الجَدْب الكِتابي!

لكاتبه: الدكتور/ سليمان العبودي.

الجَدْب الكِتابي!

بعض الشباب وطلاب العلم بعبارة عامية: (مالهم خِلق) يكتبون أبدًا .. فتجده يستثقل القلم والكتابة للغاية وينقبض قلمه عن الاسترسال بما يجول بخاطره من علوم واستشكالات ولطائف فضلا عن الأحاسيس والمشاعر، وتمضي عليه السنون تباعا وهو يستوحش امتشاق القلم واستدرار الذهن وحيدا على (الكيبورد)؛ أما أن تكون الكتابة ضمن عاداته الدورية التي لا يتخلى عنها فهو أمر بعيد المنال، إما زهدا بهذه الوسيلة وعدم استشعار تامٍّ بأهميتها في تجويد العلوم والأفكار أساسًا، وإما لظنه أنه إن لم يمتلك قلم فلان وفلان من الأدباء ومنمقي الجُمَل البديعة ومفذلكي الصياغات الرفيعة؛ فليس له أن يسلك هذا المجال وإنما يكتفي فيه بالمتابعة والتجمهر والترقب؛ وإن اضطر للكتابة في مسوَّداته الخاصة أو في شبكات التواصل مثلا؛ بالغَ في الاختصار والاقتضاب والاكتفاء بطرح رأس الفكرة ومبدأ الاعتراض وعليك فهم الباقي ..

بل يحاول بعضهم إشعارك -من خلال الأخطاء المتعمَّدة في الإملاء والعبارات العامية المضمَّنة- أنه على عجلةٍ من أمره وأنه الآن يكتب لك من رأس القلم بلا تحرير وتدقيق وأنه لولا هذه العجلة لأفاض عليك من معارفه وقالَ الكثير؛ وتمضي جميع مكاتباته وتعليقاته واعتراضاته على هذا النسق المتعجل؛ فتنقلب العجلة من كونها ظرفا عارضا له أسبابه إلى سمة دائمة يتكئ عليها ما دام حيا!

والخاسر من كل ذلك قلمه الذي يوشك على الموات وخواطره التي لم تلقَ منه يوما ما حفاوةً وترحيب فأمعنت في الصدود والغياب؛ وأفكارُه التي لن تتحرر ذهنيا حتى تُعتقل ورقيا!

لقد كانت الكتابة لدى العلماء قديما وحديثا من أعظم وسائل تحصيل العلوم وتحرير الأفكار وتقييد الخواطر وسوانح الأذهان ..

ومن الخطأ أن يستغني طالب العلم عن هذه الوسيلة العظيمة في تحصيل العلوم وتحرير الأفكار والخواطر لا سيما وقد أتاحت الأجهزة الذكية وشبكات التواصل بوسائلها المختلفة المجالَ للتسويد والكتابة وثرثرة الأقلام، فلئن اختار طالب العلم الصمت في موضع ما، فليسترسل في آخر ولو في مسوداته الشخصية، وحينما تصبح الكتابة ضمن حاجاته اليومية التي لا يستغني عنها فهو المستفيد أولا وآخرًا!

ليس المقصود تحويل الناس جميعا لكتَّاب ؛ إنما المقصود تنمية الملكة إلى السقف الأعلى المتاح والانتفاع بوسيلة الكتابة في تحرير العلوم والأفكار!

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

ابقَ على إتصال

2,282المشجعينمثل
28,156أتباعتابع
8,850المشتركينالاشتراك

مقالات ذات صلة