حكم الصلاة جلوسا لكبار السن مع القدرة أحيانا على القيام

السؤال

ما حكم الصلاة جالسا خاصة مع كبار السن في حين أنه في بعض الأحيان يكون من الممكن الصلاة واقفا؟

الجواب

الحمد لله

القيام في صلاة الفرض من الأركان ، ومن كان قادراً على القيام فتركه من غير عذر : بطلت صلاته ، ومن شق عليه القيام فليجلس إماماً كان أو مأموماً .

فإن استطاع أن يقوم بعض الوقت في الصلاة فليفعل – حتى ولو في تكبيرة الإحرام -وليجلس في الباقي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” ما أمرتكم به من مرٍ فأتوا منه ما استطعتم ” ، فإذا وجد في نفسه نشاطاً أثناء الصلاة وكان قد جلس فليرجع إلى القيام ؛ لأن عذره في الصلاة من قيام قد زال .

وإن قدر على القيام متكئاً على عصا أو مستنداً على حائط : لزمه القيام .

قال عليه الصلاة والسلام لعمران بن حصين رضي الله عنه : ” صلِّ قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب ” . ومن صلى على هذه الحال فإنه يكتب له الأجر كاملاً لا ينقص منه شيء . رواه البخاري ( 1066 )  .

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية : هل تجوز صلاة المرأة قاعدة مع قدرتها على القيام ؟

فأجاب :

وأما صلاة الفرض قاعداً مع القدرة على القيام : فلا تصح ، لا من رجل ولا امرأة ، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنبك “.

ولكن يجوز التطوع جالساً ، ويجوز التطوع على الراحلة في السفر قِبَل أي جهة توجهت بصاحبها ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ” كان يصلي على دابته قِبل أي جهة توجهت به ، ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة ” . ويجوز للمريض إذا شق عليه القيام أن يصلي قاعداً ، فإن لم يستطع : صلَّى على جنبه ، وكذلك إذا كان رجل لا يمكنه النزول إلى الأرض صلى على راحلته ، والخائف من عدوه إذا نزل : يصلي على راحلته . والله أعلم . ” الفتاوى الكبرى ” ( 2 / 337 ، 338 ) .

قال ابن قدامة :

أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام : له أن يصلي جالسا ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين : ” صلِّ قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب “، رواه البخاري، وأبو داود ، والنسائي ، وزاد : ” فإن لم تستطع فمستلقياً { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } .

وروى أنس قال : سقط رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس فخدش – أو جحش – شقه الأيمن ، فدخلنا عليه نعوده ، فحضرت الصلاة ، فصلى قاعداً ، وصلَّينا خلفه قعوداً ، متفق  عليه .

وإن أمكنه القيام إلا أنه يخشى زيادة مرضه به ، أو تباطؤ برئه ، أو يشق عليه مشقة شديدة : فله أن يصلي قاعداً . ونحو هذا قال مالك وإسحاق ، وقال ميمون بن مهران : إذا لم يستطع أن يقوم لدنياه ، فليصل جالسا . وحكي عن أحمد نحو ذلك .

ولنا قول الله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } ، وتكليف القيام في هذه الحال حرج ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالساً لمَّا جحش شقه الأيمن ، والظاهر أنه لم يكن يعجز عن القيام بالكلية ، لكن لما شق عليه القيام سقط عنه ، فكذلك تسقط عن غيره .

وإذا صلى قاعداً فإنه يكون جلوسه على صفة جلوس المتطوع ، جالساً على ما ذكرنا .

وإن قدر على القيام ، بأن يتكئ على عصا ، أو يستند إلى حائط ، أو يعتمد على أحد جانبيه : لزمه ؛ لأنه قادر على القيام من غير ضرر ، فلزمه ، كما لو قدر بغير هذه الأشياء .

ومن قدر على القيام ، وعجز عن الركوع أو السجود : لم يسقط عنه القيام ، ويصلي قائماً ، فيومئ بالركوع، ثم يجلس فيومئ بالسجود .

وبهذا قال الشافعي .

وقال أبو حنيفة : يسقط القيام ؛ ولأنها صلاة لا ركوع فيها ولا سجود ، فسقط فيها القيام كصلاة النافلة على الراحلة .

ولنا قول الله تعالى : { وقوموا لله قانتين } ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” صل قائماً ” ؛ ولأن القيام ركن قدر عليه ، فلزمه الإتيان به كالقراءة ، والعجز عن غيره لا يقتضي سقوطه ، كما لو عجز عن القراءة، وقياسهم فاسد لوجوه :

أحدها : أن الصلاة على الراحلة لا يسقط فيها الركوع .

والثاني : أن النافلة لا يجب فيها القيام ، فما سقط على الراحلة لسقوط الركوع والسجود .

والثالث : أنه منقوض بصلاة الجنازة . ” المغني ” ( 1 / 444 ، 445 ) .

وقال النووي :

أجمعت الأمة على أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعداً ، ولا إعادة عليه .

قال أصحابنا : ولا ينقص ثوابه عن ثوابه في حال القيام ؛ لأنه معذور ، وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً ” . قال أصحابنا : ولا يشترط في العجز أن لا يتأتى القيام ، ولا يكفي أدنى مشقة ، بل المعتبر المشقة الظاهرة، فإذا خاف مشقة شديدة ، أو زيادة مرض ، أو نحو ذلك ، أو خاف راكب السفينة الغرق ، أو دوران الرأس : صلى قاعداً ولا إعادة .” المجموع ” ( 4 / 202 ، 203 ) .

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة