حكم صلاة السلفي خلف الإمام المذهبي والأشعري

السؤال

أصلي في مسجد لأهل السنَّة منذ سنوات وتعلمت الكثير من إمام هذا المسجد، وجدت هؤلاء القوم يسيرون على النهج الصحيح ولا يتتبعون البدع في الدين، تعلمتُ منهم الكثير، وتغيرت أحوالي إلى الأفضل، إلا أن هذا المسجد بعيد عنِّي إلى حدٍّ ما وأحتاج في الذهاب إليه إلى السيارة، أذهب إليه في صلوات النهار كلها إلا أن صلاة الفجر والعشاء يصعب عليَّ الذهاب إليه، هناك مسجد آخر بالقرب منِّي مسافة يكفي فيها المشي إلا أن في هذا المسجد يقومون ببعض البدع، ويتبعون المذهب الحنفي في الفقه، وإمام المسجد أشعري أو ماتريدي العقيدة، فإذا حضرتُ صلاة الجماعة في هذا المسجد خلف هذا الإمام الأشعري فهل تقبل صلاتي؟ وهل آخذ ثواب الجماعة؟ حقّاً أنا في حاجة إلى إجابة صائبة، أحب مسجد أهل السنَّة لكنَّه بعيد قليلًا وهناك مشكلة في ركن سيارتي.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

نشكر للأخ السائل غيرته على السنَّة وحبَّه لأهلها، ونسأل الله أن يوفقه لما فيه رضاه.

ولتعلم – أخي السائل – أن صلاة الجماعة في المسجد الذي يُسمع فيها النداء من غير مكبرات صوت هي واجبة على المكلَّف، ما لم يمنعه من ذلك عذرٌ شرعي.

ثانيًا:

وليس من أعذار التخلف عن صلاة الجماعة كون الإمام متمذهبًا بمذهب فقهي يخالف مذهب المأموم، وما دام أنه في دائرة الإسلام: فإنه لا يحل ترك الصلاة خلفه، ولو كان يرى في مذهبه خلاف ما يراه المأموم، ولم يزل الصحابة والتابعون يصلون خلف بعضهم بعضًا مع عدم اتفاقهم في مسائل تتعلق بالطهارة والصلاة وغيرها، ومثل هذا القول لا ينبغي لعاقل أن يشك في صحته طرفة عين، ففي القول بضدِّه تفريق بين المسلمين، وبث لروح العداوة والبغضاء وتقطيع أواصر أخوتهم الإسلامية، ومثل هذا – ولا شك – يُفرح إبليس وأتباعه.

* قال ابن قدامة – رحمه الله -:

فأما المخالفون في الفروع كأصحاب أبي حنيفة, ومالك, والشافعي: فالصلاة خلفهم صحيحة غير مكروهة، نصَّ عليه أحمد; لأن الصحابة والتابعين ومن بعدهم: لم يزل بعضهم يأتم ببعض, مع اختلافهم في الفروع, فكان ذلك إجماعًا …. ” المغني ” ( 2 / 11 ).

* وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رَحمه اللّه -:  

هل تصح صلاة المأموم خلف من يخالف مذهبه؟ .

فأجاب :

– وأما صلاة الرجل خلف من يخالف مذهبه: فهذه تصح باتفاق الصحابة والتابعين لهم بإحسان، والأئمة الأربعة، ولكن النزاع في صورتين :

إحداهما: خلافها شاذ، وهو ما إذا أتي الإمام بالواجبات كما يعتقده المأموم، لكن لا يعتقد وجوبها مثل التشهد الأخير إذا فعله من لم يعتقد وجوبه، والمأموم يعتقد وجوبه، فهذا فيه خلاف شاذ، والصواب الذي عليه السلف وجمهور الخلف: صحة الصلاة .

والمسألة الثانية: فيها نزاع مشهور، إذا ترك الإمام ما يعتقد المأموم وجوبه مثل أن يترك قراءة البسملة سرًّا وجهرًا، والمأموم يعتقد وجوبها، أو مثل أن يترك الوضوء من مس الذكر، أو لمس النساء، أو أكل لحم الإبل، أو القهقهة، أو خروج النجاسات، أو النجاسة النادرة، والمأموم يرى وجوب الوضوء من ذلك، فهذا فيه قولان: أصحهما: صحة صلاة المأموم، وهو مذهب مالك، وأصرح الروايتين عن أحمد في مثل هذه المسائل، وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي، بل هو المنصوص عنه، …. ” مجموع الفتاوى ” ( 23 / 378 – 380 ) باختصار.

* وقال علماء اللجنة الدائمة:

الاختلاف في الفروع ليس له أثر في صحة صلاة بعض المختلفين خلف بعض، وعلى الإمام وغيره من أهل العلم أن يتحرى الأرجح في الدليل، سواء كان المأمومون يوافقونه في ذلك أم لا .

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود . ” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 7 / 366 ).

ثالثًا:

وليس من أعذار تخلفك عن جماعة المسجد القريب من بيتك كون الإمام أشعريًّا أو ماتريديًّا، والقاعدة عند أهل السنَّة ” صلِّ وعليه بدعته ” كما قاله الحسن البصري رحمه الله، والقاعدة عند الفقهاء ” من صحَّت صلاته لنفسه صحَّت لغيره “.

* قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:

ولو علم المأموم أن الإمام مبتدع يدعو إلى بدعته، أو فاسق ظاهر الفسق، وهو الإمام الراتب الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه، كإمام الجمعة والعيدين، والإمام في صلاة الحج بعرفة ونحو ذلك: فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف، وهو مذهب أحمد والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم … ” مجموع الفتاوى ” ( 23 / 352 – 354 ) باختصار.

وعليه: فلا يصح توقفك في الصلاة خلف إمام المسجد القريب من بيتك بعذر أنه حنفي المذهب، أو أنه أشعري أو ماتريدي، وقد علمت ما قاله الأئمة الأعلام في ذلك، فلم يبق إلا الاستجابة والتسليم، ولك أجر الجماعة كاملًا غير منقوص، والصلاة صحيحة، ونسأل الله أن يتقبلها منك.

ونوصيك – أخي الفاضل – بحسن التعامل مع الإمام وأصحابه وأتباعه، والتلطف في القول والفعل، ومحاولة بذل النصح بالحكمة، واعلم أن كثيرين قد تركوا المذهبية والابتداع في العقائد عندما تبيَّن لهم الحق، وكثيرون كان حسن التعامل معهم من أهل الحق هو السبب في تركهم لباطلهم واعتقادهم بالعقيدة الحقة والمنهج الحق، ولعلَّ الله تعالى أن يكون أراد بهم وبك خيرًا في صلاتك في مسجدهم ذاك، والله تعالى مالك قلوب العباد ويقلبها كيف يشاء، فاحفظ على نفسك ما أنت عليه من الحق، وابذل وسعك في إيصال ذلك الحق لغيرك بأحسن أسلوب وألين عبارة، والله يتولاك ويرعاك.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة