يعيش في بلاد الغرب وعرضت عليه جهة العمل عملًا في بلاد إسلامية، فهل يجب عليه الانتقال؟

السؤال

أعيش في أمريكا, وهي بلاد كفر ولا شك.  وقد عرضت جهة العمل التي يعمل فيها زوجي له فرصة ليعمل في الشرق الأوسط (وهو أصلا من تلك المنطقة من العالم).  ولا يوجد أي سبب وجيه يمنعنا من الذهاب إلى هناك.

وسؤالي هو:  إذا توفرت للمسلم فرصة العيش في بلد مسلمة بدلا من بلاد الكفر, فهل يجب عليه أن ينتقل ليعيش في تلك البلاد الإسلامية, بدلا عن الاستمرار في العيش في بلاد يغمرها الفساد؟

الجواب

الحمد لله

  1. ورد النهي من العيش في بلاد الكفر والشرك ففي حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: بعث رسول الله  صلى الله عليه وسلم سرية إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسجود فأسرع فيهم القتل، قال: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم  فأمر لهم بنصف العقل وقال: ” أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين قالوا: يا رسول الله لم قال: لا تراءى ناراهما “.

رواه أبو داود ( 2645 ) الترمذي ( 1606 ). والحديث: صححه الشيخ الألباني في ” السلسلة  الصحيحة ” ( 636 ).

  1. تجب الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، قال ابن حجر رحمه الله: الهجرة معناها الترك والهجرة إلى الشيء الانتقال إليه عن غيره، وفي الشرع: ترك ما نهى الله عنه.

 وقد وقعت في الإسلام على وجهين:

الأول: الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن، كما في هجرَتي الحبشة وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة.

الثاني: الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان، وذلك بعد أن استقر النبي  صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص، وبقي عموم الانتقال من دار الكفر لمن قدر عليه باقيا. ” فتح الباري ” ( 1 / 16 ).

  1. أن الفقهاء اتفقوا على وجوب الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى:{ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرًا } [ النساء / 97].

ودار الإسلام هي:

أ.  الدار التي يأمن فيها المسلم على دينه وعرضه ونفسه وماله ويكون هذا الأمان بأيدي المسلمين لا ما يكون تحت حماية الكافر كما هو الشأن فيمن يعيش في بلاد الكفر.

ب. وهي التي تكون شرائع الإسلام ظاهرة من جمعة وجماعات وأذان وغير ذلك، ولا شك أن مثل هذه الأمور غير متحققة في بلاد الكفر.

  1. ذكر بعض العلماء أسبابًا لجواز السفر إلى بلاد الكفر، وأوجبوا شروطًا على من يسافر من أهل تلك الأسباب.

وهذه الأسباب هي:

  • العلاج الذي لا يتوفر في بلاد المسلمين.
  • العلم الذي لا يتوفر في بلاد المسلمين.
  • الدعوة إلى الله تعالى.
  • التجارة.

والشروط الواجب توافرها في المسافر المعذور:

  • أن يكون محصنًا بالدِّين خشية الوقوع في الشهوات.
  • أن يكون محصنًا بالعلم خشية الوقوع في الشبهات.
  • أن لا يطيل المكث، ولا ينوي الإقامة، بل يرجع متى انتهت مهمته.

قال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله:

أقسام الهجرة:

الهجرة تكون للعمل، وتكون للعامل، وتكون للمكان.

القسم الأول: هجرة المكان: فأن ينتقل الإنسان من مكان تكثر فيه المعاصي ويكثر فيه الفسوق، وربما يكون بلد كفر إلى بلد لا يوجد فيه ذلك.

وأعظمه: الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، وقد ذكر أهل العلم أنه تجب الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يظهر دينه.

وأما إذا كان قادرًا على إظهار دينه، ولا يُعارض إذا أقام شعائر الإسلام: فإن الهجرة لا تجب عليه ولكنها تستحب.

وبناءً على ذلك: يكون السفر إلى بلد الكفر أعظم من البقاء فيه، فإذا كان بلد الكفر الذي كان وطن الإنسان إذا لم يستطع إقامة دينه فيه: وجب عليه مغادرته والهجرة منه.

فكذلك إذا كان الإنسان من أهل الإسلام ومن بلاد المسلمين: فإنه لا يجوز له أن يسافر إلى بلد الكفر لما في ذلك من الخطر على دينه وعلى أخلاقه، ولما في ذلك من إضاعة ماله، ولما في ذلك من تقوية اقتصاد الكفار…

فلا يجوز للإنسان أن يسافر إلى بلد الكفر إلا بشروط ثلاثة:

الشرط الأول: أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات؛ لأن الكفار يوردون على المسلمين شُبهًا في دينهم وفي رسولهم وفي كتابهم وفي أخلاقهم، في كل شيء يوردون الشبهة ليبقى الإنسان شاكًّا متذبذبًا …

الشرط الثاني: أن يكون عنده دينٌ يحميه من الشهوات؛ لأن الإنسان الذي ليس عنده دين إذا ذهب إلى بلاد الكفر انغمس؛ لأنه يجد زهرة الدنيا هناك، من خمر وزنى ولواط وغير ذلك.

الشرط الثالث: أن يكون محتاجًا إلى ذلك، مثل أن يكون مريضًا يحتاج إلى السفر إلى بلاد الكفر للاستشفاء.

أو يكون محتاجًا إلى علم لا يوجد في بلاد الإسلام تخصُّصٌ فيه فيذهب إلى هناك.

أو يكون الإنسان محتاجًا إلى تجارة، يذهب ويتجر ويرجع.

المهم أن تكون هناك حاجة، ولهذا أرى أن الذين يسافرون إلى بلد الكفر من أجل السياحة فقط: أرى أنهم آثمون، وأن كل قرش يصرفونه لهذا السفر فإنه حرام عليهم وإضاعة لمالهم، وسيحاسبون عنه يوم القيامة حين لا يجدون مكانًا يتفسحون فيه أو يتنزهون فيه، حين لا يجدون إلا أعمالهم …

والسفر إلى بلاد الكفر للدعوة يجوز إذا كان له أثر وتأثير هناك: فإنه جائز؛ لأنه سفر مصلحة .. ” شرح رياض الصالحين ” ( 1 / 15 – 19 ).

  1. وبناء على ما سبق يتبين أن على المسلم أن لا يبقى في بلاد الكفر لغير ضرورة من علاج أو أمر مهم آخر وأما غير ذلك فهو غير معذور منه وهو آثم في بقائه في دار الكفر.
  2. أنصح الأخت السائلة وزوجها أن يسافرا إلى البلاد الإسلامية وأن يلتحق زوجها بفرصة العمل التي أتيحت له في بلاد الإسلام وأن يترك ديار الكفر.
  3. مفاسد البقاء في دار الكفر معروفة لكل مسلم وخصوصا من يعيش في تلك البلاد من التخلق بأخلاقهم وضياع الأولاد والانجراف وراء المادية البحتة إلا من رحم الله وقليل ما هم والله المستعان.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة