(اللغة العربية لغة الظاء لا الضاد)

(اللغة العربية لغة الظاء لا الضاد)

شاع على ألسنة المشتغلين بالعربية وغيرهم أن العربية لغة الضاد ..
ويساق في هذا الصدد حديث حكم ابن كثير عليه بأن لا أصل له :
«أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش» . ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، تح: مازن الجصلي، جمعية إحياء التراث الإسلامي، الكويت، ط1، 2004(29/1).
كما يساق قول المتنبي :
لاَ بِقَوْمِي شَرُفْتُ بَلْ شَرُفُوا بِي …
وَبِنَفْسِي فَخَرْتُ لاَ بِجُدُودِي
وبهم فخـر كل من نطق الضا …
دَ وعوذ الجاني وغوث الطريد

ولكن عند التحقيق ربما حكمنا بأن هذه التسمية فيها نوع من المجازفة العلمية كبير ….
إليكم هذه النقول :
يقول ابن دُرَيد “ت321 هـ :”ستة أحرف للعرب، ولقليل من العجم؛ وهن: العين، والصاد، والضاد، والقاف، والطاء، والثاء”].
انظر:ابن دريد، جمهرة اللغة، تح: رمزي منير بعلبكي، دار العلم للملايين لبنان، ط1، 1987. ج1 ص41.
فهذا يثبت وجود الضاد عند العجم
وذهب مكي بن أبي طالب إلى أن الخصوصية للعرب في الضاد يرجع فقط إلى كثرة استعمال العرب للضاد مقارنة بغيرهم لا إلى احتكاره دون غيرهم .
يقول مكيُّ بن أبي طالب “ت437هـ”:
“ستَّة أحرف انفردت بكثرة استعمالِها العربُ، وهي قليلة في لغات بعضِ العجم، ولا توجد ألبتة في لغات كثير منهم، وهي: العين، والصاد، والضاد والقاف، والظاء، والثَّاء”
( انظر :مكي بن أبي طالب، الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة، تح: أحمد حسن فرحات، دار عمار، الأردن، ط3، 1996. ص113)

ولهذا الرَّأي الأخير انتصر طائفةٌ من المُحَقِّقين؛ من أمثال: أبي حيَّان النَّحْوي “ت745هـ”[انظر :همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، تح: عبدالحميد هنداوي، المكتبة التوفيقية، مصر، د.ت. ج3ص490]، وعزِّ الدين ابن جماعة “ت767هـ”[شرح كافية ابن الحاجب، تح: محمد محمد داود، دار المنار، د.ت. ج1 ص338.].

وهذا المذهب يتوافق مع ما توصَّلَ إليه المُشتغِلون بعلم اللغات المقارن؛ فإنهم يكادون يُجمِعُون على أنَّ مقولة: “العربية لغة الضاد” ليست دقيقة تمامًا، ومال بعضُهم إلى تأكيد وُجودِ صوت الضاد أو أَثَرٍ منه في اللُّغات السَّامية الأخرى،
ومن البحوث الرَّائدة في هذا المجال: الدراسة التي تقدَّمت بها “سلوى ناظم” إلى مؤتمر مَجمع اللغة العربية بالقاهرة في دورته الخامسة والستِّين، موسومةً بـ: “العربية لغة الضاد أم الظاء؟!”، وفيها تُقرِّر: “أن الضاد التي وصفها القدامى لها وجودٌ في اللغات الحبشية.
(انظر: كمال بشر، علم الأصوات، دار غريب، مصر، 2000. ص264).
……………….

أما أن اللغة العربية هي لغة الظاء فهذا أقرب إلى الحقيقة منه إلى المجازفة …
فقدصَرَّح الخليل في مقدمة “العين” قائلاً: “وليس في شيءٍ من الألسن ظاءٌ غير العربية”[العين. ج1 ص53]، وكرَّر هذا المعنى في موضع آخر من الكتاب عينِه بقوله: “والظاء عربية لم تُعطَ أحدًا من العجم، وسائر الحروف اشتركوا فيها”(المصدر نفسه. ج8 ص174).
وبمثل قول الخليل يصرِّحُ مكي بن أبي طالب[الرعاية لتجويد القراءة. ص113]، وأَبو حيَّان النحوي، وشيخُه ابنُ أَبي الأَحْوَص، وغيرُ واحِدٍ[تاج العروس من جواهر القاموس. ج38 ص529.]، بل قد نقل أبو عمرٍو الداني الإجماعَ في هذه المسألة؛ فقال:
“أجمع علماء اللُّغة على أنَّ العرب خُصَّت بحرف الظاء دون سائر الأمم، لم يتكلَّم بها غيرهم”[الفرق بين الضاد والظاء في كتاب الله – عز وجل – وفي المشهور من الكلام، تح: حاتم صالح الضامن، دار البشائر، سورية، ط1، 2006. ص 34.]؛
فعلى هذا تكون العربية لغةَ الظَّاء لا الضَّاد.

فمن مجموع ما تقدَّم يُمكن القولُ: إنَّ نعتَ اللغة العربية بأنها لغة الظاءُ أَولى من نعتِها بكونها لغةَ الضاد؛
يقول كمال بشر: “هناك إشارات متناثرة في أعمال السابقين والخالفين تشير بل تكاد تُؤكِّد أنَّ صوت الظاء “لا الضاد” هو الخاص بالعربية”[علم الأصوات. ص272.]، ومن جملة تلك الإشارات المُومَأ إليها: البحث الموسوم بـ: “العربية لغة الضاد أم الظاء؟”، الذي تقدَّمت به “سلوى ناظم” إلى مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة في دورته الخامسة والستين[المرجع السابق. ص264.]، تُثبِتُ من خلاله أن الأَولى نعتُ اللسان العربي بأنه لسان الظاء.

ولكن :، نظريًّا لا يختلف عاقلان أن الحُكم على صوتٍ ما بأنه حِكرٌ على لسانٍ بعَينه، لا يتأتَّى إلا بعد استقراء جميع لغات البشر، وهيهاتَ لإنسانٍ أن يستقرئ جميع أنواع اللسان، فهذا الشافعيُّ “ت 204هـ” يقول:
“ولسان العرب أوسعُ الألسنة مذهبًا، وأكثرها ألفاظًا، ولا نعلمه يُحيط بجميع علمِه إنسانٌ غير نبيٍّ، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامَّتها حتى لا يكون موجودًا فيها مَن يعرفه” (لرسالة، تح: أحمد محمد شاكر، دار الكتب العلمية، لبنان د. ت. ص42).

فإذا كانت الإحاطة باللسان العربي نفسِه مُمتنِعة، مع أنَّ أهلَه كانوا موجودين في رقعة جغرافية محدَّدة؛ فكيف الإحاطة بلغات سائر البشر، والحكم على صوت أو أصوات بعينِها بأنه قد خُصَّت به لغة دون بقيَّة اللغات؟!

#مشاركاتكم_
……

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

ابقَ على إتصال

2,282المشجعينمثل
28,156أتباعتابع
10,000المشتركينالاشتراك

مقالات ذات صلة