حكم الحوار القرآني المشتهر في المنتديات بعنوان “ألا لعنة الله على نساء الأرض أجمعين”!

السؤال

مرَّت امرأة فائقة الجمال برجل فقير بل معدم، فنظر إليها وقلبُه ينفطر شغفًا بجمالها، ثم تقدم منها ودار بينهما الحوار الآتي:

الرجل: ( وزيّناها للناظرين ).

المرأة: ( وحفظناها من كل شيطان رجيم ).

الرجل: ( بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون ).

المرأة:( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب).

الرجل: ( نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ).

المرأة: ( لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا ).

الرجل: ( وإن كان ذو عسرة ).

المرأة: ( حتى يغنيهم الله من فضله ).

الرجل: ( والذين لا يجدون ما ينفقون ).

المرأة: ( أولئك عنها مبعدون ).

عندها احمرَّ وجه الرجل غيظًا وقال: ” ألا لعنة الله على نساء الأرض أجمعين!! “.

فأجابته المرأة: ( للذكر مثل حظ الأنثيين ).

هل هذه نوع من الاستهزاء أو نوع من الاقتباس؟ وما الحكم الذي يترتب على من ينشر هذه القصة؟.

في انتظار ردكم الشافي، بارك الله فيكم، دمتم في رعاية الله وحفظه.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

لا شك أن هذه القصة باطلة ولا أصل لها من جهة، ومحرَّم نشرها من جهة أخرى، فقد احتوت على استهزاء بالقرآن الكريم وقبح في الاستعمال لآياته في غير موضعها، ولو عقل أولئك الذين ينشرونها منزلة القرآن وقدَروا الله حقَّ قدْره لنزَّهوا كتاب الله أن يستعمل في حوار بين أجنبي فاجر يتغزل بجمال امرأة أجنبية عنه ويساومها على نفسها!.

وإنَّ جعْل القرآن بدلًا من الكلام فيه انتقاص لكلام الله تعالى، ولا شك عندنا في تحريمه، وهذا بخلاف الاقتباس المناسب من آيات القرآن في موضعه اللائق به في الكلام، وهذا أمر حسن، وله ضوابط.

قال الشيخ مصطفى الرحيباني – رحمه الله -:

( وحرُم جعل القرآن بدلا من الكلام مثل أن يرى رجلا جاء في وقته فيقول! { ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى }! فلا ) يجوز أن ( يُستعمل ) القرآن ( في غير ما هو له ) لما فيه من التهاون وعدم المبالاة بتعظيمه واحترامه، ( وقال الشيخ ) تقي الدين – أي: ابن تيمية -: ( إن قرأ عندما يناسبه فحسن كقول من دعي لذنب تاب منه: { مَا يَكُونُ لَنَا أَن نَتَكَلَّم بِهَذا }! وكقوله عند إصابته ( وعند ) ما ( أهمَّه: { إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلى الله }، و ) كقوله ( لمن استعجله: { خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَل } فهذا وأمثاله مما هو مناسب لمقتضى الحال جائز؛ لأنه لا تنقيص فيه. ” مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى ” ( 1 / 607 ).

وهو الحكم نفسه الذي يقال في القصة المشهورة للمرأة التي أُطلق عليها ” المتكلمة بالقرآن “.

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:

وقد سمعنا أن واحدًا من الناس قال: أنا لن أتكلم بكلام الآدميين أبدًا، لا أتكلم إلا بكلام الله فإذا دخل إلى بيته وأراد من أهله أن يشتروا طعامًا قال: ( فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ ) الكهف/ 19.

وقد قال أهل العلم: يحرم جعل القرآن بدلًا من الكلام، وأنا رأيت زمن الطلب قصة في جواهر الأدب عن امرأة لا تتكلم إلا بالقرآن، وتعجب الناس الذين يخاطبونها، فقال لهم من حولها: لها أربعون سنة لم تتكلم إلا بالقرآن مخافة أن تزل فيغضب عليها الرحمن.

نقول: هي زلَّت الآن! فالقرآن لا يُجعل بدلًا من الكلام، لكن لا بأس أن يستشهد الإنسان بالآية على قضية وقعت، كما يذكر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يخطب فخرج الحسن والحسين يمشيان ويعثران بثياب لهما فنزل فأخذهما، وقال: ( صدق الله: ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ) التغابن/ 15.

فالاستشهاد بالآيات على الواقعة إذا كانت مطابقة تمامًا لا بأس به.

” الشرح الممتع على زاد المستقنع ” ( 6 / 531 ).

ثانيًا:

وأما بخصوص ذلك الحوار المنتشر في المنتديات بكثرة – وللأسف – فهو قبيح للغاية، ولا يشك في تحريمه أحدٌ شمَّ رائحة العلم؛ ففي الحوار المزعوم: نظر محرَّم من الطرفين، وطلب لمس المرأة، ومساومة على الفاحشة بدفع ثمن مقابلها، ثم لعن الذكور جميعًا، وكل ذلك – وغيره من الأشياء المنكرة – استُدل عليه بآيات من كتاب الله تعالى! أفيليق بمسلم عاقل أن يفرح لهذا الحوار وينشره في الآفاق وهو مشتمل على تسويق تلك المحرمات والمنكرات بآيات من كتاب الله تعالى؟!.

فقد وقفنا على فتاوى خاصة فيه تحرَّم ذلك الفعل القبيح ، وتحرم نشره، منها:

  1. قال الشيخ عبد الرحمن السحيم – عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض – وفقه الله: أعوذ بالله من الخذلان، هذا استهزاء واستخفاف بِكلام الله جلّ جلاله، وهذا من اتِّخاذ آيات الله هزوًا، ولا يجوز نشر مثل هذا الباطل، ولا الرضا به، بل يجب إنكاره، والبراءة منه.

http://www.khayma.com/da3wah/341.html

  1. وقال الأستاذ أحمد مجيد الهنداوي – وفقه الله -:

هذا السؤال الذي قد تفضلتَ به فيه فائدةٌ أخرى، وهي: تحذير المسلمين مما يقع من جهلة الناس ومما يقع ممن لا علم له بحيث يستخدمون كلام الله استخدامًا لا يليق بجلاله ولا يليق بعظمته ولا يليق بتوقيره.

وأما عن حكم التكلم بالقرآن على هذه الصورة بأن يُنزَّل منزلة الكلام العادي: فهذا الفعل من المحرمات ولا يجوز أن يفعله المؤمن، بل إن فعله: فقد ارتكب ذنبًا عظيمًا وكبيرة من الكبائر؛ لأنه بذلك استخدم كلام الله جلَّ وعلا على غير النسق الذي أراده الله جلَّ وعلا، وعلى غير المعنى الذي أراد الله جل وعلا أن يبينه للعباد، فحوَّله وصرفه إلى هذه المعاني التي قد تكون معانٍ باطلة، وربما حملت معانٍ مرذولة، كما وقع في هذا السؤال عندما قال هذا العبد لهذه المرأة: ( وزيَّناها للناظرين)، فهو يقصد أنه نظر إلى هذه المرأة فرآها ذات حسن وجمالٍ وكأن الله جلَّ وعلا قد زيَّنها لينظر إليها الناس، فاستخدم الآية استخداماً قبيحًا، وكذلك لمَّا قال لها (نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا )! فهذا استخدامٌ مرذولٌ، وطريقة بشعة في استنزال الآيات في مواضع لا تليق بها؛ فإن الآية إنما سيقت في بيان ما كان يطالب به بنو إسرائيل نبيهم عيسى – صلوات الله وسلامه عليه – في أن ينزل عليهم المائدة، كما قال الله جل وعلا على لسانهم: (نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدينَ )، ومن المعلوم أن هذه المائدة التي أنزلت عليهم من أعظم الآيات التي أنزلها الله جل وعلا على عيسى، ولذلك فإنه حكم بأن من كفر بعدها فإنه سيعذبه عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين، كما قال تعالى: ( قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ  )، وأفرد الله هذه السورة الطويلة التي هي من طوال السور وسمَّاها بهذا الاسم العظيم وهو ” المائدة “.

فهذا الاستنزال لكلام الله جل وعلا قبيحٌ ومرذول، ولا يصح أن يكون في هذا الموضع؛ فإن هذا الاستخدام استخدام يدل على شيء من التهاون وشيء من قلة التعظيم لكتاب الله جل وعلا، وهذا بالجملة عملٌ محرم لا يصح أن يقع، نعم، قد يقع أن يكون هنالك استخدامٌ لكتاب الله جل وعلا في مواضعه الصحيحة، كأن يكون هنالك موقف من المواقف التي يصح أن تُورد الآية فيه موردًا سليمًا لا يدل على خلل ويورد أيضًا على مورد التعظيم ومورد الجد في الكلام كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى خيبر وقد خرج بجيشه المظفر لفتحها ولقتال اليهود، فلما رآها صلى الله عليه وسلم قال: ( الله أكبر .. الله أكبر .. خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ). والحديث أخرجه مالك في ” الموطأ “، والبخاري في ” صحيحه “.

ومع هذا: فالصواب: الجزم بالمنع بالاستخدام لمثل ما يقع الآن من استخدامٍ باطل وجعل هذا الاستخدام من علامات الفطنة والذكاء! بل وربما أجري في ذلك المسابقات وتقديم أصحابها على أنهم من الأذكياء وأن لديهم فهماً ومعرفة بكتاب الله عز وجل، فهذا من الجهل الفاضح ومن عدم المعرفة بما يليق بهذا الكتاب العزيز.

فالصواب: هو القطع بتحريم هذا الاستخدام وعدم الالتفات إلى هذه الأعمال التي يقوم بها جهلة الناس، فإن هذا الكتاب إنما أنزله الله جل وعلا ليتدبر وليحكم به وليكون حاكمًا مهيمنًا على الناس، وإذا أُوردت آياته فإنما تُورد على جهة التعظيم وجهة التعبد وجهة الاستدلال وتقرير الأحكام، فهذا هو الذي ورد لأجله كتاب الله تعالى، كما قال تعالى: ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ )، وقال الله تعالى: ( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ).

ونسأل الله عز وجل أن يجزيك عن هذا السؤال خير الجزاء، وأن يجعلك من الذَّابين عن دينه المدافعين عن حرماته. وبالله التوفيق.

http://www.islamweb.net/consult/index.php?page=Details&id=269306

وعليه: فيجب تحذير المواقع الإلكترونية من نشر تلك القصة الباطلة وما تحويه من مخالفة للشرع ظاهرة، ويجب على المستطيع أن يُنكر على من نشر تلك القصة، ويطلب منه حذفها وتحذير الناس منها، مع بيان السبب الداعي لهذا، وإذا تطوع أحد فنشر جوابنا هذا في تلك المواقع – التي يكون مسجِّلًا فيها – فيكون قد أحسن غاية الإحسان، ويكون أبرأ ذمته.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة