ما الحكم في كتابة وقراءة قصص حقيقية بحوارات من نسج الخيال؟

السؤال

هناك كتاب بعنوان ” أم المؤمنين ” لمؤلفه ” كمران باشا ” ، هذا الكتاب عبارة عن سيرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، قال المؤلف في مقدمة هذا الكتاب : إنه عمل قصصي ، مبني على قصص واقعية , وأن الحوارات التي فيه هي من نسيجه ، إلا أنها مبنية على أحداث صحيحة ، فما الحكم في كتابة ، أو قراءة مثل هذه الكتب؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً:

إن معرفة سيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا شك أنه أمر عظيم ، ومندوب إليه , وخصوصاً في مثل هذا الوقت الذي أصبحت فيه القدوة – عند كثير من العامةَّ – لأهل الرذالة من الناس ، من المطربين ، والممثلين وأشباههم .

وإن معرفة سير الصحابة ، وصالحي هذه الأمة : له دور إيجابي في خروج جيل صالح , يُقتدى بهم ، ويتحلى بفعالهم ، ومآثرهم .

ولذلك عرض القرآن سير السابقين من الأنبياء ، والمرسلين ، وقصصاً من سير الصالحين , وكانت الحكمة من ذلك اتخاذ العبرة ، والعظة ، كما قال تعالى : ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) يوسف/ 111 .

وقال تعالى :  ( وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) هود/ 120 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – :

( نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ) أي : قلبك ؛ ليطمئن ، ويثبت ، ويصبر ، كما صبر أولو العزم من الرسل ، فإن النفوس تأنس بالاقتداء ، وتنشط على الأعمال ، وتريد المنافسة لغيرها ، ويتأيد الحق بذكر شواهده ، وكثرة من قام به . ” تفسير السعدي ” ( ص 392 ) .

وهذه الحكمة كذلك مرجوة في معرفة حياة الصحابة , وما قدموه من غال ونفيس في نصرة هذا الدين والقيام به .

ثانياً:

لا بد أن ينطلق المسلم في عَرض مآثرهم ، وفعالهم العظيمة ، على أساس الصحة ، والحقيقة ، وليس على الوهم ، والخيال , ومن الخطأ أن ينسج الإنسان من خياله منقبة ، أو مأثرة , وفي تراجمهم – بفضل الله – ما هم أعظم مما نسجه , وربما يترتب على ذلك الوهم والخيال ردة فعل عند من يقرؤها إذا علم بعد ذلك عدم صحتها , فينقدح في ذهنه وقلبه عدم صحة ما هو مسطر حقيقة عنهم .

ثالثاً:

قد يترتب على ذلك النسج الخيالي : حط ، أو انتقاص من إحدى شخصيات القصة ؛ لأن الكلام حمَّال أوجه , وربما يخطئ المرء في التعبير بحجة السجع ، أو البلاغة ، أو إيصال فكرة معينة إلى القارئ .

رابعاً:

غالب مثل هذه القصص : المبالغة ، والتهويل ، وربما دخل فيها الكذب ، فيقال : قال فلان كذا وكذا , وأعطى كذا وكذا , وفعل كذا وكذا , وهو في الحقيقة لم يقل ، ولم يعط ، ولم يفعل , وإنما هو من نسجل الخيال , وهذا – في الحقيقة – يدخل في الكذب , والأصل في المسلم : أن يتحرى الصدق ، والأمانة ، في كل كلمة ، وجملة , ويُخشى أن يتعود الإنسان ذلك ، سواء من الكاتب ، أو القارئ .

خامساً:

وما الذي يمنع الأديب ، أو الكاتب ، أو القصصي ، أن يعرض سيَر أولئك الذي يريد الكتابة عنهم بدون نسج خيال , فلو أنه عرض السيرة ، أو الترجمة ، بدون وهم ، أو خيال ، أو اختلاق للوقائع ، وساقه بأسلوب سهل ميسَّر : لأدى المطلوب , وسلِم من المكروه .

فعلى ذلك :

فالنصيحة : أن يجتنب المسلم كتابة ، ومطالعة ، مثل هذه القصص ، إذا كان فيها تهويل ، وخيال ، ووهم ، وكانت قد ابتعدت عن الواقع الحقيقي لما هم مسطَّر في تراجمهم ، وسيرهم , وفي المكتبة الإسلامية – ولله الحمد – غنية وكفاية عن تلك القصص .

سادساً:

وأما الكتاب المذكور في السؤال : فلم نطلع عليه ، وقد صدر عن دار نشر : ” سيمون وشوسترز ” .

وأما مؤلِّفه : فهو أمريكي الجنسية ، باكستاني الأصل ، وهو يعمل منتجاً وكاتباً في قناة ” إن بي سي ” !! ومن أعماله السابقة المعروفة : المسلسل التلفزيوني ” الملوك ” ، ومسلسل ” الخلية النائمة ” الذي أعده لشبكة ” شو تايم ” ، وتدور أحداثه حول عميل مسلم في الـ ” أ ف . ب . آي ” يستثمر إسلامه في اختراق ” خلية إرهابية نائمة ” ! ، تخطط للقيام بعمليات إرهابية في ” أمريكا ” ، حيث يقوم هذا  العميل بمحاولة منع هذه الهجمات الإرهابية .

وللمؤلف – كذلك – : ” قصة تاج محل ” وقد أعدها لشركة ” وارنر برثرز ” السينمائية ، والمؤلف له ميل نحو الصوفية .

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة