، ودنياي التي فيها معاشي، وآخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر “، وكذلك ” اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت “.

28- الجهاد في سبيل الله؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:” جاهدوا في سبيل الله؛ فإن الجهاد في سبيل الله باب من أبواب الجنة, ينجي الله به من الهم والغم “.

وهذه الأسباب والوسائل علاج مفيد للأمراض النفسية، ومن أعظم العلاج للقلق النفسي، لمن تدبرها، وعمل بها بصدق وإخلاص، وقد عالج بها بعض العلماء كثيرًا من الحالات، والأمراض النفسية، فنفع الله بها نفعًا عظيمًا.

” الدعاء، ويليه العلاج بالرقى، من الكتاب والسنَّة “.

*  سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:

هل المؤمن بمرض نفسيًّا؟ وما هو علاجه في الشرع، علمًا بأن الطب الحديث يعالج هذه الأمراض بالأدوية العصرية فقط؟.

فأجاب:

لاشك أن الإنسان يصاب بالأمراض النفسية بالهم للمستقبل والحزن على الماضي، وتفعل الأمراض النفسية بالبدن أكثر مما تفعله الحسية البدنية، ودواء هذه الأمراض بالأمور الشرعية – أي الرقية – أنجح من علاجها بالأدوية الحسية كما هو معروف.

  ومن أدويتها: الحديث الصحيح عن أبن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال : ” أنه ما من مؤمن يصيبه هم أو غم أو حزن فيقول: اللهم إني عبدك, ابن عبدك, ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، إلا فرج الله عنه “, فهذا من الأدوية الشرعية، وكذلك أيضًا يقول الإنسان: ” لا إله إلا أنت سبحانك إن كنت من الظالمين “. ومن أراد مزيدًا من ذلك, فليرجع إلى ما كتبه العلماء في باب الأذكار, كالوابل الصيب لابن القيم، والكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية، والكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية، والأذكار للنووي، وكذلك زاد المعاد لابن القيم.

لكن لما ضعف الإيمان: ضعف قبول النفس للأدوية الشرعية، وصار الناس الآن يعتمدون على الأدوية الحسية أكثر من اعتمادهم على الأدوية الشرعية.

أو لما كان الإيمان قويًّا: كانت الأدوية الشرعية مؤثِّرة تماماً، بل إن تأثيرها أسرع من الأدوية الحسية، ولا تخفي علينا جميعاً قصة الرجل الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية, فنزلوا على قوم من العرب، ولكن هؤلاء القوم الذين نزلوا بهم لم يضيفوهم, فشاء الله – عز وجل – أن لدغ سيدهم لدغته حية – فقال بعضهم لبعض اذهبوا إلى هؤلاء القوم الذين نزلوا لعلكم تجدون عندهم راقيًا، فقال الصحابة لهم: لا نرقي على سيدهم إلا إذا أعطيتمونا كذا وكذا من الغنم، فقالوا: لا بأس، فذهب أحد الصحابة يقرأ على هذا الذي لدغ، فقرأ سورة الفاتحة فقط، فقام هذا اللديغ كأنما نشط عن عقال، وهكذا أثرت قراءة الفاتحة على هذا الرجل؛ لأنها صدرت من قلب مملوء إيماناً، فقال النبي  – صلى الله عليه وسلم –  بعد أن رجعوا إليه: ” وما يدريك أنها رقية “؟.

لكن في زمننا هذا ضعف الدين والإيمان، وصار الناس يعتمدون على الأمور الحسية الظاهرة, وابتلوا فيها في الواقع، ولكن ظهر في مقابل هؤلاء القوم أهل شعوذة ولعب بعقول الناس ومقدراتهم وأقوالهم, يزعمون أنهم قراء بررة، ولكنهم أكلة مال بالباطل، والناس بين طرفي نقيض منهم من تطرف ولم ير للقراءة أثراً إطلاقاً، ومنهم من تطرف ولعب بعقول الناس بالقراءات الكاذبة الخادعة ومنهم الوسط.” فتاوى إسلامية ” (4 / 624) .

هذه التقوى التي نتحدث عنها, تمنع الطبيب المسلم في مجال الطب النفسي من فتح موضوعات مع مراجعات و مريضات نفسيات بطريقة تؤدي إلى تعلقهن به ووقوعهن في شيء من حالات العشق كما هو معروف في عالم الطب النفسي. ” حلية الطبيب المسلم ” المنجد.

وهذا يتطلب من المربي زيادة الوعي بالمشكلات والاضطرابات النفسية والتعرف عليها، والأمر لا يعني كما سبق أن يتحول إلى أخصائي نفسي, لكن أن يملك قدرًا من الثقافة النفسية التي تتناسب مع مهمته, ومما ينبغي مراعاته في ذلك:

1- تصحيح المفاهيم الخاطئة حول الطب النفسي، ومنها:

أ- النظرة السائدة لدى المربين والمتربين التي ترى أن المتدينين لا يصابون بالأمراض والمشكلات النفسية (39 ).

ب – النظرة الأخرى التي تفسر المشكلات النفسية بنقص الإيمان والتدين، وهو وإن كان عاملا مهما, إلا أنه ليس بالضرورة العامل الوحيد، ومثل هذا التفسير له أثره على من يصاب بمرض نفسي، فيشك في إيمانه, ويبالغ في اتهام نفسه مما يزيد من معاناته.

ج- النفرة من الطب النفسي, والتخوف من التعامل معه.

2- التعريف بأبرز المشكلات والأمراض النفسية المنتشرة التي يمكن أن يواجه بها الشاب، كالاكتئاب، والوسواس القهري….إلخ.

3- حسن التعامل مع الشباب, والاستماع لهمومهم ومشكلاتهم, والسعي لمساعدتهم بالرأي والتوجيه، مما يجعل المربي قريبًا منهم يستشيرونه في مشكلاتهم وهمومهم.

4- اجتناب التعامل الخاطئ مع المشكلات النفسية الذي يزيدها تعقيدًا، ومن أبرز ذلك التعامل القاسي والتأنيب لمن يصاب بالوسواس، وهي حالة تحدث في مواقف كثيرة، والبعد عن لوم المصاب بهذا المرض, وكثرة تحديثه عن تلاعب الشيطان به.

5 – تهذيب الدوافع وإشباعها بالطرق المشروعة: تعرف الدوافع بتعريفات عدة، منها أنها: ” حاجة ناقصة تتطلب الإشباع، ويظل الفرد متوترًا حتى تشبع هذه الحاجة بدرجة معينة..”. انتهى.

* قال الدكتور فالح بن محمد الصغير:

وقد أثبتت التجارب في الشرق والغرب أن معالجة الإنسان الغاضب بالعقاقير فقط خطأ جسيم، ونظرية قاصرة، وأن العلاج بالمعنويات هو السبيل الأنجع للحد من حالة الغضب وغيره، حتى صار بعض الغربيين يعتمدون في العلاج على بعض أنواع الموسيقى، أو الرقص في مواجهة مشكلاتهم النفسية، ففروا من شيء ووقعوا في أشد منه.

ومن هنا كان واجبًا على أطباء الأعصاب وأطباء النفس أن يعوا حقيقة النفس البشرية, وعلاقتها مع الشيطان, وأن يدركوا أن منشأ الغضب ومصدره هو الوسواس الخناس, التي يجري من ابن آدم مجرى الدم, كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لا مناص من هذه الحقيقة ولا خلاص من المشكلة إلا بالربط بين الغضب أو أية حالة نفسية أخرى وبين الشيطان, فإذا عرف الداء، تعرف آثاره، ويعرف علاجه بإذن الله تعالى. ” الغضب، مفهومه، ومنشؤه “.

* وقال – في المقال نفسه -:

أثبتت الدراسات والوقائع أن الغضب يحدث ما يلي – أي: من الآثار الصحية -:

أ – جلطات دماغية، نتيجة الإفراز الزائد لهرمون الأدرينالين الذي يؤدي إلى زيادة ضربات القلب بشكل متكرر ودفع الدم بغزارة إلى الدماغ مما يحدث نزيفًا فيه.

ب – ترسب الدهون والشحوم في الشرايين, مما يؤدي إلى تصلبها وعدم وصول الدم إلى الدماغ، فيحدث ذبحة صدرية.

ج – الغضب الزائد والانفعال المستمر يزيد من حموضة المعدة, ويحدث فيها قرحة مزمنة قد لا تنفع معها الأدوية.

د – الغضب يحدث اضطرابًا في عمل الكليتين، لأنه يحدث اضطرابًا في توازن الأملاح فيهما.

هـ – يؤثر الغضب على الدورة الدموية الخاصة بالأعضاء التناسلية, فيؤدي إلى نوع من العجز الجنسي لدى الرجل، وبرود جنسي لدى المرأة.

و – الغضب يحدث إمساكًا شديدًا ومزمنًا للأمعاء، لأنها في حالة الغضب تكون متقلصة لا تستطيع القيام بامتصاص المواد المفيد للجسم من الأطعمة والأشربة.

ز – تنتج عن الغضب الإصابة بمرض القولون العصبي، وقد تفشى هذا المرض بشكل هائل بين الناس، وكله بسبب الانفعالات العصبية الكثيرة, وهو من الأمراض المزمنة، وصاحبه يلازم الأدوية طوال حياته.

ح – الغضب المستمر يؤدي إلى الإصابة بالسكر، نتيجة زيادة هرمون الأدرينالين عند الغضب والذي يضعف مفعول هرمون (الأنسولين) الذي يفرزه البنكرياس لحرق السكر في الدم.

ط – أكدت الدراسات الحديثة أن المصابين بالانفعالات النفسية والعصبية عندهم قابلية أكثر للإصابة بالأمراض الخبيثة، لأن الغضب يحدث اضطرابًا في الهرمونات في الغدد الصماء وعدم استقرارها يهيئ جوًا مناسبًا داخل الجسم للأمراض الخبيثة.

ي – تظهر على الغضبان آثار وأمراض لا يعرف لها مصدرًا، وقد يعالج عند كثير من الأطباء ويعمل كثيرًا من الفحوص المخبرية والإشعاعية ولا يجدون شيئًا يعالجونه فيزداد قلقه وكدره، ويتضاعف حزنه واكتئابه فيستمر معه هذا المرض أزمانًا عديدة. انتهى.

* وقال – من الأضرار النفسية -:

أ – التوتر والقلق المرافقين للإنسان الذي يغضب كثيرًا هذا في اليقظة، أما في حالة النوم فتكثر الكوابيس عليه والأحلام المزعجة التي لا تدعه ينام بالشكل الكافي، مع عدم الراحة في النوم.

ب – عدم القدرة على إنجاز الأعمال لعدم القدرة على التركيز، والشعور بالتعب بسرعة، وكذا الشعور بالملل دائمًا.

ج – عدم إدراك الأشياء على حقيقتها، فتختلط معه الحقيقة بالخيال، والواقع بالأحلام، فربما يتخيل شيئًا ويظنه حقيقة يسعى إليها.

د – قصور في التفكير الصحيح، فالغاضب قد ينصاع لأتفه فكرة، أو يقتنع بأسوأ عقيدة.

هـ – انشغال الفكر بأشياء تافهة, أو غير مهمة, والبعد عن الأشياء المهمة, فينشغل مثلاً بأن فلان عمل معي كذا وكذا، وفلان وقف مني كذا.. وكلها أوهام لا حقيقة لها.

ز – يرتب الغضبان على الأشياء التافهة مواقف ضخمة قد تؤدي به إلى نتائج خطيرة, فيصور له الشيطان أن هذه الصغائر كبائر فيتعامل معها كذلك.

ح – حدوث أمراض نفسية كثيرة – كما سبقت الإشارة إليه في الآثار الصحية – وهذه الأمراض النفسية إن لم يتداركها صاحبها ويعرف العلة الحقيقية, تزداد مع الزمن زيادة تشغله عن المهمات في هذه الحياة, فتكدرها عليه, فلا يستطيع أن يعمل بالبناء السليم في هذه الحياة، وإنما ينشغل تفكيره في نفسه المهلهلة. انتهى.

وفي آخر البحث قال:

إن هذا البحث حول حديث:” لا تغضب ” كان جولة مع الطب النفسي النبوي، الذي وصفه لنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى, وإنما هو وحي يوحى، أطلعنا على كثير من أسرار النفس البشرية, ومشكلاتها, وأمراضها، التي لم نكن نعرف عنها إلا اليسير، وأرشدنا إلى الدواء الناجع لمعالجة هذه المشكلات والأمراض، وتفادي أخطارها على المسلمين وأوطانهم، ليكونوا صفًا واحدًا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، وأطلعنا هذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم على حقيقة العلاقة بين النفس البشرية ودور الشيطان فيها، وطرقه التي يدخل منها إلى الإنسان, ويغريه بالآمال الكاذبة، ويصور له الخيال واقعًا، والحقيقة خيالًا، ودلنا عليه الصلاة والسلام على طرق الوقاية من الوسواس الخناس عند الغضب، والالتزام بالحلم في الأمور كلها, فإن الحلم صفة حميدة, لا يؤتى إلا لذي حظ عظيم, وبهذا التشخيص النبوي وهذا العلاج النفسي، يمكن للمسلم أن يعيش حياة سعيدة بعيدة عن الأحقاد والمشاجرات، ويعيش حياة هادئة بعيدة عن الأمراض النفسية والتوترات العصبية. انتهى.

الطب النفسي واليهود:

وقد أثارت حقيقة أن مؤسسي التحليل النفسي ورواده الأوائل كانوا جميعهم تقريبًا من أعضاء الجماعات اليهودية كثيرًا من الجدل حول مدى العلاقة بين ظهور نظرية التحليل النفسي ومضمونها والانتماء أو الأصل اليهودي، وذلك رغم أن فرويد وأتباعه كانوا من اليهود المندمجين وغير المتمسكين بممارسة الشعائر والتقاليد الدينية اليهودية، بل كانوا يسخرون من اليهود غير المندمجين، خصوصًا يهود شرق أوربا, وقد تنصَّر بعض أتباع فرويد, حيث اعتنق أدلر البروتستانتية, واعتنق رانك الكاثوليكية، لكن رانك عاد مرة أخرى إلى اليهودية عند زواجه, غير أن كل هذا لا ينفي وجود التأثير اليهودي في فكرهم، فرغم رفضهم العقلي لليهودية ورغم اندماجهم في بيئتهم الثقافية والاجتماعية إلا أن تكوينهم الثقافي والاجتماعي اليهودي الخاص كان له تأثير لا شك فيه على كلٍّ منهم يتفاوت من حالة إلى أخرى.

وقد تعدَّدت وتباينت التفسيرات في هذا الصدد، فذهب البعض مثل إرنست جونز أحد أتباع فرويد وكاتب سيرته الذاتية (وهو غير يهودي) إلى نفي أية أهمية أو دلالة للانتماء اليهودي لفرويد وأتباعه، ولكنه كان يرى أيضاً أن تمسك فرويد بنظريته وأفكاره (رغم المعارضة الشديدة التي واجهته) ينهض دليلًا على قدرة اليهود« الموروثة » على الصمود أمام العداء والرفض، وهو تفسير سطحي متهافت, وفي محاولة تفسير وجود عدد كبير من أعضاء الجماعات اليهودية كمؤسسين لعلم النفس والتحليل النفسي وكممارسين له، يمكننا أن نورد هذه الأسباب كمحاولة مبدئية: … – وبيَّنها –

وقد واجه التحليل النفسي هجومًا حادًّا بسبب ما كان يشكله من تهديد للمفاهيم السائدة حول السلوك البشري بشكل عام والسلوك الجنسي بشكل خاص, ولأن رواده كان أغلبهم من أعضاء الجماعات اليهودية، فقد تضاعف الهجوم عليه من قبل المعادين لليهود, ومع مجيء النازيَّة إلى أوربا، انتقل كثير من علماء النفس الأوربيين اليهود إلى الولايات المتحدة.

ولم يكن أعضاء الجماعات اليهودية من رواد التحليل النفسي في الولايات المتحدة، ولم يبدءوا في دخول هذا المجال بشكل واسع إلا بعد انتقال علماء النفس اليهود الأوربيين إلى الولايات المتحدة, إذ انتقلت معهم أيضاً بعض مدارس علم النفس الأكاديمي المهمة مثل الجشطالت. وكان لأعضاء الجماعات اليهودية، خصوصا في الولايات المتحدة، مساهمات مهمة ومتنوعة في بلورة النظريات الخاصة بعلم النفس في الفترة المعاصرة. انتهى. فرويد واليهود.

موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية عبد الوهاب المسيري – (ج 8 / ص 274).

القرن التاسع عشر بداية صعود الطب النفسي وبداية توصيف وتصنيف الأمراض العقلية والنفسية وبداية معاملة المرضى معاملة إنسانية طيبة, كما تأسست أقسام لعلم النفس الأكاديمي في الجامعات الأوربية, وانتشرت معامل علم النفس في المدن الأوربية والأمريكية, وظهرت مدارس عديدة في علم النفس, تطرح كل منها تفسيراتها ونظرياتها الخاصة حول حقيقة السلوك والطبيعة البشرية ودوافعها.

وأدَّى انعتاق أعضاء الجماعات اليهودية في أوربا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر إلى إتاحة الفرصة لهم للالتحاق بالجامعات الأوربية, حيث وجدوا في المجالات العلمية التي كانت لا تزال حديثة وهامشية، مثل علم النفس، فرصاً أكبر للحراك والتقدم العلمي لم تكن متوافرة في المجالات العلمية الأقدم والأكثر عراقة.

وشكَّل أعضاء الجماعات اليهودية نسبة كبيرة في حقل علم النفس الأكاديمي بجميع فروعه ومدارسه، كما لعبوا دورًا رياديًّا في الطب النفسي, وفي نشأة التحليل النفسي ومدارسه, ومع هذا، لا يمكن الحديث عن « علم نفس يهودي » أو « تحليل نفسي يهودي » وهكذا، فالمحللون النفسيون وعلماء النفس من أعضاء الجماعات اليهودية يختلفون فيما بينهم ويتخاصمون وينتمون لمدارس وتيارات فكرية متصارعة، أُسُسها الفلسفية مختلفة.

وقد اشترك بعض أعضاء الجماعات اليهودية في تأسيس بعض معامل علم النفس في كلٍّ من بلجيكا وهولندا وألمانيا والولايات المتحدة في نهايات القرن التاسع عشر….

وقد اختلف بعض أتباع فرويد معه, ومن أبرزهم ألفريد أدلر وأوتو رانك (وهما يهوديان) وكارل يونج، وانتهى بهم الأمر إلى الانفصال عن مدرسته وتأسيس مدارس أخرى في التحليل النفسي.

وقد اختلف أدلر (1870 ـ 1937) مع فرويد حول مدى أهمية الغريزة الجنسية في تكوين الأمراض العصبية، ورأى أن « الشعور بالنقص » الذي ينشأ في الطفولة، سواء نتيجة ضعف أو نقص بدني أو متاعب وصعوبات في بيئة الطفل، هو السبب الأول في تكوين هذه الأمراض, واعتبر أن دافع القوة وتفرُّد الذات هو القوة الإيجابية المسيطرة على الحياة على خلاف فرويد الذي اعتبر الدافع الجنسي القوة المهمة الفعالة, وأطلق أدلر على نظريته الجديدة « علم النفس الفردي ». انتهى..

” فرويد ” والمخدرات:

وركز فرويد في دراساته على العلوم الأساسية, كالتشريح وعلم وظائف الأعضاء, بدأ فرويد عام ( 1873 م ) أول سلسلة من أبحاثه العلمية الأصيلة حيث قام بدراسة الغدد التناسلية الذكرية لثعبان الماء، وقام بإجراء دراسات أخرى في مجال الأعصاب, كما أجرى بعض التجارب عن الكوكايين, وكان هو نفسه يتعاطاه ويقدمه لخطيبته وأصدقائه، ووجد أنه يشفي من الاكتئاب ويساعد على التغلب على عُسر الهضم, ونشر عام ( 1884 م ) ورقة بعنوان « حول الكوكا », تحدث فيها عن خواص الكوكايين التخديرية وربط بين استخداماته العلاجية وبين الممارسات الدينية لمواطني أمريكا الجنوبية, وكان فرويد يتصور أنه اكتشف عقارًا سحريًّا يشفي كل شيء, وأنه من ثم سيتمكن من خلاله أن يحقق لنفسه الشهرة التي كان يبحث عنها, ولكن حينما عرفت المؤسسة الطبية بأمر تجاربه،وُجّه إليه نقد شديد لاستخدامه الكوكايين خارج نطاق العمليات الجراحية. انتهى.. ” موسوعة اليهود واليهودية “.

” فرويد ” والتنويم المغناطيسي:

وكجزء من تدريبه سافر فرويد إلى فرنسا عام ( 1885 م )، حيث اتصل بعدد من الأطباء الفرنسيين المتخصصين في الأمراض النفسية وعلى رأسهم شاركو وبيير جانيه، وكانوا في علاجهم الأمراض العقلية يستعملون التنويم المغناطيسي (ولنُلاحظ النمط المتكرر: المخدرات والعلاج النفسي, التنويم المغناطيسي والعلاج النفسي, وأخيرًا العلاج النفسي من خلال دراسة اللاوعي ), فاهتم فرويد بهذه الطريقة واكتشف أن من الممكن، في أحوال كثيرة، جعل المريض يتذكر حوادث ومشاعر, يبدو أنها كانت سبباً في إحداث أعراض مَرَضية عصبية أو نفسية, فاستنتج من هذا أن استعادة مثل هذه الذكريات وما صاحبها من تجارب انفعالية تفيد في علاج المريض، لأنه وجد أن أعراض المرض غالبًا ما كانت تختفي متى كان التذكر ممكنًا, وقد عرف من شاركو فكرة الارتباط بين المرض النفسي والجنس.

وبعد عودة فرويد إلى فيينا عام ( 1886 م ) توثقت علاقته مع جوزيف بروير الذي كان قد أجرى بعض المحاولات لعلاج المرضى المصابين بالهستريا, وقد سعى فرويد بالتعاون مع بروير إلى إكمال هذه الطريقة, لكن تبيَّن لهما أن التنويم المغناطيسي لا يُفيد إلا في مساعدة المريض على التذكر واستعادة التجارب التي أدَّت إلى المرض, وبمزيد من التجارب تبيَّن لبروير أن بالإمكان الاستعاضة عن التنويم المغناطيسي بما سماه أحد مرضاه «العلاج بالمحادثة»، وذلك بأن يتحادث مع المريض في موضوعات انفعالية دون الاستعانة بالتنويم المغناطيسي.

ولنا أن نُلاحظ أن علاقة الطبيب الذي يستخدم التنويم المغناطيسي مع مرضاه لا تختلف كثيرًا عن علاقة المحلل النفسي بمرضاه، فكلٌ من المنوم المغناطيسي والمحلل يأخذ دور الإرادة الأعلى، فهو السوبرمان، والمريض السبمان لا يمكنه أن يَشفَى إلا بأن يتخلى عما بقي لديه من إرادة، ويذعن لإرادة المنوم المتأله تمامًا، ويفضي بما داخله فيتطهر، وعملية التطهر، في حالة المحلل النفسي، تتم من خلال التفسير, بحيث يدرك المريض نفسه من خلال تفسير طبيبه النفسي.

انتهى.. ” موسوعة اليهود واليهودية “.

وفيها:

إن الرؤية الفرويدية جزء من حركة تفكيكية تقويضية عامة, بدأت في واقع الأمر مع المشروع التحديثي الغربي، وتصاعدت حدتها في القرن التاسع عشر، ثم وصلت إلى قمتها مع الحركة التفكيكية في أواخر القرن العشرين, وكان فرويد يدرك أنه جزء من هذه الحركة التفكيكية التقويضية، فقد وصف نفسه بأنه أحد ثلاثة طعنوا نرجسية الإنسان ( أي قاموا بتفكيكه ورده إلى المادة ): كوبرنيكوس, وداروين, وفرويد نفسه. وفرويد محق في ذلك تماماً؛ فكوبرنيكوس بيَّن للإنسان أن الأرض ليست مركز الكون، ومن ثم فالإنسان ليس ذا أهمية خاصة في النظام الشمسي، وإنما مجرد جزء من كل, وقد عمَّق داروين هذا الاتجاه حين بيَّن أن الإنسان سليل القرود وابن الطبيعة الذي أنتجته من خلال عملية تطورية ليس لها هدف واضح ولا يحظى الإنسان فيها بأهمية خاصة.

وأخيرًا جاء فرويد ليُبيِّن أن القرد لا يوجد خارج الإنسان وحسب, وإنما يوجد داخله وفي صميم كيانه, فإذا كان كوبرنيكوس وداروين قد حطما أي تفرُّد خارجي للإنسان، فإن فرويد حطم أيضاً أوهام التفرُّد الداخلي بحيث يصبح الإنسان خاضعاً لقوانين الطبيعة / المادة من الداخل والخارج، ومن ثم تم تحويله إلى مادة كاملة. انتهى.

شيخ عبد العزيز في بداية لقائنا في هذه الحلقة نعود إلى رسالة الأخ: عبد الهادي النور بشير من قوات الشعب المسلحة في الخرطوم، جمهورية السودان، أخونا يقول: في قطرنا توجد مستشفيات للأمراض النفسية وبعض الدكاترة يقول: إن الموسيقى هي هدوءٌ نفسي، فما حكم ذلك في الإسلام، ولا سيما أن كثيرًا من الناس يرى أنه قد استفاد منها؟. ” نور على الدرب ” ابن باز ( شريط 307 ).

الإسلام يتحدى وحيد الدين خان – (ج 1 / ص 214 ).

ومن شقوة الإنسان أن علماء النفس يبذلون كل ما يمكنهم من الجهود فى الكشف عن أمراض نفسية وعصبية جديدة، ولكنهم فى نفس الوقت يهملون بذل الجهود للوصول إلى علاج لهذه الأمراض, وهذه الظاهرة تثير شعورًا كئيبًا بأن هؤلاء العلماء قد أخفقوا فى الميدان الأخير، ولذلك أكبوا على الميدان الثاني يسترون خيبتهم ويظهرون بطولتهم أمام العالم !

وإلى ذلك أشار أحد العلماء المسيحيين قائلًا: ” إن علماء الطب النفسي يبذلون كل جهودهم في كشف أسرار القفل الدقيقة الذي سوف يغلق علينا كل أبواب الصحة!. “. انتهى.

التداوي بالأدوية الحسية الخالية من المحرمات:

مسائل في التداوي والرقى – (ج 1 / ص 20 )

وقد أوضحت الدراسات الطبية العصبية، وجود خلل في النواقل العصبية في بعض مناطق الدماغ, يُضعف قدرة الدماغ على مقاومة الوساوس الذهنية (كالأفكار العقدية ) والعملية ( كوساوس النظافة والعبادات ), مما يجعل الشخص غير قادر على متابعة تفكيره وتصرفاته بالصورة السليمة، وقد تم تصنيع أدوية نفسية متعددة تفيد كثيرًا في علاج الوساوس القهرية وتقوي قدرة الدماغ على تتابع الأفكار السليمة وطرد الأفكار العقيمة وما معها من مشاعر مؤلمة, وهذه الأدوية أجازتها الهيئات الصحية العالمية بعد دراسات مستفيضة أثبتت فاعليتها الطبية، وليس فيها مواد مخدرة أو مسكرة، ولا تؤدي إلى الإدمان، وقد أفتى بجواز استعمالها عدد من أهل العلم منهم الشيخ ابن عثيمين، – رحمه الله -، والشيخ صالح الفوزان.

وقد ورد سؤال إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية من شخص لديه وساوس عقدية فكان من جواب اللجنة: « ادفع عنك الوساوس والخواطر الخبيثة واستعذ بالله منها، وأكثر من ذكر الله, وتلاوة القرآن, ومخالطة الأخيار، وعالج نفسك عند دكتور الأمراض النفسية والعصبية، واتق الله ما استطعت، والجأ إليه في كل ما أصابك…».

انتهى من ” مسائل في التداوي والرقى ” محمد بن عبد الله الصغير.

فتاوى واستشارات الإسلام اليوم – (ج 20 / ص 479):

والأمراض النفسية كثيرة جدا، وأنواعها متفرقة، جزء منها أثبتت الدراسات أن لديها جينات محددة، وتنتقل عن طريقة الوراثة، فهذه الأمراض ليس لها ارتباط بالإيمان، ولكن تنتقل عن طريق وجود تاريخ عائلي لهذا المرض أو غيره.

نحن في الطب النفسي لا نغفل الجانب الإيماني، بل إن الطبعة الأخيرة من أحد كتب الطب النفسي الغربي غيرت طريقة العلاج في الطب النفسي من علاج دوائي نفسي اجتماعي، إلى دوائي نفسي اجتماعي روحي.

فالغرب رغم بعدهم عن الجانب الروحي الذي يعيشه الإنسان المسلم الحق، ومع ذلك هم يعترفون به كعامل مهم في نجاح العملية العلاجية، فعندما نصف للمريض العلاج الدوائي، ونحوِّله إلى الأخصائي النفسي أو الاجتماعي إذا احتاج, لا نغفل جانب تذكيره بالله، وربطه بالأدعية والأذكار، والطاعات، على حسب جهده وطاقته، لكن هذا الأمر لا يكون في كل الحالات، ولا في أي وقت من العلاج، بل نتحين الوقت المناسب لزرع هذه الإيمانيات في قلب المريض.

ويجب أن تعرف –  يا أخي السائل – أن الأمراض النفسية نوعان وهي:

ذهانية: كالفصام والضلالات، وغيرها، وهذه الحالات يفقد المريض البصيرة بمرضه. انتهى.  ” المرض النفسي وضعف الإيمان “. المجيب: د. تركي بن حمود البطي.

مس الجن للإنسان ثابت وقد قامت الأدلة على ذلك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، الواقع يؤيد ذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجن في بدن المصروع وغيره، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك، فقد كذب على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك ) مجموعة الفتاوي ( 24/276 ).

عصابية: كالاكتئاب، والوسواس القهري، والقلق، وغيرها، وهذه الحالات يكون المريض مستبصرًا بحالته، ويمكن تطبيق العلاج الروحي معه.

” مفاهيم خاطئة حول الطب النفسي ” فالح بن محمد الصغير.

” مفاهيم خاطئة عن الطب النفسي ” طارق الحبيب.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة