وَقَفَات مع آيات الضِّيافة في سُورة الذَّارِيات.

وَقَفَات مع آيات الضِّيافة في سُورة الذَّارِيات.

 

آيات الذَّاريات جامعة لآداب الضِّيافة، وقد ذكَر العلماء فيها تجلِّيات وتدُّبرات عظيمة جدًا، تدلُّنا على أنَّ الله -سُبحانه وتعالى- ذكرَ هذه القصَّة ليُبيّن للنَّاس كيف تكون آداب الضِّيافة واسْتقبال الضُّيوف وإكرامهم.

قال تعالى: {هل أتاك حديثُ ضيف إبراهيم المُكرَمين*إذْ دخلُوا عليه…}

بيّن تعالى أنّهم لم يستأذنوا في الدّخول مما دلّ هذا على أنهُ بيتُ كرم، وإبراهيم -عليه السلام- جاء في الحديث أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال:

“كان أوَّل مَن أضاف الضَّيف إبراهيم”
فهو بيتٌ مفتوح للجميع، فلم يحتاجوا للاستئذان.

وقوله: {فقالوا سلاما قال سلامٌ} ففرّق بين سلامهِ وسلامهم، فسلامهم جاء بالنصب، وسلامه جاء بالرفع، والرفع أجلّ وأعظم من النّصب لأنه يدلّ على الجُملة الاسمية التي تدل على الثبوت والاستمراريّة، أما المنصوب فيدلّ على الفعلية فقط.

وقوله: {قومٌ منكرون}
لم يقل أنكرتُهم ولا إنّي أنكرتهم، لأنه لا يليق أن يأتي باسم الفاعل، أو يأتي بالفاعل عن نفسه، وإنّما قال قوم منكرون بناهُ للمجهول، أي:

“أنتم لا تُعرفون” ولم يقل أنا لا أعرفكم أو إنّي أُنكركم، هذا لا يليق بأن يُواجه الضيف بمثلِ هذا الأسلوب، وإنّما قال قوم منكرون.

ثم قال: {فراغ إلى أهلهِ..}
فراغ أي: ذهب خُفيةً، ولم يقُل الآن أحْضر لكم الطعام، أو الآن يأتي لكم الطعام، لأنّ الضيف يمتنع عادةً، بل ذهب خفية ليُحضر الطعام، ولم يُشاورهم ولم يستأذنهم ولم يُخبرهم!

ثم قال: {إلى أهله} دليل على أنه ربّى أهله على الإكرام، فدلّ قوله {إلى أهله} أنّ الطعام طعام بيتٍ، وأنّ الأهل هُم الذين يخدمون ويقومون بالضيافة.

{فجاءَ بعجلٍ سمين} دلّ هذا أن الطعام كان مطهيًّا، فلم يذهب لهم ليُخبرهم بإعداد الطّعام، وإنما ذهب لهم ليُحضر الطعام، دل فعلا على أنَّ بيت إبراهيم بيت كرم، وأنه طعامه أصلا مجهّز للضِّيفان.

وقوله: {فجاء} دلّ أنهُ خدم الضيوف بنفسه، فهو الذي أحضر الطعام، وهذا أبلغ في الإكرام أن يأتي صاحِب المنزل بالطعام للمضيف.

وقوله: {بعِجل سمين} أي: طيّب كامل، وفي سورة هود قال {حنيذ} أي: مشويّ، فذكر تعالى أنّ العجل سمين اللحم، وأنه قد أُعدّ بأفضل أنواع الإعداد وهو: الحنيذ المشوي على الصخر.

قال: {فقرّبهُ إليهم} وهذا من أعظم آداب الضيافة، أن يُقدّم الطعام إلى الضيف، وليس أن يُقدّم الضيف إلى الطعام، ولم يقل: فقرّبهم إليهِ، وهذا من الآداب والكمال، وليس عن الجواز نتكلّم، لكنهُ الأليق والأكرم في الآداب، أن يُقدَّم الطعام إلى الضيف، لا أن يُقدم الضيف إلى الطعام.
ثم قال: {ألا تأكلون} بتلطّف، أسلوب فيه أدب، فهذا عرضٌ فيهِ تلطّف في القول.

هذا مُجمل هذه الآداب التي ذكرها تعالى في هذه السورة.

والحمد لله رب العالمين.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

ابقَ على إتصال

2,282المشجعينمثل
28,156أتباعتابع
10,000المشتركينالاشتراك

مقالات ذات صلة