هل ثبت حديث أن الصحابة رقصوا ويستدل بذلك على الرقص في حلَق الذِّكر؟

السؤال

الكثير من المتصوفة يتخذون هذا الحديث دليلًا لرقصهم ودروشتهم ويقولون: إن شيخ الاسلام ابن تيمية وغيره قالوا بصحته، هذا الحديث في ” مسند أحمد ” برقم ( 860 ): قال علي رضي الله عنه: زرت النبي صلى الله عليه وسلم مع جعفر وزيد بن حارثة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لزيد: ( أنت مولاي ) فبدأ زيد يحجل ويقفز على رجل واحدة حول النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال لجعفر: ( أما أنت فتشبهني في خَلقي وخُلقي ) فحجل جعفر كذلك، ثم قال لي: ( أنت مني وأنا منك ) فحجل خلف جعفر.

فما تعليقكم على هذا الحديث؟ هل هو صحيح؟ وهل يمكن للشخص أن يرقص ويقفز بهذا الشكل لإرضاء الله؟.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

الحديث الوارد في السؤال رواه أحمد ( 2 / 213 )، ولم يصححه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولا نعلم أن الصوفية يقيمون وزنًا لشيخ الإسلام ابن تيمية حتى يقبلوا قوله في الحكم على الأحاديث.

وليعلم أن الصوفية الذين يرقصون في الذِّكر ليس ينطلقون بفعلهم ذاك من نصوص الوحي، بل ولا يقيمون له وزنًا، فهم يبتدعون البدعة بأهوائهم، أو من منامات شيوخهم، ثم لما حاججهم أهل السنَّة بأفعالهم وعقائدهم البدعية راحوا يبحثون عن نصوص توافق ما ابتدعوه في دين الله تعالى، وإلا فأين النصوص التي فيها أن الصحابة تراقصوا وتمايلوا في حلقات يذكرون فيها ربَّهم تعالى؟! إنهم لن يجدوها حتى في الأحاديث الضعيفة، وكل ما يستدلون به من نصوص إما أنها لا يصح، أو أنها لا تنهض للاحتجاج لهم، ومنها هذا الحديث، فلا هو بالصحيح، ولا هو بالذي يحتج به لبدعتهم.

ثانيًا:

والحديث المذكور في السؤال فيه علتان:

الأولى: جهالة أحد رواته، وهو ” هانئ بن هانئ “.

* قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:

ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة، قال: وكان يتشيع، وقال ابن المديني: مجهول، وقال حرملة عن الشافعي: هانئ ابن هانئ لا يُعرف وأهل العلم بالحديث لا يثبتون حديثه لجهالة حاله. ” تهذيب التهذيب ” ( 11 / 22 ).

والثانية: تدليس أبي إسحاق السبيعي.

* قال أبو سعيد العلائي – رحمه الله -:

عمرو بن عبد الله السبيعي أبو إسحاق، مشهور بالكنية، تقدم أنه مكثر من التدليس. ” جامع التحصيل في أحكام المراسيل ” ( ص 245 ).

والحديث ضعفه محققو مسند الإمام أحمد ( 2 / 213، 214 ) وقالوا:

إسناده ضعيف، هانئ بن هانئ تقدم القول فيه، ومثله لا يحتمل التفرد، ولفظ ” الحجل ” في الحديث منكر غريب. انتهى.

وللحديث طريق أخرى رواها ابن سعد في ” الطبقات ” (4 / 35، 36 ) عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: إن ابنة حمزة لتطوف بين الرجال … فقام جعفر فحجل حول النبي صلى الله عليه وسلم دار عليه فقال النبي عليه السلام: ( ما هذا؟ ) قال: شيء رأيت الحبشة يصنعونه بملوكهم.

والحديث ضعيف، فهو مرسل، فمحمد الباقر بن علي زين العابدين لم يدرك أحدًا ممن ذُكر في الحديث من الصحابة رضي الله عنهم.

وقد حكم عليه بالإرسال : الزيلعي في كتابه ” نصب الراية لأحاديث الهداية ” ( 3 / 268 )، والألباني في ” السلسلة الصحيحة ” ( 3 / 256 ).

ثالثًا:

والحديث رواه البخاري في صحيحه – ( 2552 ) – وليس فيه تلك اللفظة المنكرة والتي استدل به الصوفية على رقصهم.

* ونص روايته:

” … فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ فَقَالَ عَلِيٌّ : أَنَا أَحَقُّ بِهَا وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي، فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا وَقَالَ: ( الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ ) وَقَالَ لِعَلِيٍّ: ( أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ ) وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: ( أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي ) وَقَالَ لِزَيْدٍ: ( أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا ). انتهى.

رابعًا:

وحتى على فرض صحة الحديث فليس فيه أنهم رقصوا في حلقة ذِكر لربهم – حاشاهم -، وإنما فيه أنهم عبَّروا عن فرحهم بثناء النبي صلى الله عليه وسلم بقفزة على رِجل واحدة، وهو فعل مباح في نفسه، وإنما الحكم عليه يكون تبعًا لسبب فرحهم، وحاشا أحدًا من العقلاء أن يستدل به على رقص أثناء ذِكره لربه تعالى.

* قال البيهقي – رحمه الله -:

وفى هذا – إن صح! – دلالة على جواز الحجَل وهو أن يرفع رجلًا ويقفز على الأخرى من الفرح، فالرقص الذى يكون على مثاله يكون مثله في الجواز، والله أعلم.

” السنن الكبرى ” للبيهقي ( 10 / 226 ).

وحتى هذا الجائز – إن تنزلنا مع الخصم وأن الحديث صحيح وأنه يستدل به على الجواز – فإنه لا يليق بأهل الفضل والقدوة أن يفعلوه، فكيف أن يكون هذا الرقص منهجاً تعبديّاً في حلَق الذِّكر؟!.

* قال البيهقي – رحمه الله -:

والحجَل: أن يرفع رِجلًا ويقفز على الأخرى من الفرح، فإذا فعله إنسان فرحًا بما أتاه الله تعالى من معرفته أو سائر نعمه: فلا بأس به، وما كان فيه تثنٍّ وتكسُّر حتى يباين أخلاق الذكور: فهو مكروه ؛ لما فيه من التشبه بالنساء. ” الآداب ” ( 626 ).

* وقال أبو حامد الغزالي – رحمه الله -:

والحجَل هو الرقص، وذلك يكون لفرح، أو شوق، فحكمه حكم مهيجه إن كان فرحه محمودًا، والرقص يزيده ويؤكده: فهو محمود، وإن كان مباحا: فهو مباح، وإن كان مذمومًا: فهو مذموم، نعم لا يليق اعتياد ذلك بمناصب الأكابر وأهل القدوة؛ لأنه في الأكثر يكون عن لهو ولعب، ومالَهُ صورة اللعب واللهو في أعين الناس: فينبغي أن يجتنبه المقتَدى به؛ لئلا يصغر في أعين الناس فيترك الاقتداء به.

” إحياء علوم الدين ” ( 3 / 300، 301 ).

* وقد سُئل الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي – رحمه الله -:

ما تقول السادة الفقهاء – أحسن الله توفيقهم – فيمن يسمع الدف والشبانة والغناء ويتواجد، حتى إنه يرقص، هل يحل ذلك أم لا؟ مع اعتقاده أنه محب لله وأن سماعه وتواجده ورقصه في الله؟! أفتونا مأجورين، رحمكم الله.

فقال:

الجواب وبالله التوفيق:

إن فاعل هذا مخطئ، ساقط المروءة، والدائم على هذا الفعل: مردود الشهادة في الشرع، غير مقبول القول، ومقتضى هذا: أنه لا تُقبل روايته لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شهادته برؤية هلال رمضان، ولا أخباره الدينية.

وأما اعتقاده محبة الله: فإنه يمكن أن يكون محبًّا لله سبحانه، مطيعًا له، في غير هذا، ويجوز أن يكون له معاملة مع الله سبحانه، وأعمال صالحة في غير هذا المقام.

وأما هذا: فمعصية ولعب، ذمَّه الله تعالى ورسوله، وكرهه أهل العلم، وسموه: بدعة، ونهوا عن فعله، ولا يُتقرب الى الله سبحانه بمعاصيه، ولا يُطاع بارتكاب مناهيه، ومَن جعل وسيلته الى الله سبحانه معصيته: كان حظه الطرد والإبعاد، ومن اتخذ اللهو واللعب دينًا: كان كمن سعى في الأرض الفساد، ومن طلب الوصول الى الله سبحانه من غير طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنَّته: فهو بعيد من الوصول الى المراد.

” جزء فيه فتيا في ذم الشبَّابة والرقص والسماع ” لابن قدامة، مخطوط ( ورقة 2 ).

* وسُئل علما اللجنة الدائمة:

عن حكم الإسلام فيمن يذكرون الله وهم يتمايلون يمينًا وشمالًا في حالة قفز، وفي جماعة، وفي صوت عالٍ؟.

فأجابوا:

لا يجوز؛ لأنه بهذه الكيفية بدعة محدثة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ).

الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.  ” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 2 / 529 ).

فالخلاصة:

أن الحديث الوارد في السؤال ضعيف لا يصح، والشاهد المذكور لا يصلح لتحسينه؛ لوجود راوٍ مجهول في الحديث الأول، وأن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يصححه، وأنه لو صحَّ فليس فيه دليل على الرقص في العبادة، بل فعل ذلك بدعة منكرة قبيحة لا يليق بعاقل أن ينسبها لدين الله تعالى.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة