هل الكلب والخنزير نجسان لذاتيهما مع كون الله تعالى خالقهما؟

السؤال

سألني أحد المسيحين لماذا يعتبر الإسلام أن الكلاب والخنازير نجسة على الرغم من أنها مخلوقات من الله، إنه لا يسأل عن لحومهم ولكنه يريد أن يعرف لماذا يخشى أي مسلم أن يقترب كلب منه مخافة أن يلمسه؟ ويريد أن يعرف على وجه الخصوص أين ذكر ذلك في القرآن؟ أو هل يوجد حديث يدل على ذلك؟ وما هي الحيوانات الأخرى التي تعتبر نجسة؟ برجاء الرد على سؤالي لأن هذا الشخص لديه رغبة في الإسلام.

بارك الله فيكم.

الجواب

الحمد لله

أولا:

يبدو أن الخلل عند ذاك النصراني متأصل عند كثيرٍ منهم في أن الله تعالى لا يمكن أن يكون خالقا للشر والخبيث والنجس! وهذا خلل في أصل الاعتقاد؛ فالله تعالى خالق كل شيء، الخير والشر والطيب والخبيث، وما هو طاهر وما هو نجس، ولكل خلْقٍ من خلقه تعالى حكَم جليلة، تقوم بها الحياة، ويحصل فيها الابتلاء للخلق، وليس كل حيوان خلقه الله تعالى فهو يؤكل من قبل البشر، كما هو الحال في الفئران والحشرات والسباع الضارية، ومَن يأكل ذلك مِن الناس فهم ممن فسدت فطَرهم.

ثانيا:

القول بنجاسة الخنزير والكلب ليس حكما متفقا عليه، بل من العلماء من يرى طهارتهما، ونجاسة عينهما وإن كان هو قول جمهور العلماء لكن لا يظهر أنه القول الراجح، وقد قال بطهارة عينهما الإمام مالك ووافقه عليه أكثر المالكية، وهو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وكثير من المعاصرين، وهو القول الذي نراه راجحا، وقد فرَّق بعض العلماء بين الكلب والخنزير فقالوا بنجاسة الأول دون الثاني، وهو قول لبعض الشافعية.

قال الشيرازي الشافعي – رحمه الله -:

وأما الخنزير فنجس لأنه أسوأ حالا من الكلب؛ ولأنه مندوب إلى قتله من غير ضرر فيه، ومنصوص على تحريمه، فإذا كان الكلب نجساً فالخنزير أولى، وأما ما تولَّد منهما أو من أحدهما : فنجس؛ لأنه مخلوق من نجس فكان مثله. انتهى.

 

قال النووي – رحمه الله – معلِّقا -:

نقل ابن المنذر في كتاب ” الإجماع ” إجماع العلماء على نجاسة الخنزير، وهو أولى ما يحتج به لو ثبت الإجماع، ولكن مذهب مالك طهارة الخنزير مادام حيًّا، وأما ما احتج به ” المصنف ” فكذا احتج به غيره ولا دلالة فيه، وليس لنا دليل واضح علي نجاسة الخنزير في حياته. ” المجموع ” ( 2 / 568 ).

وعكسه آخرون فقالوا بطهارة الكلب دون الخنزير، وهو قول لبعض الحنفية.

وقال الكاساني الحنفي – رحمه الله -:

وأما الكلب: فالكلام فيه بناء على أنه نجس العين أم لا، وقد اختلف مشايخنا فيه، فمَن قال إنه نجس العين فقد ألحقه بالخنازير فكان حكمه حكم الخنزير، ومَن قال إنه ليس بنجس العين فقد جعله مثل سائر الحيوانات سوى الخنزير، وهذا هو الصحيح.

” بدائع الصنائع ” ( 1 / 63 ).

وهكذا نرى أنه ثمة خلاف في حكم نجاسة ذات الخنزير والكلب، وكما قدمنا فإننا نرى أنهما طاهران وأن نجاستهما حكمية لا حسيَّة، ومعنى النجاسة الحكمية هنا حرمة أكل لحمهما.

وقد نقلنا كلامًا لشيخ الإسلام ابن تيمية في أن الأصل في الأعيان – ومنه الحيوانات – الطهارة، وفيه بيان طهارة الكلب لذاته وأن ريقه نجس لوجود النص على ذلك، وبه يُعلم الجواب عن تسمية الحيوانات النجسة، وأن الأصل فيها الطهارة على الراجح من أقوال العلماء.

ثالثا:

وإذا علمنا أن الأصل في الكلب الطهارة فليس ثمة ما يمنع من مسِّه عند الحاجة كأن يكون كلب صيد أو ماشية أو حراسة زرع، وبعض من يرى من العلماء طهارة ذات الكلب يشدد في مسّه وهو رطب أو تكون يد الماس له رطبة.

وأما من يرى من الناس – تبعا لمن يقلدونهم من العلماء – أن الكلب نجس فإنه يتحاشى مسَّه أو يبتعد عن الكلب خشية أن يمسه لأنه لا يجوز في الشرع مس النجاسة، ويجب التنزه عنها، ولم يرد في ذلك شيء من نصوص الوحي لا في القرآن ولا في السنَّة، إلا ما ثبت من غسل الإناء الذي يشرب منه الكلب سبع مرات إحداهن بالتراب.

وكذا الخنزير ليس ثمة نص في القرآن والسنَّة يدل على نجاسة عينه.

قال سليمان البجيرمي – رحمه الله -:

استدل بعضُهم على نجاسة الخنزير بقوله تعالى ( أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) ) الأنعام/ 145، بناء على رجوع الضمير للخنزير.

قال النووي: وهو غير متعين، بل يحتمل رجوعه للمضاف، وهو اللحم، يعني: أن لحمه نجس بعد موته، ولا يدل على نجاسته في حياته.

” تحفة الحبيب على شرح الخطيب ” ( 1 / 150 ).

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة