تفسير قوله تعالى: ( خلق من ماء دافق ).

السؤال

ما هو تفسير الآيتين 5 و6 من سورة الطارق، قال تعالى: “… خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب”؟

الجواب

الحمد لله

هذه الآية الكريمة يذكر الله تعالى فيها خلق الإنسان، ويبين لنا أنه خُلق من ماء الرجل والمرأة، وأن ماء الرجل يخرج من ظهره، وماء المرأة يخرج من صدرها أو ما بين ثدييها.

هذا هو مجمل معنى الآية، وإليك أقوال المفسرين وترجيحهم:

قال الشافعي:

والماء الدافق الثخين الذي يكون منه الولد والرائحة التي تشبه رائحة الطلع.

” الأم ” ( 1 / 53 ).

وقال الطبري:

وقوله: { فلينظر الإنسان مم خلق } يقول تعالى ذكره: فلينظر الإنسان المكذب بالبعث بعد الممات المنكر قدرة الله على إحيائه بعد مماته { مم خلق } يقول: من أي شيء خلقه ربه؟

ثم أخبر جل ثناؤه عما خلقه منه فقال: { خلق من ماء دافق } يعني: من ماء مدفوق، وهو مما أخرجته العرب بلفظ فاعل وهو بمعنى المفعول، ويقال: إن أكثر من يستعمل ذلك من أحياء العرب سكان الحجاز إذا كان في مذهب النعت كقولهم: هذا سر كاتم، وهمٌّ ناصب، ونحو ذلك.

وقوله: { يخرج من بين الصلب والترائب } يقول: يخرج من بين ذلك، ومعنى الكلام: منهما، كما يقال: سيخرج من بين هذين الشيئين خيرٌ كثيرٌ، بمعنى: يخرج منهما. ” تفسير الطبري ” ( 30 / 143 ).

وبعد أن ذكر خلاف العلماء في معنى ” الترائب ” قال:

والصواب من القول في ذلك عندنا: قول من قال: هو موضع القلادة من المرأة حيث تقع عليه من صدرها؛ لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب، وبه جاءت أشعارهم.

قال المثقِّب العبدي:

ومِن ذَهَب يُسنُّ على تَريب    كَلَوْنِ العاج ليس بذي غُضون

وقال آخر:

والزعفرانُ على ترائِبها     شَرِقاً به اللبَّاتُ والنحرُ

وقوله: { إنه على رجعه لقادر } يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي خلقكم أيها الناس من هذا الماء الدافق فجعلكم بشرًا سويًّا بعد أن كنتم ماءً مدفوقًا على رجعه لقادر. ” التفسير ” ( 30 / 145 ).

وقال القرطبي:

{ من ماء دافق } أي: من المني، والدفق: صب الماء، دفقتُ الماء أدفقه دفقًا: صببته، فهو ماء دافق، أي: مدفوق، كما قالوا: سر كاتم، أي: مكتوم؛ لأنه من قولك: دفق الماء على ما لم يسم فاعله،  ولا يقال: دفق الماء، ويقال: دفق الله روحه، إذا دُعيَ عليه بالموت.

قال الفراء والأخفش: { من ماء دافق } أي: مصبوب في الرحم.

الزجاج: من ماء ذي اندفاق، يقال دارع وفارس ونابل أي ذو فرس ودرع ونبل، وهذا مذهب سيبويه.

فالدافق: هو المندفق بشدة قوته، وأراد ماءين: ماء الرجل وماء المرأة؛ لأن الإنسان مخلوق منهما لكن جعلهما ماء واحد لا امتزاجهما. ” تفسير القرطبي ” ( 20 / 4 ).

وقال: أي هذا الماء من بين الصلب أي: الظهر …

والترائب: أي: الصدر، الواحدة: تريبة، وهي موضع القلادة من الصدر … قال ابن عباس: الترائب: موضع القلادة، وعنه: ما بين ثدييها … ” تفسير القرطبي ” ( 20 / 5 )

وقال ابن كثير:

وقوله تعالى { خلق من ماء دافق } يعني: المني يخرج دفقا من الرجل ومن المرأة فيتولد منهما الولد بإذن الله عز وجل، ولهذا قال: { يخرج من بين الصلب والترائب }، صلب الرجل وترائب المرأة، وهو صدرها …

وقوله تعالى: { إنه على رجعه لقادر } فيه قولان:

أحدهما: على رجع هذا الماء الدافق إلى مقره الذي خرج منه لقادر على ذلك، قاله مجاهد وعكرمة وغيرهما.

والقول الثاني: إنه على رجع هذا الإنسان المخلوق من ماء دافق، أي: إعادته وبعثه إلى الدار الآخرة لقادر؛ لأن من قدر على البداءة قدر على الإعادة، وقد ذكر الله عز وجل هذا الدليل في القرآن في غير ما موضع وهذا القول قال به الضحاك واختاره ابن جرير، ولهذا قال تعالى { يوم تبلى السرائر } أي: يوم القيامة { تبلى فيه السرائر } أي: تظهر وتبدو ويبقى السر علانية والمكنون مشهورًا.  ” تفسير ابن كثير ” ( 4 / 499 )

وقال ابن القيم:

وقد قال تعالى { فلينظر الإنسان مم خلق . خلق من ماء دافق . يخرج من بين الصلب والترائب }، قال الزجاج: قال أهل اللغة: التربية: موضع القلادة من الصدر، والجمع ترائب، وقال أبو عبيدة: الترائب: معلق الحلي من الصدر، وهو قول جميع أهل اللغة، وقال عطاء عن ابن عباس: يريد صلب الرجل وترائب المرأة، وهو موضع قلادتها، وهذا قول الكلبي ومقاتل وسفيان وجمهور أهل التفسير، وهو المطابق لهذه الأحاديث، وبذلك أجرى الله العادة في أيجاد ما يوجده من بين أصلين كالحيوان والنبات وغيرهما من المخلوقات.” تحفة المودود ” ( ص 277 ، 278).

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة