ما تعليقكم على هذا المَقْطع؟ ( الطواف والطاقة والحجر الأسود … )

السؤال

ما تعليقكم على هذا المقطع، والذي انتشر انتشارا كبيرا هذه الفترة؟.

الجواب

الحمد لله

الأخ المتكلم في المقطع تناول عدة أمور يجمعها:

١. الطواف والطاقة.

٢. الحجر الأسود.

٣. قوله تعالى {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ}.

وهذا أوان الرد التفصيلي على ما قاله.

١. الطواف بالكعبة والطاقة:

أ. ربط اتجاه الطواف (عكس عقارب الساعة) بمفاهيم “الطاقة” (الموجب والسالب): فكرة مُختلقة لا أصل لها في الإسلام، ولا علاقة لها بالعبادات الشرعية، والطواف عبادة قلبية وجسدية تُؤدى امتثالاً لأمر الله، وليست مرتبطة بفيزياء الطاقة.

ب. القول بأن الأشواط الثلاثة الأولى “تعيد معايرة خلايا الجسم: كلام غير علمي ولا شرعي، فالصحة الجسدية ليست شرطًا في العبادات، والطواف مشروع لإظهار العبودية لله.

ج. القول باختزان الطاقة لـ (١٢) شهرًا : ليس عليه دليل شرعي أو علمي، والعبادات تُقبل بالنيات والموافقة للشرع في كمها كيفها وزمانها ومكانها وسببها وجنسها، والطواف بالبيت عبادة توقيفية مُحددة بالشرع، قال تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (الحج/ ٢٩)، لا بالطاقة المزعومة.

د. والطواف عبادة تؤدى لله وحده، وليس لها منافع دنيوية، فهو ليس لـ “شحن الطاقة”.

هـ. وذكره للاضطباع فيه ملاحظات :

١. الاضطباع -وهو كشف الكتف الأيمن- لا علاقة له بما قاله، ولو كان له وجه لكان الكشف للكتف الأيسر ليكون باتجاه الكعبة.

عن يعلى بن أمية رضي الله عنهما فال: “طاف النبي صلى الله عليه وسلم مضطبعًا ببُردٍ أخضر” (رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي).

٢. الاضطباع لا يكون في كل طواف، بل للطواف الأول -القدوم- في الحج والعمرة، ولو كان لما قاله وجه لكان ذلك في كل طواف.

٣. النساء لا يشاركن الرجال بالاضطباع، فهل يحرمن من الطاقة؟!

٤. قال الأخ المتكلم إن الطائف يغطي كتفه بالشوط الرابع! وهذا ليس صوابا، بل يبقى الكتف الأيمن مكشوفا حتى ينتهي من طوافه كاملا، أو إذا أراد أن يصلي قبل انتهاء طوافه فيغطيه ثم يكمل طوافه مكشوفا.

٥. ولعله اختلط عنده الأمر مع (الرمَل) وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى في الأشواط الثلاثة الأولى فحسب، وهو أيضا للرجال لا للنساء.

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رمل النبي صلى الله عليه وسلم في الثلاثة أشواط من الحَجَر إلى الحَجَر” (صحيح البخاري) والحجر هنا هو الحجر الأسود.

وفي” مسلم” عن جابر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمَل ثلاثا ومشى أربعا”.

٢. الحجر الأسود:
أ. القول بأن الحجر الأسود مكون من (٨) حصيات: غير صحيح، فالحجر الأسود قطعة واحدة، وقد تكسّر بسبب أحداث تاريخية، أشهرها حادثة سرقة القرامطة له، ثم أُعيد تجميعه بإطار فضة.
ب. الكلام المنسوب لعلي رضي الله عنه في حديثه مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقول عمر بن الخطاب مخاطبا الحجر الأسود (للتعليم لمن حوله لا لقصد إسماع الحجر فهو يعلم أنه جماد لا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم) “لولا أني رأيت النبي ﷺ يقبّلك ما قبّلتك” متفق على صحته، لكن رد علي رضي الله عنه عليه بأن الحجر “يسجل الأسماء” كذب مختلق، ولم يرد في أي مصدر موثوق.
ج. ادعاء بأن “الموسوعة البريطانية” ذكرت أن الحجر الأسود “يرسل إشعاعًا بطول (٧٠٠) مترا” أو “يسجل (١٠) آلاف اسم في الثانية: غير صحيح.
ولا يوجد أي ذكر للحجر الأسود في “الموسوعة البريطانية” -في أي إصدار موثوق- يتعلق بـ “الإشعاع” أو “تسجيل الأسماء” أو “الباركود”، وهذه الأقوال غير موجودة في الموسوعة.
وهذه الأقوال تنتهك قوانين الفيزياء الأساسية، فـ “الإشعاع” الذي يصل لـ ٧٠٠ مترا ويخترق الحشود ليلتقط الأسماء فكرة خيالية لا تستند إلى أي أساس علمي.
والحجر الأسود حجر سماوي نزل من الجنة، وليس جهازًا إلكترونيًا!
قال النبي صلى الله عليه وسلم “نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضًا من اللبن، فسودته خطايا بني آدم”. (رواه الترمذي وغيره بإسناد صحيح).
وتقبيله ولمسه والإشارة إليه: سنة نبوية، وليس لأنه “يسجل الأسماء”، بل هو اتباع لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
د. وبخصوص ما ورد من شهادة الحجر الأسود يوم القيامة على من استلمه بحق: كما جاء في بعض الأحاديث، منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم “والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يُبصر بهما ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه يوم القيامة بحق” (رواه الترمذي وابن ماجه وهو حديث حسن قوي): فهذا مما يكون يوم القيامة وكل ما فيه لا يجري وفق السنن الدنيوية، ومثله نطق الأيدي والأرجل والجلود على من أنكر ما اقترفه في الدنيا ولم يقبل شهود الله عليه.
قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ (فصلت/ ٢٠، ٢١).
الفرق بين النطق الغيبي والنطق المادي:
النطق المادي الدنيوي: يحتاج إلى آليةٍ مخلوقةٍ (كالحنجرة، والأعصاب، والدماغ)، وهذا ما نفيناه عن الحجر الأسود في الدنيا.
وأما النطق الغيبي الأخروي: فلا يحتاج إلى أسباب مادية، بل هو خرقٌ للعادة بقدرة الله، كتكليم الجوارح يوم القيامة، أو إحياء الموتى للحساب.
وتكلم الشجر والأعضاء في آخر الزمان هو من آيات الله، والله تعالى يفعل في ملكه ما يشاء ويغير طبيعتها كيفما شاء، كما في نار إبراهيم عليه السلام.
هـ. وماذا يقال في السنوات التي لم يكن الحجر الأسود موجودا بالكلية في مكانه؟ فقد سرقه القرامطة في سنة (٣١٧ هـ) وبقي معهم (١٧) سنة! ولم يتوقف الحجاج والمعتمرون عن الإشارة لمكانه، فالمسلم يعتقد أنه حجر لا ينفع ولا يضر، وأن ذات الحجر ليست مقصودة، بل حتى الكعبة المشرفة لما تهدم في آخر الزمان يبقى الناس يطوفون حول مكانها، فحجارتها غير مقصودة، ولذلك يصلي المسلمون في الطوابق العلوية والسطح ويكون بناء الكعبة أسفل منهم، وكذلك حصل في أيام تجديد بناء الكعبة عام (١٤١٧ هـ) في عهد الملك فهد بن عبد العزيز، فقد هدم بناء الكعبة حتى وصل الحفر لقواعد إبراهيم عليه السلام، وأعيد بناؤها على أكمل وجه، وفي تلك الفترة كان مكان الكعبة محاطا بحواجز خشبية، لا يدري الحجاج والمعتمرون ما يجري داخلها، فلا بناء الكعبة كان موجودا ولا عين الحجر الأسود كذلك.
وقل مثل ذلك في فعل الصحابي عبد الله بن الزبير رضي الله عنه لما أعاد بناء الكعبة على قواعد إبراهيم عليه السلام.
ومن هنا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما قال في خطابه للحجر الأسود، وعقب عليه الحافظ ابن حجر، فقال:
وفيه دفع ما وقع لبعض الجهال من أن في الحجر الأسود خاصة ترجع إلى ذاته. انتهى.
و. لماذا نرفض هذا القول؟
١. الاعتقاد بأن الحجر الأسود “يسجل الأسماء” يُشبه عبادة الأوثان، وهو ضرب من الشرك الخفي.
٢. تقبيل الحجر الأسود سنة نبوية، وليس لسبب مادي، وفيه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه السابق. .
٣. لو كان الحجر يسجل الأسماء: لاحتاج إلى بطارية وبرمجة، وهذا لا يقبله عقل! وسيشهد يوم القيامة لمن أشار له حتى وهو غير موجود في الواقع.
٣. قوله تعالى {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ} (الحج/ ٤٧).
أ. ومن الأخطاء في المقطع تحويل الأخ المتكلم الآية إلى معادلات فيزيائية!، والآية فيها بيان عظمة قدرة الله واختلاف قدر الزمن بين ما عند الله تعالى وعندنا، وليست معادلة رياضية لحساب العبادات!
ب. وللفائدة:
فالأيام ثلاثة:
١. يوم مقداره خمسون ألف سنة، وهذا يوم القيامة.
قال تعالى {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (المعارج/ ٤).
وفي حديث رواه مسلم في قصة مانع الزكاة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “في يوم مقداره خمسين ألف سنة”.
٢. ويوم عند الله لا نعلم ما هو: مقداره ألف سنة.
قال تعالى {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ} (الحج/ ٤٧).
٣. ويوم مقداره ألف سنة في تدبير الأمر من السماء إلى الأرض ثم عروجه إلى الله عز وجل .
قال تعالى {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (السجدة/ ٥).
قال الطبري -رحمه الله-:
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معناه: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقدار ذلك اليوم في عروج ذلك الأمر إليه، ونـزوله إلى الأرض ألف سنة مما تعدون من أيامكم، خمسمائة في النـزول، وخمسمائة في الصعود؛ لأن ذلك أظهر معانيه، وأشبهها بظاهر التنـزيل. انتهى.
ج. القول بأن (١٥) دقيقة مع الوالدين تعادل (١٠) سنوات عبادة: غير صحيح، فالأجر مُرتب على النيّة والعمل الصالح، ولا يُقاس بالدقائق!
٤. لماذا تنتشر مثل هذه القصص بين الناس؟
أ. الجهل بالعلوم الشرعية:
بعض الناس يخلطون بين الإيمان والخرافات، فيُدخلون تفسيرات علمية زائفة على العبادات.
ب. الرغبة في الإثارة:
تُروج بعض القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي لهذه الادعاءات لجذب المتابعين.
ج. الاستدلال بالباطل:
محاولة إقناع الآخرين بالإسلام باستخدام “معجزات وهمية” بدلًا من الحجج العقلية والشرعية الصحيحة.
٥. وختاما:
فإننا ندعوا المسلمين إلى التمسك بالمنهج الصحيح، وهو الرجوع إلى القرآن والسنة فهما المصدر الوحيد للتشريع، ولفهم نصوصهما على فهم خير الناس من المتبعين لهما سلفا وخلفا، والحذر من الشائعات، خاصة تلك التي تُنسب غلطا إلى العلم أو التاريخ.
اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه
والله أعلم.

إحسان العتيبي أبو طارق، ١٤ شعبان ١٤٤٦ ، ١٣/ ٢/ ٢٠٢٥

تحديث:

ثم التقيت بالأخ المتكلم وهو الدكتور عبد العزيز المصري، في زيارتي للشام ،قبل شهر رمضان لعام ١٤٤٦ هـ، وجرى حديث يسير في بعض تلك المسائل، فلم يكن الزمان والمكان بمناسبيْن للنقاش الموسع، وقد رحّب بالنقاش العلمي.

ثم جاءني قبل قليل خبر وفاته أمس ١٥/ ٤/ ٢٠٢٥.

رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته وعظم الله أجر أهله ومحبيه.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة