حكم المجسمات التي تُستخدم للزينة من الفوانيس والهلال والنجمة والخِراف وغيرها

السؤال

– انتشر في الآونة الأخيرة شراء المجسمات للزينة في بعض المواسم:

١. كتزيين البيوت بالخِراف في موسم الأضاحي.

٢. وتزيينها بالهلال والنجمة والفوانيس والشخصيات الكرتونية ( شخصيات الفوانيس ) في رمضان.

٣. وتزيينها عموما بمجسمات للقطط والكلاب والعصافير والخيول التي تُعلّق على الجدران والأبواب وأجهزة المطبخ حتى وصل الأمر لتعليق تماثيل للأصنام والفراعنة.

٤. وعمل قوالب من الكيكات وبعض المأكولات على شكل مجسمات من باب تزيينها وإدخال الفرح على الأطفال عند شرائها لهم.

– فما حكم الشرع في جميع ما سبق إذا فُعل على سبيل الزينة والعادات؟

الجواب

ملخص الإجابة:

١. يجوز اتخاذ الزينة من المجسمات التي لا روح فيها كالفوانيس والهلال والدبابات والفواكه ونحوها.

٢. لا يجوز اتخاذ الزينة من المجسمات التي لها روح حتى ولو كانت شخصيات كرتونية وتسمى كذلك ” شخصيات الفانوس ” ويدخل في المنع كذلك ما اختل فيه شرطٌ من شروط ضوابط الزينة: كالشجر الذي فيه تقليد للنصارى، وما كان محرما بذاته كالأوثان والصلبان، وما تضمّن محرّمًا كالموسيقى والتبذير.

٣. أن لا يُقصد من هذا التزيين التعبد لله؛ لأنّ هذا يدخلها في باب البدع المحرمة؛ فإنّه لا يجوز التعبّد لله إلّا بما شرعه الله عز وجل، وإنما يُقصد من ذلك إظهار البهجة والفرح والسرور بما جرت عليه عادات الناس.

٤. يجوز للأطفال اللعب بالمجسمات التي لها روح والمجسمات الكرتونية واتخاذها للتعليم، ولكن لا يجوز تعليقها واتخاذها للزينة.

٥. ينبغي على المسلم أن يستعدّ لرمضان بالإكثار من ذكر الله والصيام وقراءة القرآن وغيرها من الطاعات التي تزين القلب بتقوى الله، فإن هذا خيرٌ من الانشغال بتزيين المنازل والطرقات، ولا مانع من الجمع بينهما.

قال تعالى: ( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) الأعراف (26).

والله أعلم.

 

التفصيل:

– الإجابة على هذا السؤال تتضمن عدة جوانب:

أولًا: اتخاذ الزينة في الإسلام.

الزِّينةُ لغةً: اسمٌ جامِعٌ لكُلِّ شَيءٍ يُتزيَّنُ به. ( لسان العرب ) لابن منظور (13/202).

والأصل في التزين: الاستحباب؛ لقوله تعالى: { قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق }، الأعراف/32.

– ولكن ينبغي مراعاة ضوابط الزينة الشرعية الآتية حتى تكون مباحة:

١. أن لا يكون فيها تشبه بالنساء بالنسبة للرجال وكذلك العكس؛ لحديث: ( لعنَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المتشَبِّهينَ مِن الرِّجالِ بالنِّساءِ، والمتشَبِّهاتِ مِن النِّساءِ بالرِّجالِ ). صحيح البخاري (5885 ).

٢. أن لا يكون فيها تشبه بالكفار والفُسّاق؛ لحديث: ( من تشَبَّه بقَومٍ فهو منهم ). صححه الألباني في إرواء الغليل (1269).

٣. أن لا يترتب على التزيّن ضرر؛ لعموم ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا ضرر ولا ضرار ). أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (2345). قال المُناوي: (وفيه تحريمُ سائرِ أنواعِ الضَّررِ إلَّا بدليلٍ؛ لأنَّ النكرةَ في سياقِ النَّفيِ تعُمُّ ). فيض القدير (6/431).

٤. أن لا يكون في التزين سرف، لقوله تعالى: ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ). [الأعراف: 31].

٥. أن لا يكون فيه تغييرٌ لخلق الله تغييرًا ثابتًا؛ لقوله تعالى: ( وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ) [النساء: 119].

قال القرطبيُّ في ضابط التغييرِ المحَرَّم: (هذا المنهيُّ عنه إنَّما هو فيما يكون باقيًا؛ لأنَّه مِن بابِ تغييرِ خَلقِ الله تعالى، فأمَّا ما لا يكونُ باقيًا- كالكُحلِ والتزَيُّنِ به للنِّساءِ- فقد أجاز العلماءُ ذلك). ((تفسير القرطبي)) (5/393)

٦. أن لا يكون فيه غش وتدليس؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( من غشّنا فليس منّا ). صحيح مُسْلِم (101).

٧. أن لا يكون التزيُّن أو التزيين بأمر محرّم. كالأوثان والذهب للرجال ونحو ذلك.

بتصرف ( انظر الموسوعة الفقهية: تعريف الزينة وضوابطها )

ثانيا: اتخاذ الزينة من التماثيل والمجسمات المختلفة.

اتفق العلماء على حرمة صناعة التماثيل المجسمة إن كانت من ذوات الأرواح، وأن ذلك مما يستوجب العقاب يوم القيامة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم. رواه مسلم ( 2108 ).

واستثنوا من ذلك ما لا روح فيه، وما يكون مخصّصًا للأطفال كلُعب البنات ونحوها.

قال ابن حَجَر – رحمه الله -: (إنَّ ابنَ العربيِّ مِن المالِكيَّة نقل أنَّ الصُّورةَ إذا كان لها ظِلٌّ، حَرُم بالإجماعِ، سواء كانت مِمَّا يُمتَهَنُ أم لا، وهذا الإجماع محَلُّه في غيرِ لُعَب البَناتِ). ((فتح الباري)) (10/388).

قال خليل: (التَّماثيلُ إن كان بغيرِ حَيوانٍ كالشَّجَرِ جاز، وإن كان بحيوانٍ ممَّا له ظِلٌّ قائِمٌ، فهو حرامٌ بإجماعٍ). ((التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب)) (1/290)،

قال ابن عطية: “وحكى مكي في الهداية أن فرقة كانت تجوز التصوير وتحتج بهذه الآية, وذلك خطأ، وما أحفظ من أئمة العلم من يجوزه” (المحرر الوجيز 4/409).

– ويدخل في لعب الأطفال المباحة: ما كان بقصد التعليم.

جاء في الموسوعة الفقهية: ثَامِنًا: التَّصْوِيرُ لِلْمَصْلَحَةِ كَالتَّعْلِيمِ وَغَيْرِهِ: لَمْ نَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا، عَدَا مَا ذَكَرُوهُ فِي لُعَبِ الأَطْفَالِ: أَنَّ الْعِلَّةَ فِي اسْتِثْنَائِهَا مِنَ التَّحْرِيمِ الْعَامِّ هُوَ تَدْرِيبُ الْبَنَاتِ عَلَى تَرْبِيَةِ الأَطْفَالِ كَمَا قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، أَوِ التَّدْرِيبُ وَاسْتِئْنَاسُ الأَطْفَالِ، وَزِيَادَةُ فَرَحِهِمْ لِمَصْلَحَةِ تَحْسِينِ النُّمُوِّ، كَمَا قَالَ الْحَلِيمِيُّ، وَأَنَّ صِنَاعَةَ الصُّوَرِ أبِيحَتْ لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ، مَعَ قِيَامِ سَبَبِ التَّحْرِيمِ، وَهِيَ كَوْنُهَا تَمَاثِيلَ لِذَوَاتِ الأَرْوَاحِ. وَالتَّصْوِيرُ بِقَصْدِ التَّعْلِيمِ وَالتَّدْرِيبِ ونَحْوُهُمَا لا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ.  انتهى.

* وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

ما حكم صنع التماثيل؟

فأجاب:

صنع التماثيل المجسمة إن كانت من ذوات الأرواح، فهي محرمة لا تجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت أنه لعن المصورين… أما إذا كانت التماثيل ليست من ذوات الأرواح فإنه لا بأس به وكسبها حلال؛ لأنها من العمل المباح، والله الموفق. مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الحادي عشر – باب التصوير.

وقال في موضع آخر:

الحكم في هذه التماثيل الموجودة في البيوت، سواء كانت معلقة، أم موضوعة على الرفوف، أن هذه التماثيل يحرم اقتناؤها ما دامت تماثيل حيوان، سواء كانت خيولاً، أم أسوداً، أم جمالاً، أم غير ذلكفعلى من عنده شيء من ذلك أن يتلفه، أو على الأقل يقطع رأسه… وإنك لتعجب من رجال يشترون مثل هذه التماثيل بالدراهم، ثم يضعونها في مجالسهم، كأنما هم صبيان، وهذا من تزيين الشيطان لهم…فإن أصروا على بقائها فهم آثمون في ذلك، وكل لحظة تمر بهم يزدادون بها إثماً، نسأل الله لنا ولهم الهداية. وأما بيعها وشراؤها فحرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا حرم شيئاً، حرم ثمنه». فتاوى نور على الدرب شريط رقم ١٣٠ .

* وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله:

ما حكم التماثيل التي توضع في المنازل للزينة فقط وليس لعبادتها؟

فأجاب:

لا يجوز تعليق التصاوير ولا الحيوانات المحنطة في المنازل ولا في المكاتب ولا في المجالس… قال ﷺ: ” أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون “. متفق على صحته. كتاب الدعوة ص 18.

فإن قال قائل:

بعض المجسمات لا نظير له من الكائنات الحية، أو هي شخصيات كرتونية نحو ما يُسمّى بـ ” شخصيات الفوانيس “.

فالجواب:

أنّ اتخاذ هذا للزينة داخل في التحريم كذلك، جاء في حاشية قليوبي الشافعي 3/298 : (وصورة حيوان) أي: ومن المنكر ذلك ولو لِمَا لا نظير له ؛ كبقر له منقار… قوله: (ويحرم تصوير حيوان) ولو على هيئة لا يعيش معها ما لا نظير له كما مر ).

فيتضح مما سبق:

أنه لا يجوز اتخاذ التماثيل والمجسمات التي لها روح للزّينة حتى ولو كانت أشكالًا كرتونية؛ لأنّ الاستثناء إنّما هو ما كان للعب الأطفال وتعليمهم وليس للزينة.

وعليه: يحرم تعليق الخراف في موسم الأضاحي، وشخصيات الفوانيس في رمضان وغيرها من ذوات الأرواح أو اتخاذها للزينة.

ويجوز فيما عداها كالفوانيس والنجوم والهلال إذا روعيت الضوابط السابقة من عدم التشبه بالكفار وغيرها، فقد انتشر بالآونة الأخير تزيين الأهلة والنجوم بالعشب الأخضر الذي يشبه لحدٍّ كبير شجر النصارى في أعيادهم، فمثل هذا داخل في التحريم.

ثالثا: حكم صناعة التماثيل المؤقتة من الحلويات والثلج ونحوها:

اختلف أهل العلم في مثل هذه التماثيل لذوات الأرواح إذا كانت غير دائمة مثل ما يتم صنعه من الطين والثلج والعجين والحلوى ونحو ذلك.

– فذهب جمهور أهل العلم إلى تحريمه لعموم النهي الوارد في التماثيل والتصوير. انظر الشرح الكبير 2/337-338.

– وذهب بعضهم إلى جواز ذلك؛ لأنه مما يمتهن ويبلى:

قال الإمام الشبراملسي الشافعي رحمه الله:

” الصور التي تتخذ من الحلوى لترويجها، لا يحرم بيعها ولا فعلها، ثم رأيت الشيخ عميرة نقل ذلك عن البلقيني ” [حاشيته على نهاية المحتاج 3/ 396].

وقال بعض المالكية:

لا بأس بها لكونها تبلى وليست دائمة،  ولأنها ممتهنة على هذه الحالة. انظر البيان والتحصيل 9/366.

وهي بلا شك أهون من التماثيل الدائمة؛ بسبب عدم ديمومتها, وللامتهان الذي ينالها, ولصعوبة كونها ذريعة للشرك, مع أنّ الأحوط الامتناع عنها لعموم الأدلة إذا كانت التماثيل مصورة واضحة المعالم.

رابعا:

إن مما لا خلاف فيه عند أهل الإسلام أنّه لا يجوز تعليق الصلبان والأوثان أو حتى اتخاذها للزينة، بل ويحرم بيعها وشراؤها؛ لأنها من شعائر الكفّار المختصّة بهم.

جاء في سنن الترمذي عن عدي بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال يا عدي اطرح عنك هذا الوثن.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

” الصليب لا يجوز عمله بأجرة ولا غير أجرة ، ولا بيعه صليبا ، كما لا يجوز بيع الأصنام ولا عملها ” مجموع الفتاوى (22/141)

قال ابن حزم:

(وأمَّا الصُّلُبُ فبِخلافِ ذلك، ولا يحِلُّ تَركُها في ثوبٍ، ولا في غيرِه؛ لِمَا رُوِّينا… عن عائشة أمِّ المؤمنين: «أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يكُنْ يدَعُ في بيتِه ثوبًا فيه تصليبٌ إلَّا نقَضَه»). ((المحَلَّى)) (7/516).

فالعجب كل العجب أن ترى في بلاد الإسلام من يشتري ويبيع هذه الأصنام والصلبان بحجة أنها للزينة ثم يقوم بعض المسلمين بوضعها في بيوتهم وتعليقها بها مع وضوح ما جاء في شأنها من وجوب نقضها وطمسه.

وإذا كان قد وقع الإجماع على حرمة التماثيل لذوات الأرواح من الحيوانات واتخاذها للزينة – باستثناء ما جاء في لعب البنات -؛ لما في ذلك من المضاهاة لخلق الله وذريعة للشرك فكيف بتعليق الأصنام والصلبان بذاتها التي هي أساس عقيدة الشرك ومن أعظم خصائصه.

خامسا:

إن مما ينبغي التنبيه عليه: أنه يجب على المسلم أن يغتنم شهر رمضان بالطاعات والكف عن المعاصي وتزيين القلب بالتوبة والخشية من الله، وعدم الانشغال بالمباحات وما لا فائدة فيه، ويجب الاستعداد له من قبل قدومه بالصيام وذكر الله وقراءة القرآن، فهل يحرص أصحاب الزينة على هذا.

فكم ترى الآن حرص الناس على إظهار فرحهم باستقبال شهر رمضان عن طريق شراء ما يسمى بـ ” زينة رمضان “، ويرون أن هذا له بهجة وجمالًا للشهر المبارك، ولكنهم وللأسف لا يحرصون على استقباله بما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم من الاستعداد له بالصوم والحرص على الطاعات.

حتى إنك لتجد كثيرًا ممن يزينون بيوتهم وحدائقهم بزينة رمضان لا يعرفون طريق المسجد، ولربّما لا يصلون حتى في منازلهم، ولا تنطفئُ شاشات تلفازهم عن مشاهدة المسلسلات، ويفطرون على أصناف كثيرة من الطعام والشراب بخلاف فعل نبيهم صلى الله عليه وسلم، ثم إذا جاؤوا لصلاة التراويح استثقلوا صلاة إمامهم وانصرفوا قبل انصرافه.

فلا أدري هل غدا شهر رمضان شهر زينة وبهجة بإنارة الجدران والحدائق، مع غفلة القلوب عن التوبة وإحياء الإيمان فيه.

– فمن كان يجمع بين زينة الظاهر وزينة الباطن فلا أظن أحدًا يُنكر عليه.

وأما من اهتم بزينة ظاهره وأهمل باطنه، فقد جهل معاني هذا الشهر العظيم، وضل عن طريق المسلمين، وانخدع بتلبيس إبليس.

 

والله تعالى أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة