التعليق على حديث أم سلمة في رؤيا منام للنبي صلى الله عليه وسلم في مقتل الحسين

السؤال

أتساءل عن حديث روي لأم سلمة رضي الله عنها وكانت تبكي فسئلت عن ذلك فقالت: إنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب، فسألته : ما هذا يا رسول الله؟  فقال لها: لقد ذهبت إلى المكان الذي استشهد فيه الحسين. أخرجه الترمذي  باب مناقب أهل البيت ( 218 ).

يزعم البعض – استنادا إلى هذا الحديث الشريف – أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يكون شاهدا لما يحدث في عالمنا، ويمكن أن يأتينا حتى بعد مماته، فهل هذا حديث صحيح ؟ وإن كان صحيحاً، فما التفسير الأرجح له؟

أفيدوني أفادكم الله، وجزاكم الله خيرا.

الجواب

الحمد لله

أولا:

الحديث الوارد في السؤال روي عن سَلْمَى، قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ تَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تَعْنِي فِي الْمَنَامِ – وَعَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ التُّرَابُ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: شَهِدْتُ قَتْلَ الحُسَيْنِ آنِفًا. رواه الترمذي ( 3771 ).

والحديث ضعيف، قال الترمذي رحمه الله بعد أن رواه ” حديث غريب “، يعني: ضعيف، وسبب ضعفه: جهالة ” سلمى ” الراوية عن أم سلمة رضي الله عنها.

قال الشيخ المباركفوري – رحمه الله -: ” وقد وهم ” القاري ” وهما شنيعا فقال: “سلمى ” هذه هي زوجة أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم قابلة إبراهيم بن نبي الله صلى الله عليه وسلم “. هذا الحديث ضعيف؛ لجهالة ” سلمى “. انتهى من ” تحفة الأحوذي ” ( 10 / 188 ).

و” القاري ” المقصود في كلام الشيخ المباركفوري هو الشيخ ” الملا علي القاري ” رحمه الله، وكلامه في ” سلمى ” قد ذكره في كتابه ” مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح “. والحديث ضعفه – كذلك – الشيخ الألباني رحمه الله في ” ضعيف الترمذي “.

وقال الشيخ عبد المحسن العبَّاد – حفظه الله -: ” هذا حديث غير صحيح؛ في إسناده ” سلمى ” هذه المجهولة التي لا تُعرف، وهذه رؤيا رأتْها أم سلمة، ومعلوم أن رؤيا غير الأنبياء ليست بوحي، فرؤيا الأنبياء وحي، ورؤيا غيرهم ليست كذلك، والقصة من حيث الإسناد ما ثبتت لأن فيها من هو مجهول وهي هذه المرأة التي تروي عن أم سلمة “. انتهى من ” شرح سنن الترمذي ” ( شريط رقم 408 ).

ثانيا:

ومع ضعف الحديث، وكونها رؤيا ليست وحيا، ومع أن الرؤيا لا يؤخذ منها أحكام شرعية، ومع كون الرؤيا ليس فيها أن النبي صلى الله عليه هو الذي وضع على لحيته ورأسه التراب – بل الواضح منها أنه شهد معركة الحسين مع أعدائه الذين قاتلوه وقتلوه -: إلا أننا نجد بعض أهل الأهواء يستدلون بهذا الحديث على جواز التمرغ بالتراب في وقت المصائب ومناسبات الأحزان! ويعتقد ذلك دِينا، وهو فعل أهل الجاهلية، ونظرة واحدة إلى هؤلاء يتبين معها مدى ضلالهم وانحرافهم، ولينظر العقلاء إليهم في هاتين الصورتين:

http://cache.daylife.com/imageserve/00S7ckg5lp3Xo/610x.jpg

http://cache.daylife.com/imageserve/0dCddFqf0Ub5k/610x.jpg

 

قال البخاري – رحمه الله -:

” باب مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى الْمَيِّتِ “.

وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: ” دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ ” .

وَالنَّقْعُ: التُّرَابُ عَلَى الرَّأْسِ.                  وَاللَّقْلَقَةُ: الصَّوْتُ.

” صحيح البخاري ” ( 1 / 433 ).

– وأبو سليمان هو الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه.

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: ” وضع التراب على الرأس مكروه في المعتاد؛ لما كانت تفعله الجاهلية عند المصائب، والنوائب. “.

انتهى من ” التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير ” ( 1 / 390 ).

* وقال الشيخ عبد البسَّام – رحمه الله – في فوائد حديث عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ) رواه البخاري ( 1235 ) ومسلم ( 103 ) -:

  1. تحريم التسخط من أقدار الله المؤلمة، وإظهار ذلك بالنياحة أو الندب أو الحلق أو الشق أو غير ذلك كَحَثي التراب على الرأس.
  2. تحريم تقليد الجاهلية بأمورهم التي لم يقرهم الشارع عليها، ومن جملتها: دعاويهم الباطلة عند المصائب. ” تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ” ( 1 / 448 ).

ثالثا:

وليس في الحديث – لو صح – ما يدل على رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لما يَحدث في العالَم؛ فإن هذا لا يستطيعه لو كان على قيد الحياة فكيف وقد غاب عن العالَم بالموت؟! وليس فيه ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب وكيف يكون هذا وقد نصَّ في حياته أنه لا يعلم الغيب أفيعلمه بعد موته؟!.

ولا نمنع أن يُطلع الله تعالى نبيَّه في عالَم البرزخ على أشياء من أحداث الدنيا لكن هذا لا نثبته بمجرد الهوى بل بالإسناد الصحيح لقائله ومدعيه، ولا يخرج هذا عن تلاقي روح الميت مع روح النائم وقد ثبت في شرعنا هذا الأمر فليس هو بمستنكر، وفي هذا اللقاء ليس ثمة ما يمنع من إطلاع الله تعالى لروح الميت على أشياء مما فعله أهل الدنيا، وبه تكون البشارة والنذارة من روح الميت إلى روح الحي النائم ليبلغها بعد استيقاظه أو ليطمئن قلبه بها ويفرح برؤيتها، وقد ثبت كثير من هذا فيما رآه الصالحون والعلماء، ومنه ما رآه عثمان رضي الله عنه – وفي إسناده ضعف لكنه ليس بضعف شديد ومثله يستأنس به – في منامه، حيث رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأمروه بالصبر! وأنه يُفطر عندهم الليلة القابلة، فكان ذلك، وهو ما رواه أحمد في مسنده ( 1 / 545 ) عَنْ مُسْلِمٍ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: ” أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَعْتَقَ عِشْرِينَ مَمْلُوكًا، وَدَعَا بِسَرَاوِيلَ فَشَدَّهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَلْبَسْهَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلا إِسْلامٍ، وَقَالَ : إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَارِحَةَ فِي الْمَنَامِ، وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَإِنَّهُمْ قَالُوا لِي : اصْبِرْ، فَإِنَّكَ تُفْطِرُ عِنْدَنَا الْقَابِلَةَ، ثُمَّ دَعَا بِمُصْحَفٍ فَنَشَرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُتِلَ وَهُوَ بَيْنَ يَدَيْهِ “.

وأقوى منه إسنادا – وهو في موضوع قتل الحسين رضي الله عنه – ما رواه أحمد في ” مسنده ” ( 4 / 59 ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ” رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ بِنِصْفِ النَّهَارِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مَعَهُ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ يَلْتَقِطُهُ أَوْ يَتَتَبَّعُ فِيهَا شَيْئًا قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا هَذَا؟ قَالَ: ( دَمُ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ لَمْ أَزَلْ أَتَتَبَّعُهُ مُنْذُ الْيَوْمَ ).

قَالَ عَمَّارٌ: ” فَحَفِظْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَوَجَدْنَاهُ قُتِلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ “.

قال المحققون: إسناده قوي على شرط مسلم.

فهذا الحديث أصح من حديث أم سلمة رضي الله عنها وفيه ما يدل على ما ذكرناه آنفاً من أن هذه رؤيا منام وأنه لا يُستنبط منها أحكام شرعية وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن حاضرا – قطعا – لمقتل الحسين ببدنه وأنه لم يشاهدْه أحدٌ من القاتلين ولا من المقتولين، وأن ذلك كان في الحياة البرزخية التي لا ندري كنهها وحقيقتها، وأن تلك الأرواح ما تقوله وتفعله إنما هو بأمر الله تعالى.

رابعا:

وأما ادعاء أن النبي صلى الله عليه وسلم يطَّلع بعد وفاته على ما تفعله أمته – أو الخلق عموما – فهو بعيد عن الصواب، وقد جاء النص منه صلى الله عليه وسلم على نفيه وإبطاله وهو حديث الحوض وفيه قول الملائكة عليهم السلام له ( إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) وفيه التصريح منه صلى الله عليه وسلم أنه كان شهيدا عليهم ما دام فيهم فلما توفاه الله تعالى انقطعت هذه الشهادة، وبهذا استدل العلماء على تكذيب الورقة التي تنشر منذ عشرات السنين وتنسب لمن زُعم أنه خادم الحجرة النبوية، وفي الورقة ما يُخبر به أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأنه أطلعه على بعض تفصيلات أحوال الناس!.

قال علماء اللجنة الدائمة:

ثانيا: إخباره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له ” أنا خجلان من أفعال الناس القبيحة ولم أقدر أن أقابل ربي والملائكة ” فإنه من الزور والأخبار المنكرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم أحوال أمته بعد وفاته، بل لا يعلم منها أيام حياته في الدنيا إلا ما رآه بنفسه أو أخبره به من اطلع عليه من الناس، أو أظهره الله عليه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلًا )، ثم قرأ إلى أن قال ( ألا إنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : يا رب أصحابي، فيقال: لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ) رواه البخاري.

وعلى تقدير أنه يعلم أحوال أمته بعد وفاته: فلا يلحقه بذلك حرج، ولا يصيبه من وراء كثرة ذنوبهم ومعاصيهم إثم ولا خجل، وقد ثبت في حديث الشفاعة العظمى أن أهل الموقف كفاراً ومسلمين يستشفعون بالأنبياء واحدا بعد آخر حينما يشتد بهم هول الموقف فيعتذر كل منهم عن الشفاعة لهم عند الله ثم ينتهي أهل الموقف إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيسألونه أن يشفع لهم عند الله، فيستجيب لهم ولا يمنعه من الشفاعة لهم كثرة معاصيهم أو كفر الكافرين منهم ولا يخجل من ذلك، بل يذهب فيسجد تحت العرش ويحمد ربه ويثني عليه بمحامد يعلمه إياها حتى يأمره أن يرفع رأسه وأن يشفع لهم، وبعد ذلك ينصرفون للحساب والجزاء، ولم يمنعه شيء من ذلك من لقاء ربه ومقابلة الملائكة، ولم يلحقه منه عار.

الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع. ” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 3 / 109 – 111 ).

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:

– ويدل على كذبها وبطلانها – سوى ما تقدم – أمور كثيرة:

الأول منها: قوله فيها ” لأن من الجمعة إلى الجمعة مات مائة وستون ألفًا على غير دين الإسلام ” لأن هذا من علم الغيب, والرسول صلى الله عليه وسلم قد انقطع عنه الوحي بعد وفاته, وهو في حياته لا يعلم الغيب فكيف بعد وفاته؛ لقول الله سبحانه ( قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ) الآية الأنعام/ 50، وقوله تعالى ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) النمل/ 65، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( يذاد رجال عن حوضي يوم القيامة فأقول: يا رب أصحابي أصحابي, فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح ). ” فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 1 / 197 ، 198 ).

والعبد الصالح هو عيسى عليه السلام، وما قاله قد جاء في روايات أخرى وهو ما قاله الله تعالى عنه ( وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) المائدة/ 117.

خامسا:

وأما ما يستدل به بعضهم على صحة دعواه بحديث ( حيَاتِي خَير لَكُم تُحدِّثونَ ويُحدَّثُ لكم، وَوَفَاتي خيرٌ لكُم تُعرض عليَّ أعمالُكم فَمَا رَأَيْتُ مِنْ خَيْرٍ حَمدتُ الله عَلَيْهِ وَمَا رَأَيْتُ مِنْ شَرِّ استغْفَرْتُ الله لَكُم ) فالجواب عنه من وجهين:

الأول: أنه حديث ضعيف، وانظر تخريجه في ” سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ” للشيخ الألباني  ( 975 ).

الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن أعمال أمته تُعرض عليه لا أنه يشاهدها، وليس في هذا ما يُستنكر، ولا شك أن الحديث لو صح فسيكون المعنى الأحوال العامَّة لا تفصيلات أعمال كل فرد في أمته.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة