معلمة تطلب نصائح في إيصال معاني أركان الإيمان وأنواع التوحيد لطالبات صغيرات

السؤال

السؤال:
أنا معلِّمة دِين، ولدي طالبات للصفوف الأولية، بالتحديد الثالث الابتدائي، ولديهم دروس عن الإيمان، وتعريف كل ركن من أركان الايمان، وشرحه لهم بطريقة مبسطة، فكيف أوصل لهم هذه المعلومات بطريقة سهلة، ومفهومة؟ وإذا كانت المعلومات تتكلم عن صفات الله وأسمائه فكيف أفعل؟.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

هذا سؤال جيد، يدل على رغبة في الخير، وإتقان العمل، والمسئولية الملقاة على عاتق المدرسات عظيمة، تحتاج منهن بذل المزيد من الجهد، والتفنن في إيصال المعلومة للطالبات، وخاصة إن كنَّ في سنٍّ صغير.
وقد فرحنا جدّاً بأن كان السؤال عن طريق إيصال العقيدة السلفية الصحيحة للطالبات الصغيرات ؛ فإن غرس الاعتقاد السليم هو خير ما يربَّى عليه الطلاب والطالبات في أوائل أعمارهم، وما نراه من ضلال وانحراف في الاعتقاد في العالَم الإسلامي إنما هو بسبب عدم تربية النشء منذ صغره على الاعتقاد الصحيح، ولو تأمل المسلم في نفسه لرأى أنه كان يعتقد في صغره خرافات، ويفعل ما هو شرك أو بدعة، والآباء والأمهات في غفلة عن تعليم أولادهم العقيدة الحقَّة، بل في كثيرٍ من الأحيان لم يكونوا هم أنفسهم على علم بما هو ضلال وهدى.
ولذا كان الواجب على المدرسين والمدرسات أن يقوموا بالدور المهم في تنشئة هذه الأجيال على الاعتقاد الصحيح منذ نعومة أظفارهم، يعينون أهالي الطلبة والطالبات على تربية ذلك النشء إن كان أهاليهم يقومون بذات المهمة، ويكونون بدلاء عنهم إن كانوا غافلين، أو مقصرين.

ثانيًا:
وإننا لنعتب على بعض من يرى أنه لا ينبغي تعليم الأولاد في صغرهم مسائل الاعتقاد! ونراهم مخطئين أشد الخطأ، وليعلموا أنهم بذلك يمشون على أصول في التربية مخالفة لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام، ومن تبعهم بإحسان، فقد كان أولئك يعلمون الصغار مسائل الاعتقاد بما يناسب حالهم، وسنَّهم، ولم يكن صغر سنِّهم بمانع من تربيتهم على الاعتقاد الصحيح، والخالي من الخرافة، والضلال.
* قال ابن القيم – رحمه الله -:
فإذا كان وقت نطقِهم: فليلقنوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، وليكن أول ما يقرع مسامعهم معرفة الله سبحانه، وتوحيده، وأنه سبحانه فوق عرشه ينظر إليهم، ويسمع كلامهم، وهو معهم أينما كانوا، وكان بنو إسرائيل كثيرًا ما يسمون أولادهم بـ ” عمانويل “، ومعنى هذه الكلمة: ” إلهنا معنا “، ولهذا كان أحب الأسماء إلى الله عبد الله، وعبد الرحمن، بحيث إذا وعى الطفل، وعقل: علم أنه عبد الله، وأن الله هو سيده، ومولاه. ” تحفة المودود بأحكام المولود ” ( ص 231، 232 ).

ثالثًا:
وأما الوصايا التي ننصح بها في هذا الجانب، وهو سهولة إيصال المعلومة للطالبات عند الأخت السائلة، وغيرها من المدرسات:
1. استخدام العبارة السهلة في تعليم مبادئ الاعتقاد الصحيح، والبُعد عن الاصطلاحات الصعبة، ولنأخذ مثالًا من سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث خاطب ابن عباس رضي الله عنه وهو غلام صغير بقوله: يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: (احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ).
رواه الترمذي ( 2516 ) وقال: حديث حسن صحيح.
فانظري ماذا في الحديث من معاني جليلة، علَّمها النبي صلى الله عليه وسلم لغلام دون العاشرة! وفيه بيان معاني جليلة لتوحيد الألوهية، والربوبية، والأسماء والصفات: مِن صرف الدعاء لله تعالى، والاستعانة به وحده، وأن النفع والضرر بيد الله تعالى، وأنه هو الرازق، الواهب، سبحانه وتعالى، مع ما في الحديث من ذِكر لبعض أركان الإيمان، كالإيمان بالقضاء والقدر، ولذلك كان هذا الحديث على ما فيه من كلمات يسيرة إلا أنه احتوى على معانٍ جليلة، فاحرصوا على تحفيظه للطالبات، وتعليمهن معانيه بأيسر أسلوب، وتطبيق ذلك عمليّاً في حياتهن، ولنقرأ ما قاله الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في الثناء على هذا الحديث، حيث قال:
وهذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة، وقواعد كليَّة من أهم أمور الدين، حتى قال بعض العلماء: ” تدبرتُ هذا الحديث فأدهشني، وكدت أطيش “، فوا أسفا من الجهل بهذا الحديث وقلة التفهم لمعناه.
” جامع العلوم والحكَم ” ( 1 / 185 ).

* وقال الدكتور محمد بن عبد العزيز بن أحمد العلي – حفظه الله -:
مما يؤخذ من هذا الجزء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم – أي: قوله: (يا غلام: إني أعلمك كلمات ) الأمور التالية:
1. وجوب تعليم الناس العقيدة الصحيحة، وتربيتهم عليها، وعلى العلم النافع، ويكون ذلك بأسلوب مختصر، وكلِم جامع واضح، فلو تأملت هذا الحديث: لوجدته جامعًا لمسائل عقدية كثيرة بأسلوب موجز.

2. الحرص على تربية الناشئة على العلم النافع، ويبدأ بتربيتهم على العقيدة الصافية الخالصة؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم وجَّه هذه الكلمات النافعات إلى ابن عباس وهو صغير؛ إذ قال له: ( يا غلام: إني أعلمك كلمات )؛ ليتربى الشاب المسلم على معرفة الله، وتوحيده، وحفظ حدوده، يلجأ إلى الله في الرخاء، والشدة، ويسأله، ويستعين به، ويتوكل عليه عز وجل، فيصبح شجاعًا مقدامًا؛ لأنه يعلم أنه لا يملك أحد من البشر له نفعًا، ولا ضرًا، إلا بإذن الله تعالى، ولأن الله معه ينصره، ويؤيده، وييسر له أموره، ما دام متمسكاً بشرع الله، إخلاصًا، واتباعًا.
فعلى الجميع الحرص على غرس الإيمان في نفوس الأبناء، وتربيتهم على فهم أصول الإيمان، والعمل بأحكام الإسلام، وتعويدهم على المراقبة والمحاسبة منذ الصغر، قبل أن تصلهم الفلسفات الإلحادية، والشبهات البدعية، والشهوات المغرضة، وغير ذلك مما تشنه تلك الحملات المسعورة من حرب ضروس ضد شباب الأمة ذكورًا وإناثًا، مرة باسم التثقيف، وباسم التسلية والترفيه مرات أخرى.
” مجلة جامعة أم القرى “، العدد 23، شهر شوال 1422هـ ، ديسمبر ( كانون الأول) 2001.

2. يمكن إيصال معاني أسماء الله تعالى وصفاته، وغرس توحيد الربوبية، والألوهية، في الطالبات عن طريق الأذكار الشرعية، والأدعية الواردة في السنَّة، فأذكار النوم – مثلًا – والاستيقاظ منه فيها معاني جليلة تؤدي الغرض الذي ذكرنا أنها تحتوي عليه لتتربى عليه الطالبات، ففي هذه الأدعية: أن الله تعالى هو المحيي، وهو المميت، وحده لا شريك له، وفيها معاني إتقان العمل قبل الاستسلام للنوم، والتوبة من المعاصي والذنوب، وأن الله هو الذي يُدعى دون غيره، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، ففي هذا الذكر وحده: تستطيع المدرسة إيصال أنواع التوحيد لتغرسها في اعتقاد الطالبات بأيسر أسلوب، وأسهل طريق.

3. تستطيع المدرسة استخراج مواهب الطالبات، ومعرفة مستوى تفكيرهن؛ لإنضاج الصحيح منها، والإنكار على الخطأ: وذلك بجعل الطالبات تستخرج المعاني العقيدية من الآيات القرآنية التي تقرؤها المدرسة عليهن، فتقرأ المدرسة طائفة من الآيات القرآنية، وتذكر معانيها مختصرة، ثم تطلب منهن استخراج الفوائد المتعلقة بأركان الإيمان، وأنواع التوحيد، مما اشتملت عليه تلك الآيات، ومن شأن هذه الطريقة تربية الطالبات على التعلق بالقرآن الكريم، وتوسيع نطاق الفائدة بمدارسة الطالبات مع أهاليهن تلك الآيات لاستخراج تلك الفوائد، والمسائل.

4. استعمال أسلوب القصص، وهو الطريقة المحببة لصغار السن، فالإيمان بالرسل الكرام عليهم السلام، والملائكة: من أركان الإيمان، وقد احتوى القرآن الكريم على كثير من القصص المتعلق بهذين الركنين، كقصة الملائكة مع إبراهيم عليه السلام، ومع آدم عليه السلام من قبلُ، وفي ثتايا هذه القصص تُذكر الأركان الأخرى، كالإيمان بالله تعالى، واليوم الآخر، وذلك من خلال قراءة قصص إهلاك الملائكة للقوم الكافرين، وذِكر ما توعدهم الله عليه يوم القيامة.

5. الاستعانة بالأفلام الكرتونية، واللوحات التصويرية، والفلاشات، مما ليس فيه مخالفة شرعية في إيصال معاني أركان الإسلام، وأنواع التوحيد، وعالَم الإنترنت مليء بهذا، وعليكم التعاون مع أهل العلم والخبرة بهذا الشأن.

6. الطلب من الطالبات تلخيص الكتب سهلة الأسلوب والتي اعتنت بذكر مسائل الإيمان، والتوحيد، ونذكر في هذا الصدد كتابين:
الأول: كتاب ” تعليم الصبان التوحيد ” للشيخ محمد بن عبد الوهاب.
والثاني: كتاب ” أركان الإيمان للأطفال ” للشيخ عمرو عبد المنعم سليم.

هذا ما تيسر ذِكره في هذا الباب، ونسأل الله تعالى أن يوفق المدرسين والمدرسات لأداء هذه الرسالة العظيمة، وأن يجنبهم الزلل، والخطأ.

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة