حكم الحقائب المصنوعة من جلود التماسيح والثعابين والفيلة.
السؤال
ما حكم استخدام الحقائب والمحافظ المصنوعة من جلود التماسيح والثعابين والفيلة؟ وكذلك ما حكم استخدام ناب الفيل بعد موته لاستخراج العاج الذي يستخدم في عدة صناعات؟
الجواب
الحمد لله
أولا:
يختلف – أولًا – حكم استعمال جلود التماسيح والفيلة والثعابين تبعًا للاختلاف في حكم لحومها، فمن رأى أن أكلها جائز: فقد جعل ذكاتها تطهيرًا لجلودها، ومن رأى أنها من الحيوانات المحرم أكلها: فقد رأى بعض العلماء جواز استعمال جلودها بعد دباغها، ومنع من ذلك آخرون، ورأوا أن الدباغ لا يصلح إلا في مأكول اللحم.
والذي نراه – والله أعلم – أن الحيوانات المذكورة في السؤال ليست من المباح أكلها، وأن الدباغ لا يطهر جلودها.
أما التمساح: فهو حرام لأنه من ذوات الأنياب، وهو من الحيوانات البرية لا البحرية.
قال البهوتي:
( ويحل كل حيوان بحري )؛ لقوله تعالى: ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة ) وقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ماء البحر: ” هو الطهور ماؤه الحل ميتته “. رواه مالك وغيره. ( غير ضفدع ) , فيحرم نصًّا, واحتج بالنهي عن قتله؛ ولاستخباثها, فتدخل في قوله تعالى: ( ويحرم عليهم الخبائث ) ( و ) غير ( حية )؛ لأنها من المستخبثات ( و ) غير ( تمساح ) نصًا؛ لأن له نابًا يفترس به ويؤكل القرش؛ كخنزير الماء؛ وكلبه؛ وإنسانه؛ لعموم الآية والأخبار, وروى البخاري: ” أن الحسن بن علي ركب على سرج عليه من جلود كلب الماء “.
” شرح منتهى الإرادات ” ( 3 / 410 ، 411 ).
وقال النووي:
( وأما ) التمساح فحرام على الصحيح المشهور وبه قطع المصنف – أي: الشيرازي – في ” التنبيه ” والأكثرون, وفيه وجه. ” المجموع ” ( 9 / 34 ).
وأما الأفاعي والثعابين: فهي من المستخباث طبعًا، وقد حرِّم علينا أكل الخبائث، وقد جاء الإذن بقتلها في الحل والحرم، وما كان كذلك فلا يحل أكله.
* قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
ومن ذلك حشرات الأرض، كالفأرة، والحيات، والأفاعي، والعقارب، والخنفساء، والعظاية، والضفادع، والجرذان، والوزغ، والصراصير، والعناكب، وسام أبرص، والجعلان، وبنات، وردان، والديدان، وحمار قبان، ونحو ذلك.
فجمهور العلماء على تحريم أكل هذه الأشياء؛ لأنها مستخبثة طبعا، والله تعالى يقول: ( وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَـائِثَ ).
وممن قال بذلك: الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وابن شهاب وعروة وغيرهم – رحمهم الله تعالى -، ورخص في أكل ذلك: مالك، واشتراط في جواز أكل الحيات أن يؤمَن سمها.
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أباح قتل الفأرة، وما ذكر معها من الفواسق، فدل ذلك على عدم إباحتها.
واعلم أن ما ذكره بعض أهل العلم كالشافعي من أن كل ما يستخبثه الطبع السليم من العرب الذين نزل القرآن عليهم في غير حال ضرورة الجوع حرام؛ لقوله تعالى: ( وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَـائِثَ ) استدلال ظاهر لا وجه لما رده به أهل الظاهر من أن ذلك أمر لا يمكن أن يناط به حكم لأنه لا ينضبط؛ لأن معنى الخبث معروف عندهم، فما اتصف به فهو حرام؛ للآية.
ولا يقدح في ذلك النص على إباحة بعض المستخبثات، كالثوم؛ لأن ما أخرجه الدليل يخصص به عموم النص، ويبقى حجة فيما لم يخرجه دليل، كما قدمنا.
ويدخل فيه أيضاً كل ما نص الشرع على أنه خبيث، إلا لدليل يدل على إباحته، مع إطلاق اسم الخبث عليه. ” أضواء البيان ” ( 2 / 237 – 239 ) مختصرًا.
وأما الفيل: فالظاهر فيه أنه من ذوات الناب من السباع، وهي محرمة بالنص.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
ومن ذلك الفيل: فالظاهر فيه أنه من ذوات الناب من السباع، وقد قدمنا أن التحقيق فيها التحريم؛ لثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مذهب الجمهور.
وممن صححه من المالكية: ابن عبد البر والقرطبي.
وقال بعض المالكية كراهته أخف من كراهة السبع، وأباحه أشهب، وعن مالك في ” المدونة ” كراهة الانتفاع بالعاج: وهو سن الفيل.
وقال ابن قدامة في ” المغني “: والفيل محرم، قال أحمد: ليس هو من أطعمة المسلمين، وقال الحسن: هو مسخ، وكرهه أبو حنيفة، والشافعي، ورخص في أكله الشعبي.
ولنا نهى النَّبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع، وهو من أعظمها نابا؛ ولأنه مستخبث فيدخل في عموم الآية المحرمة للخبائث ا.هـ.
وقال النووي في ” شرح المهذب “: الفيل حرام عندنا، وعند أبي حنيفة والكوفيين، والحسن، وأباحه الشعبي، وابن شهاب، ومالك في رواية.
وحجة الأولين أنه ذو ناب ا.هـ. ” أضواء البيان ” ( 2 / 235 ).
ثانيًا:
وإذا ثبت أن تلك الحيوانات مما لا يجوز أكلها: فليعلم أن الذكاة لا تحل لحومها، ولا تطهر جلودها، وغير مأكول اللحم لا تبيح الدباغة جلوده.
ثالثًا:
وأما استعمال ناب الفيل: فلا حرج فيه؛ لأنه لا تحله الحياة، فهو كالشعر يجوز استعماله من حيوان مأكول وغير مأكول.
قال شيخ الإسلام – رحمه الله -:
إنَّ علة نجاسة الميتة إنما هو احتباس الدم فيها، فما لا نفس له سائلةً ليس فيه دمٌ سائلٌ، فإذا مات لم يحتبس فيه الدم، فلا ينجس، فالعظْم ونحوه أولى بعدم التنجيس مِن هذا؛ فإنَّ العظم ليس فيه دمٌ سائلٌ، ولا كان متحركاً بالإرادة إلا على وجه التَّبَع، فإذا كان الحيوان الكامل الحساس المتحرك بالإرادة لا ينجس لكونه ليس فيه دمٌ سائلٌ: فكيف ينجس العظـم الذي ليس فيه دمٌ سائلٌ؟ وإذا كان كذلك: فالعظم، والقرن، والظفر، والظلف، وغير ذلك ليس فيه دمٌ مسفوحٌ فلا وجه لتنجيسه، وهذا قول جمهور السلف.
قال الزهري: كان خيار هذه الأمة يمتشطون بأمشاطٍ مِن عظام الفيل، وقد روي في العاج حديثٌ معروفٌ لكن فيه نظرٌ ليس هذا موضعه، فإنَّا لا نحتاج إلى الاستدلال بذلك. ” مجموع الفتاوى ” ( 21 / 99 و 101).
والحديث الذي أشار إليه شيخ الإسلام – رحمه الله – وهو حديث ثوبان – رضي الله عنه – أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اشْتَرِ لِفَاطِمَةَ قِلاَدَةً مِنْ عَصَبٍ وَسِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ.
– وقد رواه أبو داود، وفيه: حُميد الشامي وسليمان المنبهي، وكلاهما مجهولان.
والله أعلم.


