بعد شراء أواني الطبخ اكتشفت أنها مطلية بالذهب، فماذا تفعل؟

السؤال

اشتريت بعض أواني الطهي لاستخدامها واكتشفت بعد ذلك أن أجزاء من الأيدي والأغطية مغطاة بالذهب فهل يجوز الطهي فيها؟

الجواب

الحمد لله

  1. اختلف العلماء في جواز اقتناء آنية الذهب الفضة ، فمذهب الحنفية ، وهو قول عند المالكية ، والصحيح عند الشافعية : أنه يجوز اقتناء آنية الذهب والفضة ، لجواز بيعها ، ولاعتبار شقها بعد بيعها عيبا .

ومذهب الحنابلة ، وهو القول الآخر للمالكية ، والأصح عند الشافعية : حرمة اتخاذ آنية الذهب والفضة ، لأن ما حرم استعماله مطلقا حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال .

والصحيح : أنَّ المحرَّم في آنية الذهب والفضة، إنما هو الأكل والشرب فيهما دون ما عداهما .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : الصحيح أن الاتخاذ والاستعمال في غير الأكل والشرب ليس بحرامٍ ، وذلك لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم إنما نَهى عن شيءٍ مخصوصٍ وهو الأكل والشرب .

والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أبلغ الناس وأفصحهم وأبينهم في الكلام لا يخصُّ شيئاً دون شيءٍ إلا لسببٍ ، ولو أراد النهي العامَّ لقال “لا تستعملوها ” ، فتخصيصه الأكل والشرب بالنهي دليلٌ على أنَّ ما عداهما جائزٌ ، لأن الناس ينتفعون بهما في غير ذلك ، ولو كانت الآنيةُ من الذهب والفضة محرمةً مطلقاً لأمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بتكسيرها كما كان صلى الله عليه وسلم لا يدع شيئاً فيه تصاوير إلا كسَّره ، فلو كانت محرَّمةً في كل الحالات ما كان لبقائها فائدةٌ ، ويدل لذلك أنَّ أم سلمة – وهي راوية حديث “وَالَّذِي يَشْرَبُ في آنِيَةِ الفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّم “- كان عندها “جلجلٌ” من فضةٍ جعلت فيه شعْراتٍ من شَعْرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  فكان الناس يستشفون بها، فيُشفَوْن بإذن الله ، وهذا الحديثُ ثابتٌ في ” صحيح   البخاري ” ، وفيه استعمال آنية الفضة ، لكن في غير الأكل والشرب .

فالصحيح أنه لا يحرم إلا ما حرّمه الرسول صلى الله عليه وسلم في الأواني وهو الأكل والشرب.  أ.ه‍‏‍ “مجموع فتاوى ابن عثيمين” (4/91) .

وهو اختيار الإمام الشوكاني كما في “نيل الأوطار” (1/67) ونقله الحافظ في “الفتح” (10/120) عن “بعض العلماء” .

  1. وأيدي وأغطية الآنية التي جاء ذكرها في السؤال قد يكون الذهب الذي فيها أصليَّاً وقد يكون طلاءً ، فإن كان إذا كانت هذه الأيدي والأغطية مصنوعة من الذهب : فيحرم استعمالها في الطهي ، وأما إذا كانت مطلية بطلاء الذهب : فإنه يُنظر : إن كان يمكن عزل الطلاء وفصله عن الآنية : فإنه يحرم استعمالها وتأخذ حكم ما سبق ، وإن كان الطلاء لا يعزل : فيجوز وتركه أولى لما فيه من الإيهام لعامة الناس بأنه ذهب خالص .

وهو مذهب الحنفية ، وهو أحد قولين عند المالكية ، وهو أن الآنية المموهة بالذهب أو الفضة جائز استعمالها ، لكن الحنفية قيدوا ذلك بما إذا كان التمويه لا يمكن تخليصه .

قال العيني :

الإناء المطلي بالذهب أو الفضة إن كان يخلص شيءٌ منهما بالإذابة : فلا يجوز استعماله ، وإن كان لا يخلص شيءٌ : فلا بأس به عند أصحابنا – أي : الحنفية – . ” عمدة القاري ” ( 21 / 59 ) .

قال الكاساني : وأما الأواني المموهة بماء الذهب والفضة ، الذي لا يخلص منه شيء ، فلا بأس بالانتفاع بها ، والأكل والشرب وغير ذلك بالإجماع . ” بدائع الصنائع ” ( 5 / 134 ) .

وإنما قصد بالإجماع : إجماع علماء الحنفية ؛ لأن المذهب عند الشافعية أنه يجوز الاستعمال إذا كان التمويه يسيراً ، وعند الحنابلة أن المموه والمطلي والمطعم والمكفت كالذهب والفضة الخالصين .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

.. فلا يجوز للرجل أن يلبس أي شيء من الذهب لا خاتماً ولا زراراً ولا غيره ، والساعة من هذا النوع إذا كانت ذهباً.

أما إذا كانت طلاءً أو كانت عقاربها من ذهب أو فيها حبات من ذهب يسيرة : فإن ذلك جائز ، لكن مع هذا لا نشير على الرجل أن يلبسها – أعني الساعة المطلية بالذهب – ؛ لأن الناس يجهلون أن هذا طلاء أو أن يكون خلطاً في مادة هذه الساعة ، ويسيئون الظن بهذا الإنسان ، وقد يقتدون به إذا كان من الناس الذين يُقتدى بهم فيلبسون الذهب الخالص أو المخالط.

ونصيحتي أن لا يلبس الرجال مثل هذه الساعات المطلية وإن كانت حلالاً ، وفي الحلال الواضح الذي لا لبس فيه غنية عن هذا ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدنه  وعرضه ” ، ولكن إذا كان الطلاء خلطاً من الذهب لا مجرد لون فالأقرب التحريم. ” فتاوى إسلامية ” ( 4 / 254 ) .

قلنا : وما قاله الشيخ رحمه الله في الساعة المطلية بالذهب يقال في الآنية المطلية بالذهب كذلك .

  1. وأيسر الأمور في سؤال السائل أن تكون هذه الأيدي مطليةً ولا يتم الأكل منها مباشرة ، إنما يُكتفى بالطهي بها دون الأكل والشرب منها مباشرة .

قال النووي رحمه الله :

وذكر صاحب ” الحاوي ” نحو هذا فقال : من أراد التوقي عن المعصية في الأكل من إناء الذهب والفضة فليخرج الطعام إلى محل آخر ثم يأكل من ذلك المحل فلا يعصي ، قال : وفعل مثل هذا الحسن البصري ، وحكى القاضي حسين مثله عن شيخه القفال المروزي ، ودليله ظاهر ؛ لأن فعله هذا ترك للمعصية فلا يكون حراماً ، كمن توسط أرضا مغصوبة فإنه يؤمر بالخروج بنية التوبة ، ويكون في خروجه مطيعا لا عاصيا . والله أعلم . ” المجموع ” ( 1 / 304 – 308 ) .

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة