التعليق على طريقة خرافية في طرد النمل من المنزل بمخاطبتها!

السؤال

قرأت في أحد المنتديات أن طريقة عجيبة تستخدم لطرد النمل، فعندما يقتحم النمل منزلك من الممكن مخاطبته! قال الله الحكيم في محكم كتابه الكريم: ( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ … ) النمل/ 17 – 19. لقد أشار القرآن الكريم إلى حقيقة علمية كبيرة وهي ذكاء النمل وقدرته على المحاكمة العقلية والفكرية ومواجهة الأخطار وذلك من خلال هذه القصة التي حدثت مع نبي الله سليمان على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام، فقد استطاعت نملة صغيرة من تحديد مكان سليمان والطريق الذي سوف يمر به وهذا لم يكن ليتم لولا هذه القدرات الخارقة التي يتمتع بها النمل.

ولقد كشف العلم الحديث عن بعض العجائب من سلوك النمل الذكي وتطور جهازها العصبي، فعند دراسته تحت المجهر يظهر لنا أن دماغ النملة يتكون من فصَّين رئيسيين يشبه مخ الإنسان، ومن مراكز عصبية متطورة وخلايا حساسة.

قصة مجربة:

أجد أني شخصيًّا أتروى كثيرًا عندما أرى قبيلة من النمل تقتحم المطبخ أو صالة المعيشة أو غرف النوم في منزلي، ولا أميل أبداً أن أهلكها وأبيدها بكل بساطة وسهولة باستخدام المبيدات الحشرية معها، ولكني أقف عاجزة ماذا أفعل؟.

– هل أستخدم المبيدات الحشرية؟.

– أو أتركها تفعل ما تشاء وتنتشر في أرجاء المنزل؟.

إلى أن اهتديت بحمد الله وتوفيقه إلى وسيلة: ألا وهي مخاطبة النمل!.

أتعجبون؟.

نعم، لقد تعجبت في بداية الأمر.

ذكر لنا أحد أقربائنا أنه اطلع على عبارات تخاطب فيها النمل ليخرج من منزلك، وذكر لنا أن نكرر هذه العبارة ( 3 مرات ) مع النفخ بصورة خفيفة على مكان خط سير النمل، وهي:

” يا نملة يا بنت النمال، أخرجي من بيتي في الحال، وإلا أرسلت عليك جنود سليمان”.

طبعًا لم أستوعب في بداية الأمر أن يكون لهذه الكلمات تأثير ما، ولكن أعطيت نفسي – التي تتألم لاضطرارها في بعض المرات لقتل مملكة نمل كاملة – فرصة للتجربة فهي خير برهان، جربت مخاطبتها وكلما أمر على المكان أعيد الكلمات عليها، فرأيت أن النمل يتضاءل قليلًا قليلًا، وفي اليوم الثاني يختفي لا أثر لوجوده نهائيًّا ( وللأمانة قد أجد 3 أو 4 نملات فأعيد عليهم الخطاب ).

لم أنقل هذه التجربة إلا بعد قيامي بها عشرات المرات والحمد لله تعالى لم أستعمل منذ ( 3 سنوات ) أي مبيد حشري مع النمل.

والله جل وعلا على ما أقول شهيد. فما توجيهكم لي؟.

الجواب

الحمد لله

هذه القصة المنتشرة في مواقع الإنترنت والذي جاء ذِكرها في السؤال مما يُزعم أنها طريقة مجربة لإخراج النمل من البيوت: بادية عليها آثار الخرافة! ولنا عليها تعليقات:

أولًا: الحديث مع الحيوانات وفهم كلامها ليس لآحاد الناس، بل هو آية من آيات الله تعالى وهبها الله تعالى لأنبيائه داود وسليمان ومحمد عليهم الصلاة والسلام.

قال تعالى ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ) النمل/ 16.

* قال ابن كثير – رحمه الله -:

وقوله ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ )، أي: أخبر سليمان بنعَم الله عليه فيما وهبه له من الملك التام، والتمكين العظيم، حتى إنه سَخَّر له الإنس والجن والطير، وكان يعرف لغة الطير والحيوان أيضاً، وهذا شيء لم يُعطَه أحد من البشر – فيما علمناه – مما أخبر الله به ورسوله ….

ولكن الله سبحانه وتعالى كان قد أفهم سليمان عليه السلام ما يتخاطب به الطيور في الهواء، وما تنطق به الحيوانات على اختلاف أصنافها، ولهذا قال: (عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) أي: مما يحتاج إليه الملك.

( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ) أي: الظاهر البيِّن لله علينا.

” تفسير ابن كثير ” ( 6 / 182 ).

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ قَالَ: فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ فَقَالَ: ( مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ؟ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟ ) فَجَاءَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: ( أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؛ فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ ).

رواه أبو داود ( 2594 ) وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود “.

* قال الخطَّابي – رحمه الله -:

الهدف: كل ما كان له شخص مرتفع من بناء وغيره.

والحائش: جماعة النخل الصغار لا واحد له من لفظه.

والذفري من البعير: مؤخر رأسه، وهو الموضع الذي يعرق من قفاه.

وقوله تدئبه: يريد: تكده وتتعبه.

” معالم السنن ” ( 2 / 248 ).

ثانيًا: قولهم في مخاطبة النمل ” يا نملة يا بنت النمال، أخرجي من بيتي في الحال، وإلا أرسلت عليك جنود سليمان “: فيه كذب واضح! فمن أين للقائل جنود سليمان ليرسلها على النمل؟! وإن من جنود سليمان الجن والطير كما قال تعالى ( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ) النمل/ 17، وهذا من الملك الذي لا ينبغي لأحد بعد سليمان عليه السلام، كما قال تعالى ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ) ص/ 35، فمن أين لهذا القائل هذا الملك وهذه الجنود التي اختص الله تعالى بها سليمان عليه السلام؟!.

ثالثًا: ولا يصح قياس هذا الفعل على التحريج على الحيات؛ فإن ذلك كان في وقت خاص وفي بقعة خاصة، حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من الممكن أن تكون تلك الحيات من الجن الذي أسلموا في ذلك الوقت.

عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ بِالْمَدِينَةِ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ قَدْ أَسْلَمُوا فَمَنْ رَأَى شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْعَوَامِرِ فَلْيُؤْذِنْهُ ثَلاَثًا فَإِنْ بَدَا لَهُ بَعْدُ فَلْيَقْتُلْهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ ). رواه مسلم ( 2236 ).

وبما ذكرناه يتبين للجميع أنه لا يجوز للمسلم العاقل أن يصنع مثل ما جاء في السؤال، والنمل في البيوت يُدفع بما تيسر من الطرق دون قتله؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فإن لم يندفع إلا بالقتل جاز قتله بالمبيدات وغيرها، دون الحرق.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة