تفصيل القول في معنى ( وشاب نشأ في عبادة ربِّه ) ووصية لمن فاته هذا الفضل

السؤال

– عندي سؤال واستفسار عن معنى ( شاب نشأ في طاعة الله ):

أنا شاب، وعمري الآن 22 سنة، ولكن للأسف لم أكن من الذين نشئوا في طاعة الله منذ أن بلغت عمر التكليف، فأحيانا أصلي وأحيانا أترك الصلاة – عياذًا بالله-، ولكن نويت بإذن الله وتوفيقه أن أتوب وأرجع إلى الله – أطلب منكم الدعاء – وإذا تبت وأنا في هذا العمر وأحسنت التوبة هل يكتب الله لي ممن نشئوا على طاعة الله؟ وكم عمر الذين يشملهم هذا الحديث؟.

وأسأل الله أن يوفقكم ويحفظكم. وجزاكم الله خير ونفع بكم الإسلام والمسلمين.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

الحديث الذي يشير إليه الأخ السائل هو ما رواه أَبو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ – وفيه : – وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ … ). رواه البخاري ( 629 ) ومسلم ( 1031 ).

ثانيًا:

اختلف أهل اللغة وتبعهم الفقهاء في تحديد سن الشباب متى يبدأ ومتى ينتهي، والأقرب: أن زمن ” الشاب ” يبدأ بالبلوغ، وينتهي إلى الثلاثين، أو اثنين وثلاثين، ثم تبدأ مرحلة ” الكهولة “.

* قال ابن الأثير – رحمه الله -:

والكهل من الرجال: من زاد على الثلاثين سنة إلى الأربعين، وقيل من ثلاث وثلاثين إلى تمام الخمسين. ” النهاية في غريب الحديث ” ( 4 / 313 ).

* وقال الزبيدي – رحمه الله -:

الشَّبَابُ: الفَتَاءُ والحَدَاثَةُ كالشَّبِيبَة. وقد شَبَّ الغُلامُ يَشِبُّ شَبَابًا وشُبُوبًا وشَبِيبًا وأَشَبَّهُ اللهُ وأَشَبَّ اللهُ قَرْنَه بمَعْنىً والأَخِيرُ مَجَازٌ والقَرْنُ زِيَادَةٌ في الكَلاَمِ.

وقال مُحَمَّد بنُ حَبِيب: زَمَنُ الغُلُومِيَّة سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَةً مُنْذُ يُولَدُ إِلى أَن يَسْتَكْمِلَها ثم زَمَنُ الشَّبَابِيَّة مِنْهَا إِلَى أَنْ يَسْتَكْمِلَ إِحْدَى وخَمْسِينَ سنة ثم هُوَ شَيْخٌ إِلَى أَنْ يَمُوتَ.

وقيل: الشَّابُّ: البَالِغُ إِلَى أَنْ يُكَمِّل ثَلاَثِين.

وقيل: ابنُ سِتَّ عَشَرَةَ إِلى اثْنَتَيْن وثَلاَثِين ثُمَّ هُوَ كَهْلٌ. انتهى.

” تاج العروس من جواهر القاموس ” ( 3 / 92 ).

* وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:

الشاب ما بين الخمس عشرة سنة إلى الثلاثين.

” شرح رياض الصالحين ” ( 1 / 462 ).

ثالثًا:

وقد اختلف شرَّاح الحديث في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ( وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ) على أقوال، أشهرها: ثلاثة:

  1. أن معناه: أن الشاب كان تربَّى على الطاعة ونما عليها في صغره، ولم يأت سن الشباب عليه إلا وهو على خير.

* قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:

( شاب نشأ في عبادة ربه ): ( نَشَأَ ) منذ الصغر وهو في العبادة، فهذا صارت العبادة كأنها غريزة له، فألفها وأحبَّها، حتى إنه إذا انقطع يومًا من الأيام عن عبادة تأثر.  ” شرح صحيح البخاري ” ( 3 / 79 ).

  1. أن معناه: من أفنى شبابه في عبادة الله وطاعته، لا في معصية، فالتنمية والتنشئة على الطاعة كانت في مرحلة الشباب.

* قال المباركفوري – رحمه الله -:

– ( نَشَأَ) أي: نما وتربى.

– ( بعبادة الله ) أي: لا في معصية، فجوزي بظل العرش؛ لدوام حراسة نفسه عن مخالفة ربه. ” تحفة الأحوذي ” ( 7 / 58 ).

ويدل على هذا التأويل: أثر سلمان رضي الله عنه موقوفًا عليه وهو بمعنى حديث أبي هريرة، وقد رواه سعيد بن منصور في ” سننه ” – كما قال ابن حجر – وفيه ( ورجلٌ أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله ) والحديث حسَّنه الحافظ ابن حجر في ” فتح الباري ” ( 2 / 144 ).

  1. أن معناه: من كانت حسناته وطاعاته في شبابه أكثر من سيئات وذنوب من نشأ على غير طاعة ثم عبَد ربَّه آخر عمره.

* قال أبو الوليد الباجي – رحمه الله -:

( وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ) يحتمل – والله أعلم – أن يريد به: أقل ذنوبًا وأكثر حسنات ممن نشأ في غير عبادة الله عز وجل ثم عبَده في آخر عمره وفي شيخوخته. ” المنتقى شرح الموطأ ” ( 7 / 273 ).

رابعًا:

ونقول لك – أخيرًا -: إذا كان فاتك هذا الفضل فلم تنشأ على طاعة الله تعالى: فإنك لا تزال شابًّا فأر ربَّك من نفسك خير ما عندك من قدرات تصرفها في طاعته وعبادته، ثم إن في الحديث نفسه أمورًا تستطيع أن تكون من أهلها فيظلك الرب تعالى تحت عرشه يوم القيامة، فكن ممن يتعلق قلبه بالمساجد، وكن من المتصدقين بالسر، وكن من الذاكرين الله تعالى في الخلوة فتفيض عينك بالبكاء، وجِد لك أخًا تجتمع معه على المحبة في الله.

واحذر – أخي – من كيد الشيطان أن يصدك عن هذه الطاعات والأفعال الجليلة لأجل أنك لم تنشأ في شبابك على الطاعة، وكثير مما ذكرناه لك قد يصدق عليك بفعله لمرَّة واحدة، فاحرص على الخير لنفسك، ولا تترد في أن تبلي شبابك فيما يحب ربك تعالى منك.

ونرجو منك التأمل في الكلام الآتي للشيخ العثيمين رحمه الله فهو منطبق على حالك .

* سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:

هناك شباب يعودون إلى الله في سن الخامسة والعشرين وفي سن الرابعة والعشرين، يعني: يكون أثناء البلوغ في ضياع، ويكون قد عصى الله سبحانه وتعالى وقد يكون تاركًا للصلاة، فبعد هذا السن يرجع إلى الله سبحانه وتعالى ويكون من عباد الله سبحانه وتعالى، هل يكون داخلًا في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وهو الشاب الذي نشأ في طاعة الله؟.

فأجاب:

السن عندهم درجات، سن الشباب، وسن الكهولة، وسن الشيخوخة، وسن الهرم، فيرجع إلى هذا، فالذي في الخامسة والعشرين لا يزال في الشباب، ولكن مع ذلك لو فرض أنه لم يستقم إلا بعد الثلاثين: فإن الله تعالى يقول في كتابه: ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الفرقان/ 68 – 70، فهؤلاء الذين تابوا بعد أن كبروا وعملوا عملًا صالحًا يبدِّل الله سيئاتهم حسنات، ويكتب لهم إن شاء الله ما يكتب لغيرهم، وإذا قدِّر أنه لم يكن شابًّا: فقد فاتته خصلة من الخصال التي يستحق بها أن يظله الله عز وجل فلا تفته الخصال الأخرى . ” لقاء الباب المفتوح ” ( 5 / السؤال رقم 25 ).

نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يجعلك من العاملين لدينه، وأن يظلك تحت ظل عرشه.

 

والله أعلم.

1 تعليق

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة