ما الفرق بين حكم الاغتصاب وحكم الزنا؟ وهل يثبت الاغتصاب بالوسائل الحديثة؟

السؤال

ما أحكام الاغتصاب؟ وما هي عقوبة المغتصب؟ المشكلة هو أن المذنبة دائما تكون المرأة، إن الاتهام من غير المسلمين هو أن كلمة الرجل هي العليا ولا طريق للمرأة لتثبت أنها اغتصبت، ومن هنا ينطلق الرجل حرًّا بفعلته! وكيف نثبت الجريمة على الرجل والمرأة إذا ما كانت اغتصبت أو زنت بإرادتها؟ هل للتكنولوجيا أن تتدخل في مثل هذا الأمر؟ وكيف يمكن إثبات الجريمة بحيث لا يفر الرجل بفعلته من العقاب؟.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

اغتصاب النساء جريمة بشعة لا يقرها شرع ولا قانون، وأضرارها على المرأة وأهلها عظيمة لا تُنكر، وتختلف عقوبة المغتصب بحسب حاله من حيث كونه محصناً أو غير محصن، ومن حيث كونه استعمل القوة – السلاح أو غيره – أو لم يستعملها.

ثانيًا:

وأما اتهام غير المسلمين بأن كلمة الرجل هي العليا وأنه لا يؤخذ بقول النساء في هذا: فهو موافق للمنطق والعقل بل موافق لقوانينهم! ولو كان المجال مفتوحا لكل امرأة أن تدَّعي على شخص بأنها اغتصبها لأوشكت السجون أن تمتلأ بكثير من خصوم أولئك النسوة، فليست المسألة فوضى ليؤخذ قول المرأة على أنه حق ويقين، وإلا لادعته المرأة على عشيقها السابق! أو على الأغنياء والمشاهير لابتزازهم، أو على والدها وأخيها لتخرج من ولايتهم وسلطتهم، وفي هذا دمار للمجتمعات.

ولنناقش المعترض على شرع الله تعالى بواقع غير بعيد عن الحصول:

– ماذا لو رفعت جارة لذلك الشخص قضية في المحكمة تتهمه باغتصابها والاعتداء عليها؟!.

– وماذا لو ادعت عليه أخرى بأنه سرق مالها من بيتها أو جيبها؟!.

– وماذا لو ادعت عليه ثالثة أنه سبها وشتمها بألفاظ قبيحة نابية؟!.

– وماذا لو شهدت عليه رابعة بأنه هو من قتل قتيلًا؟!.

– فهل سيبقى هذا الخصم للشرع على اعتقاده ومنهجه الفاسد؟ وهل سيكون حملًا وديعًا مع أولئك النسوة وادعاءاتهنَّ؟.

– أما في شرع الله تعالى فقد حُسم الأمر بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لذَهَبَ دِمَاءُ قَوْمٍ وَأَمْوَالُهُمْ ) رواه البخاري ( 4277 ) ومسلم ( 1711 ).

* قال النووي – رحمه الله -:

وهذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع؛ ففيه: أنه لا يُقبل قولُ الإنسان فيما يدَّعيه بمجرد دعواه، بل يحتاج إلى بيِّنة أو تصديق المدَّعَى عليه، فإن طَلب يمينَ المدَّعَى عليه: فله ذلك، وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم الحكمة في كونه لا يعطى بمجرد دعواه: لأنه لو كان أُعطيَ بمجردها: لادَّعى قوم دماءَ قوم وأموالهم، واستبيح، ولا يمكن المدَّعى عليه أن يصون مالَه ودمه، وأما المدَّعي: فيمكنه صيانتهما بالبيِّنة.

” شرح مسلم ” ( 12 / 3 ).

وفي اعتقادنا أن ذاك الخصم للشرع لن يجد في غير الإسلام من يحفظ عليه دمه وماله وعرضه وعقوبته في أمرٍ تدعيه عليه من تشاء!.

ولذا لا نعبأ بما يقوله أولئك الخصوم للدين، فما جاء به الشرع ففيه صلاح المجتمعات وفيه حفظ لأعراض الناس من اتهامهم بالباطل وفيه حفظ لدمائهم من أن تراق بغير وجه حق، وإذا لم يعترف الفاعل بفعلته أو لم يكن ثمة شهود على الاغتصاب فلا يُلتفت لقول المرأة المدعية.

– فالزنا مثل الاغتصاب يحتاج لبيِّنه إما اعتراف الفاعل أو شهادة أربعة عدول.

وإذا ثبت ببيِّنة شرعية اطمأن إليها القاضي خطف رجل – أو مجموعة رجال -لامرأة لهتك عرضها: فإنه يقام عليهم حد الحرابة حتى لو لم يحصل مقصودهم من الزنا بها، وقد ذكرنا حد الحرابة في الجواب المحال عليه آنفًا.

ثالثًا:

ولا يُقبل قول المرأة التي زنت بإرادتها أنها أُكرهت إلا بدليل أو قرينة قوية؛ لأن المكرَهة لا يُقام عليها الحد بخلاف من زنت بإرادتها.

* قال ابن عبد البر – رحمه الله -:

ولا عقوبة عليها إذا صحَّ أنه استكرهها وغلبها على نفسها، وذلك يُعلم بصراخها، واستغاثتها، وصياحها. ” الاستذكار ” ( 7 / 146 ).

رابعًا:

ووجود السائل المنوي للرجل في المرأة لا يدل على وقوع جريمة الاغتصاب! إذ قد يكون حصل ذلك بإرادتها فتكون مستحقة للعقوبة مثله، ويمكن للزانية برضاها أن تشهد على الزاني بأنه اغتصبها بسبب خلاف بينهما لتوقع عليه العقوبة أو لتبتزه، فلا يكون هذا دليلاً على وقوع جريمة الاغتصاب، بل لا يكون ذلك دليلاً على وقوع جريمة الزنا! إذ من الممكن أن لا يكون قد حصل إيلاج ويكون المني قد دخل في فرجها أو أدخلته هي، والاحتمالات القائمة كثيرة، والحدود لا تَثبت في الشرع بالقرائن بل بالبينات، ونتائج الـ ” D N A  ” قد يقع فيها الخطأ والتبديل والتزوير فلا تنهض لتكون بيِّنة شرعية تقام بها الحدود الشرعيَّة.

وقد ذكرنا في جواب سابق نص قرار ” مجلس المجمع الفقهي الإسلامي ” – التابع لرابطة العالم الإسلامي – بشأن البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها، وفيه قولهم:

أولًا: لا مانع شرعًا من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي، واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص؛ لخبر (ادْرَؤوا الحُدُودَ بالشُّبُهاتِ ) وذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع، ويؤدي إلى نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة. انتهى.

ولئن نجا المغتصب من عذاب الدنيا بفعلته: فحاله كحال القاتل والسارق والقاذف والزاني وغيرهم من أصحاب الموبقات والجرائم الكبرى، وكل هؤلاء ينتظرهم العقاب الأليم في الآخرة إن لم يتوبوا من ذنوبهم توبة صادقة، وقد يعجل الله تعالى عقوبتهم في الدنيا قبل الآخرة.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة