قول الصوفية: بأنّ هنالك علم منقول وعلم معقول وعلم ما وراء العقول ويحتجون بقصة موسى مع الخضر!!.

السؤال

كيف ترد على الصوفية الذين يقولون بأن هنا علم منقول وعلم معقول وعلم ما وراء العقول ويحتجون بقصة موسى عليه السلام مع سيدنا الخضر وأن الله آتاه العلم اللدني ..؟!!.

الجواب

الحمد لله

الصوفية بدعة خطيرة على الإسلام وأهله، وتقسيمهم العلم بهذا التقسيم كان من شر بدعهم بل هو رأس ضلالاتهم.

قال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق: 

جاء المتصوفة فكان أول هدم لهم في الإسلام أن يهدموا هذا الأصل ـ يعني أصل: أن علم الغيب مما لا يكون إلا لله ـ  فأقاموا شيئا سمَّوْه ” الكشف الصوفي ” وهو يعني عندهم رفع الحجب أمام قلب الصوفي وبصره ليعلم ما في السموات جميعا، وما في الأرض جميعا، فلا تسقط ورقة إلا بنظره ولا تقع  قطرة ماء من السماء إلا بعلمه ولا يولد مولود، أو يعقد معقود، أو يتحرك ساكن أو يسكن متحرك إلا بعلم الصوفي…هكذا والله.

” الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة ” ( ص 235  ).

ويقول المؤلف في معرض كلامه عن أحدهم وهو الجيلي: 

ولا يتوقف هذا الهذيان الذي يطالعنا به الجيلي في كتابه لحظة واحدة  فهو يزعم أنه قد كشفت له الحجب فرأى العالم عاليه وسافله، وشاهد الملائكة جميعا، وخاطبهم والرسل والأنبياء؛ فها هو يقول ويدعي: ” وفي هذا المشهد اجتماع الأنبياء والأولياء بعضهم ببعض أقمت فيه بزبيد بشهر ربيع الأول في ثمانمائة من الهجرة النبوية فرأيت جميع الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه  عليهم أجمعين والأولياء والملائكة العالين، والمقربين، وملائكة التسخير، ورأيت روحانية الموجودات  جميعها، وكشفت عن حقائق الأمور على ما هي عليه الأزل إلى الأبد – ويستطرد قائلا -: وتحققت بعلوم إلهية لا يسع الكون أن نذكرها فيه “. ” المرجع السابق ” ( ص 250 ).

وقال الإمام أبو اليسر البزدوي: 

وفي الصوفية قوم يدعون الإلهام يقولون: حدثني قلبي عن ربي، ثم يذكرون بعض ما وضعه ” القرامطة ” من الإشارة الفاسدة بالألفاظ الهائلة يغرون بها العامة جعلوا ذلك مكسبة  لأنفسهم  وأنكروا  الشرائع أجمع، فهؤلاء  شرُّ خليقة الله تعالى، وواحد من هؤلاء  حضر من  بلدة بخارى سنة 478 ،وجمع الصوفية وبعض أصحاب الشافعي على نفسه، وكنت خرجت من بلدة بخارى إلى بعض قراها فلّما حضرت أخبروني بحضوره، وكان قبل ذلك يعتقد مذهب أبي حنيفة ويميل إلى الاعتزال، فبعثت إليه اثنين  من أصحابي قلت لهما: قولا له لماذا تركت مذهب أبي حنيفة وأخرجت هذه البدع. فقال؛  ما تركته: فقلت لهما: قولا له لماذا ترفع اليدين عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع؟ فاضطر إلى كشف سريرته الخبيثة فقال: ظهر لي ما لو ظهر لكم ترفعون أيديكم! فقلت لهما: قولا له ماذا ظهر لك هل تقدر على إظهاره أو لا تقدر؟ فإن كنت تقدر على إظهاره: فأظهر، وإن كنت لا تقدر على إظهاره: فذلك بدعة عجزت عن إظهارها، ثم قلت لهما: قولا له إنا على الطريقة التي كان عليها الرسل والأنبياء  والصالحون من الفقهاء من جميع الأعصار وأتقياؤهم وأولياؤهم وقرّاؤهم وأنت أيها التلبيس ـ هكذا جاءت في الأصل ـ   الضال الغاوي المغوي أعرضت عن طريقة هؤلاء وسلكت طريقة إبليس وهي طريقة الروافض والقرامطة، فعند ذلك فرّ من بلدة بخارى ونواحيها فرار القرود من الأسود والهنود من القيود، وقد أخبرني واحد من فقهائنا أنه سأل هذا المبتدع لم تركت مذهب أبي حنيفة وترفع اليدين عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع؟ فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه صلى الله عليه وسلم وغيرهم ويرفعون أيديهم عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع، فقال: قلت له رأيت في المنام؟ قال: بل في اليقظة!!. ” المرجع السابق ” ( ص 689 – 690 ) ناقلًا عن كتاب ” أصول الدين ” للبزدوي.

ونذكر فيما يلي بعض أقوالهم الباطلة الشنيعة:

قال المناوي:

قال الغزالي: قال أبو يزيد: ليس العالِم الذي يحفظ من كتاب فإذا أنسي ما حفظ صار جاهلا، إنما العالِم الذي يأخذ علمه من ربِّه أي وقت شاء بلا تحفظ ولا درس، وهذا هو العالم الرباني وإليه الإشارة بقوله تعالى { وعلمناه من لدنا علما } مع أن كل علمٍ من لدنه لكن بعضها بواسطة تعليم الخلق فلا يسمَّى ذلك علمًا لدنيًّا، بل العلم اللدنِّي الذي ينفتح في سر العالم من غير سبب مألوف من خارج. ” فيض القدير ” ( 2 / 8 ).

ولا يكون ذلك ـ أي علم ما وراء العقول ـ إلا بعد الرياضيات النفسية ومجاهدة النفس مع الزهد والجوع والعطش والانقطاع عن الناس وقد نقل الذهبي بعض كلام ابن حمدين عن أحوال القوم فقال:

وقال – أي: ابن حمدين ينقل كلام الغزالي -: وذهبت الصوفية إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية فيجلس فارغ القلب مجموع الهم يقول الله الله الله على الدوام فليفرغ قلبه ولا يشتغل بتلاوة ولا كتب حديث، قال: فإذا بلغ هذا الحد: التزم الخلوة في بيت مظلم وتدثر بكسائه فحينئذ يسمع نداء الحق ” يا أيها المدثر ” و ” يا أيها المزمل “.

قلت ـ القائل هو ابن حمدين: سيد الخلق إنما سمع { يا أيها المدثر } من جبريل عن الله وهذا الأحمق لم يسمع نداء الحق أبدًا بل سمع شيطانًا أو سمع شيئًا لا حقيقة من طيش دماغه والتوفيق في الاعتصام بالسنة والإجماع. ” سير أعلام النبلاء ” ( 19 / 334 ).

وقد يصل الحد ببعضهم بعد ذلك أن يؤمن بالاتحاد.

قال صديق خان:

ثم إن هؤلاء المتأخرين من المتصوفة المتكلمين في الكشف وفيما وراء الحس توغلوا في ذلك فذهب الكثير منهم إلى الحلول والوحدة كما أشرنا إليه وملؤوا الصحف منه مثل الهروي في كتاب ” المقامات ” له وغيره وتبعهم ابن عربي وابن سبعين وتلميذهما ابن العفيف وابن الفارض والنجم الإسرائيلي في قصائدهم، وكان سلفهم مخالطين للإسماعيلية المتأخرين من الرافضة الدائنين أيضًا بالحلول وإلهية الأئمة مذهبًا لم يعرف لأولهم، فأشرب كل واحدٍ من الفريقين مذهب الآخر واختلط كلامهم وتشابهت عقائدهم.  ” أبجد العلوم ” ( 2 / 161 ).

ويقول ابن حمدين وهو محمد بن حمدين القرطبي – في وصف أحوالهم:

إن بعض مَن يعظ ممن كان ينتحل رسم الفقه ثم تبرأ منه شغفًا بالشرعة الغزالية والنحلة الصوفية: أنشأ كراسة تشتمل على معنى التعصب لكتاب أبي حامد – أي: الغزالي، وكتابه هو ” إحياء علوم الدين ” – إمام بدعتهم فأين هو من شنع مناكيره ومضاليل أساطيره المباينة للدين وزعم أن هذا من علم المعاملة المفضي إلى علم المكاشفة الواقع بهم على سر الربوبية الذي لا يسفر عن قناعه ولا يفوز بإطلاعه إلا من تمطَّى إليه ثبج ضلالته التي رفع لهم أعلامها وشرع أحكامها، قال أبو حامد: وأدنى النصيب هذا العلم التصديق به وأقل عقوبته أن لا يرزق المنكر منه شيئًا فاعرض قوله على قوله ولا يشتغل بقراءة قرآن ولا بكتب حديث لأن ذلك يقطعه عن الوصول إلى إدخال رأسه في كم جبته والتدثر بكسائه فيسمع نداء الحق فهو يقول ذروا ما كان السلف عليه وبادروا ما أمركم به. ” سير أعلام النبلاء ” ( 19 / 332 ).

ويقول الذهبي معلقًا عل بعض كلام الغزالي: 

ومما أخذ عليه – يعني أبا حامد -: قال إن للقدر سرًّا نهينا عن إفشائه!!

فأي سرٍّ للقدر فإن كان مدركا بالنظر: وصل إليه ولا بد، وإن كان مدركا بالخبر: فما ثبت فيه شيء وإن كان يدرك بالحال والعرفان: فهذه دعوى محضة. ” سير أعلام النبلاء ” ( 19 / 337 – 338 ).

ولكن يجب علينا أن نتوسط في هذا المجال كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

فإن طرق العلم والظن وما يتوصل به إليهما من دليل أو مشاهدة، باطنة أو ظاهرة: عام أو خاص، فقد تنازع فيه بنو آدم تنازعًا كثيرًا.

وكذلك كثير من أهل الحديث والسنة قد ينفي حصول العلم لأحدٍ بغير الطريق التي يعرفها، حتى ينفي أكثر الدلالات العقلية من غير حجة على ذلك، وكذلك الأمور الكشفية التي للأولياء  من أهل الكلام من ينكرها، ومن أصحابنا من يغلو فيها، وخيار الأمور أوساطها.

فالطريق العقلية والنقلية والكشفية والخبرية والنظرية طريقة أهل الحديث، وأهل الكلام وأهل التصوف قد تجاذبها الناس نفيًا وإثباتًا، فمِن الناس مَن ينكر منها ما لا يعرفه، ومن الناس من يغلو فيما يعرفه، فيرفعه فوق قدره وينفي ما سواه، فالمتكلمة والمتفلسفة تعظم الطرق العقلية وكثير منها فاسد متناقض، وهم أكثر خلق الله تناقضًا واختلافًا، وكل فريق يرد على الآخر فيما يدعيه قطعيًّا.

وطائفة ممن تدَّعى السنَّة والحديث يحتجون فيه بأحاديث مصنوعة يعلم أنها كذب وقد يحتجون بالضعيف في مقابلة القوي وكثير من المتصوفة والفقراء يبني على منامات وأذواق وخيالات يعتقدها كشفًا وهي خيالات غير مطابقة وأوهام غير صادقة: { إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئًا } [ النجم / 28 ].  ” مجموع الفتاوى ” ( 11 / 185 ).

وأما بالنسبة للخضر عليه السلام: فالصحيح أنه كان نبيًّا، وأن العلم الذي وهبه الله إياه إنما هو العلم الذي يعطيه الله لأنبيائه عليهم السلام.

وقد ضلَّ كثير من المتصوفة لما ظنوا أن الخضر كان وليًّا، وأنه كان عنده العلم اللدني، فراحوا يفضلون لذلك الأولياء على الأنبياء، ومن هنا قال الحافظ ابن حجر:

وقع لبعض الجهلة أن الخضر أفضل من موسى تمسكا بهذه القصة وبما اشتملت عليه وهذا إنما يصدر ممن قصر نظره على هذه القصة ولم ينظر فيما خص الله به موسى عليه السلام من الرسالة وسماع كلام الله وإعطائه التوراة فيها علم كل شيء وأن أنبياء بني إسرائيل كلهم داخلون تحت شريعته ومخاطبون بحكم نبوته حتى عيسى وأدلة ذلك في القرآن كثيرة ويكفي من ذلك قوله تعالى { يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي } وسيأتي من أحاديث الأنبياء من فضائل موسى ما فيه كفاية.

وقال نقلا عن القرطبي -:

وإن قلنا إن الخضر ليس بنبي بل ولي فالنبي أفضل من الولي وهو أمر مقطوع به عقلا ونقلا والصائر إلى خلافه كافر لأنه أمر معلوم من الشرع بالضرورة.

قال:

وإنما كانت قصة الخضر مع موسى امتحانا لموسى ليعتبر الثانية ذهب قوم من الزنادقة إلى سلوك طريقة تستلزم هدم أحكام الشريعة فقالوا: إنه يستفاد من قصة موسى والخضر أن الأحكام الشرعية العامة تختص بالعامة والأغبياء وأما الأولياء والخواص فلا حاجة بهم إلى تلك النصوص بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم ويحكم عليهم بما يغلب على خواطرهم لصفاء قلوبهم عن الأكدار وخلوها عن الأغيار فتنجلي لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية فيقفون على أسرار الكائنات ويعلمون الأحكام الجزئيات فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات كما اتفق للخضر فإنه استغنى بما ينجلي له من تلك العلوم عما كان عند موسى ويؤيده الحديث المشهور استفت قلبك وأن أفتوك.

قال القرطبي: وهذا القول زندقة وكفر؛ لأنه إنكار علم من الشرائع فإن الله قد أجرى سنته وأنفذ كلمته بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه المبينين لشرائعه وأحكامه كما قال الله تعالى: { يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس } وقال { الله أعلم حيث يجعل رسالته } وأمر بطاعتهم في كل ما جاءوا به وحث على طاعاتهم والتمسك بما أمروا به فإن فيه الهدى وقد حصل العلم اليقين وإجماع السلف على ذلك فمن ادعى أن هناك طريقا أخرى يعرف بها أمره ونهيه غير الطرق التي جاءت بها الرسل يستغني بها عن الرسول فهو كافر يقتل ولا يستتاب.

قال: وهي دعوى تستلزم إثبات نبوة بعد نبينا لأن من قاله أنه يأخذ عن قلبه لأن الذي يقع فيه هو حكم الله وأنه يعمل بمقتضاه من غير حاجة منه إلى كتاب ولا سنة فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة كما قال نبينا  صلى الله عليه وسلم  أن روح القدس نفث في روعي قال وقد بلغنا عن بعضهم أنه قال: أنا لا آخذ عن الموتى وإنما آخذ عن الحي الذي لا يموت، وكذا قال آخر: أنا آخذ عن قلبي عن ربي.

وكل ذلك كفر باتفاق أهل الشرائع نسأل الله الهداية والتوفيق.

وقال غيره: من استدل بقصة الخضر على أن الولي يجوز أن يطلع من خفايا الأمور على ما يخالف الشريعة ويجوز له فعله فقد ضل وليس ما تمسك به صحيحا فإن الذي فعله الخضر ليس في شيء منه ما يناقض الشرع فإن نقض لوح من ألواح السفينة لدفع الظالم عن غصبها ثم إذا تركها أعيد اللوح جائز شرعا وعقلا ولكن مبادرة موسى بالإنكار بحسب الظاهر وقد وقع ذلك واضحا في رواية أبي إسحاق التي أخرجها مسلم ولفظه فإذا جاء الذي يسخرها فوجدها منخرقة تجاوزها فأصلحها فيستفاد منه وجوب التأني عن الإنكار في المحتملات وأما قتله الغلام فلعله كان في تلك الشريعة وأما إقامة الجدار فمن باب مقابلة الإساءة بالإحسان والله أعلم.

” فتح الباري ” ( 1 / 221 ، 222 ).

 

والله  أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة