أسباب الشعور بعقدة النقص في الذات وفي الإسلام، وعلاج ذلك

السؤال

ما توجيهكم لمشكلة، أو عقدة: ” الشعور بالنقص “؟ فأنا أرى العديد من الإخوة، والأخوات متأثرين بهذا الأمر, فهناك نوع من الخجل عندما يتكلمون عن دينهم. أرجو أن تكون قد فهمت سؤالي يا فضيلة الشيخ.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

سنجعل جوابنا عامًّا يشمل مشكلة ” النقص ” باعتباره موجودًا في الداعية، وباعتبار وجوده في المدعو إليه.

أما الأول: فهو ما يعاني منه بعض الناس في دعوتهم لغيرهم، وهدايتهم لهم، حيث يعتقد في نفسه أنه ناقص عن غيره، فتدفعه هذه ” العقدة ” للتوقف عن دعوة الآخرين، وفي اعتقاده أنه أصاب في ذلك، وأنه ليس له أن يدعو حتى يكون واثقًا من نفسه، وهذا لا شك ولا ريب أنه من الشيطان، وأنه أراد بذلك أن يحتقر المسلم نفسه حتى يكف عن هداية الآخرين، ودعوتهم إلى الخير، وحتى يعالج المسلم ذلك في نفسه: فإن عليه أن ينتبه لما نقول، وأن يعمل بما ننصحه به:

  1. إن الذي يحتقر نفسه، ويشعر بنقص فيه: هو في حقيقة الأمر غير شاكر لنعَم الله تعالى عليه، ولو أنه تأمَّل في نفسه: لوجد أنه يتمتع بنعم من الله جليلة، وأن عنده من المواهب والقدرات ما ليس عند غيره، وأنه يستطيع أن يقدِّم لدينه ما لا يقدِّمه غيره، لكن غفلته عن تلك المواهب والقدرات دفعته للاعتقاد بخلوها منه.
  2. إذا اعتقد المسلم أنه ناقص وأنه لا بدَّ أن يتوقف عن دعوة الآخرين حتى يكون كاملًا: فهو مخطئ؛ لأن الله تعالى خلق الناس وجعلهم درجات، فلأي درجة يريد هذا أن يصل؟ ولو تأمل في حال غيره لوجدهم مختلفين في طرق دعوتهم لغيرهم، فهذا أتقن الخطابة، وذاك أجاد في الوعظ، ومنهم من يدعو بقلمه، وآخر يدعو بسلوكه وأخلاقه، وهكذا، ولو توقف كل واحد من الدعاة حتى يصير كأبي بكر، أو عمر، أو أحمد بن حنبل، أو ابن تيمية: لما وصلت دعوة الإسلام لأحدٍ، بل لأمكن أن يُحرمها أولئك الأعلام! وليعلم هذا الأخ أن الله تعالى سائله يوم القيامة عن نعمه التي وهبه إياها ماذا فعل بها، وليعلم أن الناس لن يكونوا في درجة واحدة، فليقطع الطمع بذلك، وفي ذلك يقول الله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ) الأنعام/ 165.
  3. ولو فرضنا أن المسلم الداعية يشعر بنقصٍ فيه، وهو في حقيقة الأمر موجود غير موهوم: فليعلم أن الله تعالى لم يكلف ما لا يستطيع، ولا يحاسبه عليه، وأنه قد كلفه بما يقدر عليه، ويحاسبه على تركه، والواقع أنه مثل هؤلاء يتركون الدعوة بالكلية، فيكون في فعلهم هذا ترك لما يستطيعونه ويقدرون عليه، وعلليه: فهم معرضون للوعيد على ذلك الترك.
  4. وإذا كان الشعور بالنقص عند المسلم الداعية له أصل وسبب، فليبحث بجد عن هذه الأسباب، وليتخلص منها، فقد تكون عنده معاصٍ بحاجة لتوبة منها، أو عادات غريبة عن مجتمعه فليجاهد نفسه ليبتعد عنها، وهكذا نستثمر تلك ” العقدة ” و ” المشكلة ” لتحويلهما إلى أمر إيجابي، وهو إصلاح النفس، وتهذيبها، وتخليصها من شرورها ومعاصيها.

وأما إن كانت هذه الأسباب تتعلق بخلقة الله له تعالى، وتقديره أن يكون على هيئة معينة، أو يكون منتسبًا لقبيلة معينة، أو تكون حالته المادية ضعيفة: فمثل هذا لا ينبغي أن يلتفت له أصلًا، وإنما عليه أن يبحث عما يمكن تغييره مما هو متلبس به مما لا يحبه الله تعالى، ولا يرضاه، ويترتب عليه عقاب ووعيد.

  1. وليعلم هؤلاء الذين يتركون الدعوة إلى الله بسبب تلك الأوهام بالنقص: أنهم بقدر ابتعادهم عن الخير سيكون اقترابهم من الشر، وبقدر ابتعادهم عن أهل الخير: سيكون اقترابهم من أهل السوء، فليتدارك كل واحد منهم نفسه قبل أن يأتي وقت لا ينفع فيه الندم.

ثانيًا:

وأما الثاني: وهو ما يوجد عند بعض المنتسبين إلى الإسلام : فهو أنه يخجلون من الدعوة إلى الإسلام، ظانين النقص فيه! وهذا أمرٌ عظيم، ولا ينبغي السكوت عنه، ولنا لهؤلاء نصائح وتوجيهات نرجو أن تكون علاجًا لمصيبتهم تلك:

  1. الانتساب للإسلام مصدر فخر، وعزَّة، وهي نعمة حُرمها مليارات من البشر قديمًا وحديثًا، واصطفاء الله للمسلم ليكون منتسبًا لخير دين: نعمة عظيمة، عليه أن يقابلها بعظيم الشكر، وديمومته، وإذا دعا غيره إلى الإسلام: افتخر بمنَّة الله تعالى، وفرِح بحصوله على تلك النعمة العظيمة، وسعِد بسلوكه طريق الأنبياء والمرسَلين.

* قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:

وقد ورد في فضل الدعوة والدعاة آيات، وأحاديث كثيرة, كما أنه ورد في إرسال النبي صلى الله عليه وسلم الدعاة أحاديث لا تخفى على أهل العلم, ومن ذلك قوله جل وعلا: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )، فهذه الآية الكريمة فيها التنويه بالدعاة، والثناء عليهم, وأنه لا أحد أحسن قولًا منهم, وعلى رأسهم: الرسل عليهم الصلاة والسلام, ثم أتباعهم، على حسب مراتبهم في الدعوة، والعلم، والفضل, فأنت يا عبد الله يكفيك شرفًا أن تكون من أتباع الرسل, ومن المنتظمين في هذه الآية الكريمة ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )،

المعنى: لا أحد أحسن قولًا منه؛ لكونه دعا إلى الله، وأرشد إليه، وعمل بما يدعو إليه, يعني: دعا إلى الحق، وعمل به, وأنكر الباطل، وحذَّر منه, وتركه, ومع ذلك صرَّح بما هو عليه, لم يخجل، بل قال: ” إنني من المسلمين “, مغتبطًا، وفرِحا بما منَّ الله به عليه, وليس كمن يستنكف عن ذلك، ويكره أن ينطق بأنه مسلم, أو بأنه يدعو إلى الإسلام, لمراعاة فلان، أو مجاملة فلان, ولا حول ولا قوة إلا بالله, بل المؤمن الداعي إلى الله القوي الإيمان, البصير بأمر الله: يصرِّح بحق الله, وينشط في الدعوة إلى الله، ويعمل بما يدعو إليه, ويحذِّر ما ينهى عنه, فيكون من أسرع الناس إلى ما يدعو إليه, ومن أبعد الناس عن كل ما ينهى عنه, ومع ذلك يصرِّح بأنه مسلم، وبأنه يدعو إلى الإسلام, ويغتبط بذلك، ويفرح به، كما قال عز وجل: ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )، فالفرح برحمة الله، وفضله – فرح الاغتباط , فرح السرور -: أمر مشروع.

” فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 1 / 333، 334 ).

  1. وبتأمل حال من يشعر بتلك العقدة – عقد النقص في الإسلام – حتى إنه ليخجل من دعوة الناس إليه: أنه يجهل أحكام الإسلام، وحِكَمه، وإنما أوتي من هذا الباب، ولو أن أولئك وقفوا على تشريعات الله تعالى، وفهموا مراد الله منها: لعلموا أن الإسلام جاء لإصلاح العالَم، سواء في تشريعاته السياسية، أو الاجتماعية، أو النفسية، وغيرها مما فيه خير الناس في دنياهم وأخراهم، ولو ذهبنا نعدد تلك التشريعات الآمرة، أو الناهية: لأخذ ذلك منا وقتًا طويلًا، ولامتلأت الصفحات، وحسبنا هنا أن نشير إلى سؤال ” هرقل ” النصراني أبا سفيان لمَّا كان كافرًا عن حقيقة ما يأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم، فماذا كان جواب أبي سفيان؟ قال: يقول: ” اعبدوا الله وحده، لا تشركوا بالله شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والعفاف، والصلة ” رواه البخاري ( 7 ) ومسلم ( 1773 ).

وحتى ما يشيعه المغرضون من أحكام في الإسلام، من تشريع التعدد في الزوجات، أو الحدود في الزنا، والردة، أو في عموم أحكام المرأة: كل ذلك يدعونا للفخر بوجوده في ديننا؛ لأن في الالتزام بما جاء به الإسلام صلاح الفرد، والأسرة، والمجتمعات، وما يحدث من طعن وتشكيك في حكَم تلك الأحكام لا يعدو أن يكون محض افتراء، وكذب، وجهل منهم بحقيقة التشريع، وحكَمه.

  1. وإن بعض من يشعر بتلك العقدة: يخلط بين الإسلام والمسلمين! وثمة فرق كبير بين تشريعات الإسلام، وأفعال المسلمين، وإننا لنرى الآلاف يدخلون كل يوم في دين الله، وهم يرون الحال المزري لكثير من المسلمين، فما منعهم ذلك من إعلان إسلامهم، وافتخارهم بالانتماء إليه، بل صاروا دعاة جادِّين، فها هم القوم المدعوون قد فهموا أنه لا علاقة بين أفعال المخالفين للإسلام من المسلمين وبين ما جاء به الإسلام من تشريعات وأحكام يحق لكل منتسب للإسلام أن يفخر بها.
  2. ثم إننا لنعجب من أولئك الذين يرون في الإسلام ما يُخجل من الدعوة إليه وهم يرون الكفر وأهله كيف حالهما، وبنظرة إلى أكثر الأديان أتباعاً في زمننا هذا نجد أنهم عبَّاد الأحجار والبقر والبشر! فها هم أتباع بوذا يعدون بمئات الملايين، وها هم الهندوس عبَّاد البقر كذلك، وها هم النصارى عبَّاد عيسى بالمليارات! فهل يجد العاقل المنصف مجالًا للمقارنة بين ما جاء به الإسلام من توحيد وتشريعات، وبين ما عليه أولئك القوم من شرك، وسخافة؟! هذا مع ما يفعلونه في الأرض من فساد، وتقتيل، وإجرام، وخاصة في المسلمين المستضعفين.
  3. ومع ذلك: فإنك تجد الدعاة المخلصين لتلك الأديان المحرَّفة والسخيفة، وتجد من يبذل غالي وقته من أجلها، ويبذل ماله من أجل نشر دينه، ولا يخجل أحدهم من الجهر بعبادة صنمه، أو بقرته، أو ادعاء الألوهية لبشر مثله، ومع ذلك تجد من المسلمين من يرى نقصًا في الإسلام أن يدعو الناس إليه، وهو يرى أنه لا منقذ لأولئك من نار جهنم إلا بدخولهم في الإسلام، دين التوحيد، والتشريعات العظيمة.

وأخيرًا :

فإننا نخشى على من يرى في الإسلام ما يُخجل منه: نخشى عليه الكفر؛ لأنه يعتقد أن الدين ناقص، وأنه لا يصلح للمجتمعات أن تدين الله تعالى به، ومثل هذا لا نريد داعية، بل نريده أن يصحح مفهومه نحو الإسلام، وإلا وقع في الردة، وإننا لنأسف أن قد وجدنا من اليهود من فهم الإسلام أكثر من أولئك، وليتأملوا هذه القصة ليتأكد لهم صدق ما نقول:

عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ لِعُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَوْ أَنَّ عَلَيْنَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسْلَامَ دِينًا ) لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لأَعْلَمُ أَيَّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ، فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ. رواه البخاري ( 6840 ) ومسلم ( 3017 ).

فتأمل هذه الآية كيف أن الله امتنَّ فيها على المسلمين بكمال الدين، وإتمام النعمة، والرضا لهم بالإسلام دينًا، وكيف أن اليهودي قد علم عظمة هذه الآية، وتمنى أنها لو كانت أنزلت عليهم، ثم نجد من المسلمين من يرى في الإسلام نقصًا، وتشريعات تجعله يخجل من الانتساب له، والدعوة إليه!.

وعسى الله أن يهدي ضال المسلمين، ويوفقهم لإصلاح أنفسهم.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة