من مسائل اللاجئين المسلمين في بلاد الغرب: الجنسية، المعونة، الرجوع لبلادهم
السؤال
أنا أخ مقيم في بريطانيا ، دخلت لهذا البلد طالباً للجوء السياسي ؛ بحكم أنني كنت مطلوباً أمنيّاً من طرف بلدي ؛ ولتردي الأوضاع الأمنية فيها ؛ وكذلك لرفض الجهات المختصة التعامل معي وإعطائي حقوقي الوطنية ، كإصدار الجواز ، وتسجيلي ، وتسجيل أولادي ، وزوجتي ، في السفارة ، وقد منحت الإقامة الدائمة ، ثم الجنسية البريطانية ، وحصلت على جواز سفر بريطاني انطلاقا من هذه الظروف والضرورة التي كانت تمر بي ، وبعائلتي ، وكانت تصرف لي معونة من الدولة بحكم أن لي بنتين معوقتين ، ولا أستطيع العمل المباشر ؛ بحكم انشغالي برعايتهما ، وكنت في نفس الوقت أُتاجر من بيتي عن طريق الإنترنت ، أبيع وأشتري أجهزة الكمبيوتر ، ولكن لا أُخبر الجهات الحكومية بذلك ؛ لأنني لو أخبرتهم : فسوف يخصمون ذلك من المعونة ؛ ولسبب آخر : وهو أن طبيعة هذا العمل أنه غير منضبط ، والسلعة غير متوفرة دائماً ، وقد تحسنت أوضاع بلادي الأمنية مؤخراً ، وأنا أنوي الخروج من هذا البلد ، ولكن في نفس الوقت أحاول أن أجمع المال الكافي ، وخاصة ما يفي بالاحتياجات الخاصة لابنتي المعوقتين في أقرب وقت ممكن .
والسؤال هو :
هل يجوز لي هذا العمل ، وعدم إخبارهم ، مع العلم أن الحكومة هنا تشترط إعلامها بأي عمل تجاري يقوم به الفرد ؟ . وجزاكم الله خيراً .
الجواب
الحمد لله
أولاً:
لا يخفى علينا ما يقع على بعض المسلمين في بلادهم من القهر والأذى والسجن والتعذيب والتنكيل والإهانة ، وهو ما يدفع كثيرين منهم إلى الخروج من بلده مضطراً ؛ لينجو بنفسه ، وبأهل بيته ، ومثل هذا – وللأسف – قلَّما يجد بلداً عربيّاً أو مسلماً ترحب به ليسكنه فيها ، أو هو يخاف على نفسه أن يلحق به الظلمة إلى تلك البلاد ، فلا يجد بدّاً من الذهاب إلى بلد من بلاد الكفر ، ليأمن فيها وأهلَ بيته .
وهذا وإن كان له أصل في هجرة المسلمين إلى ” الحبشة ” لكنه يختلف من حيث الحكم والواقع اختلافاً كبيراً ، وذلك من وجوه :
- أنه لم يكن في ذلك العهد دولة مسلمة يهاجِر إليها المسلمون .
- أنهم لم يذوبوا في تلك المجتمعات الكافرة ، بل كان لهم كيانهم الخاص ، وشخصيتهم المستقلة ، وكان معهم من العلماء ، والعقلاء ما حفظ عليهم دينهم .
- أن الكفار لم يشترطوا عليهم الالتزام بقوانين بلادهم مما تخالف شرع الله ، ودينه.
- أنه بمجرد قيام دولة إسلامية رجع جميعهم إلى تلك البلاد ، بل إنهم بمجرد ما وصل إلى سمعهم انتهاء التعذيب – وهو إحدى الضرورات التي ألجأت بعضهم لتلك الهجرة – رجع بعضهم عندما صدَّق هذا القول .
وليس الأمر كذلك في كل ما سبق عند كثيرين الآن – وللأسف – ، فتجد أسراباً كثيرة يخرجون من بلادهم المسلمة دون ضرورة تُذكر ، بل من أجل العمل ، والمال ، وتجد أصحاب الضرورات يذوب كثير منهم في تلك المجتمعات ، ويأخذون جنسيتهم ، ولا يفكِّر في الرجوع عند انتهاء الضرورة إلا القليل .
لذا : فإن الأصل هو تحريم الإقامة في ديار الكفر ، ولا يحل لمن كان مضطراً الحصول على جنسية تلك البلاد ، وعليه عند الانتهاء من الضرورة أن يرجع لبلده ، أو لغيرها من بلاد الإسلام .
ثانياً:
والأصل في المسلم أن يتنزه عن أخذ معونة من تلك الدولة الكافرة ، فاليد العليا خير من اليد السفلى، فكيف إذا كانت اليد العليا يداً كافرة، واليد السفلى يداً مسلمة ؟!.
ومن لم يستطع التنزه عن تلك المعونة : فلا يحل له الكذب عليهم ليأخذ أكثر مما يستحق ، كما أنه لا يحل له غدرهم وخيانتهم في الإخلال بشروط أخذها ، أو استمرارها ، كأن يجد عملاً يكسب منه ، أو يحصل طلاق ولا يخبرهم به ، وهكذا في تصرفات كثيرة يتوصل بها إلى خداعهم وخيانتهم .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – :
ما هي نصيحتكم للإخوة والأخوات المقيمين في ” إنجلترا ” ، ولا يعملون ، ويتلقون معونة مالية من الحكومة ؟ وأحياناً هم يحصلون على عمل ، ولكن لا يخبرون الحكومة ، فهل عملهم هذا يعتبر عملاً صحيحاً ؟ .
فأجاب :
الواجب على جميع المسلمين المقيمين في بلاد الكفر : أن يهاجروا إلى البلاد الإسلامية التي تقام فيها شعائر الله ، إذا استطاعوا ذلك ، فإن لم يتيسر ذلك : فإلى البلاد التي هي أقل شرّاً ، كما هاجر جماعة من الصحابة رضي الله عنهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الحبشة ؛ لأن بلاد الحبشة ذاك الوقت أقل شرّاً مما يقع على المسلمين في مكة من الشر ، قبل فتح مكة ، فإن لم يستطيعوا : فعليهم أن يتقوا الله في محلهم ، وأن يحذروا ما حرم الله عليهم ، وأن يؤدوا ما أوجب الله عليهم ، ولا حرج عليهم في قبول المعاونة والمساعدة من الدولة الكافرة إذا لم يترتب على ذلك ترك واجب ، أو فعل محظور ، وليس لهم أخذ المساعدة إلا على الطريقة الرسمية التي قررتها الدولة ، وليس لهم أن يكذبوا للحصول عليها .
وعليهم جميعا أن يتقوا الله في كل شيء ، وأن يحذروا ما نهى الله عنه ، وأن يتفقهوا في القرآن والسنَّة فيما بينهم ، وأن يسألوا أهل العلم عما أشكل عليهم ، ولو بالمكاتبة ، أو من طريق الهاتف ، أصلح الله أحوال المسلمين جميعا وحفظ عليهم دينهم ومنحهم الفقه فيه، وكفاهم شر أنفسهم ، وشر أعدائهم، إنه جواد كريم. ” فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 28 / 239 ).
ثالثاً:
ولا ينبغي للمسلم أن يترك سبب التقوى لتحصيل الرزق ، وتفريج الكربات ، ففي خضم الحياة المادية يلجأ كثيرون إلى الأسباب المادية الحسية – فقط – وبعضها يشتمل على مخالفات شرعية – وينسى الأسباب المعنوية ، وعلى رأسها : التقوى ، فلا يوليها اهتمامه ، بل بعضهم يرى أنها ليست سبباً ، أو أنها كذلك لكن تكون عند نفاد الأسباب الحسية ، وهكذا في استهانة واضحة ، وبينة ، وهو الذي جرَّهم للوقوع في مخالفات شرعية ، في وظائفهم ، وتجاراتهم ، وأماكن إقامتهم .
قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) الطلاق/ 2 ، 3 .
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – :
أي : ومَن يتق الله فيما أمره به ، وتَرَك ما نهاه عنه : يجعل له من أمره مخرجاً .
( ويرزقه من حيث لا يحتسب ) أي : من جهة لا تخطر بباله .
” تفسير ابن كثير ” ( 8 / 146 ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – :
أي : مَن اتقى الله تعالى : يسَّر له الأمور ، وسهَّل عليه كل عسير .
” تفسير السعدي ” ( ص 870 ) .
وعليه : فليس من التقوى الكذب على الناس ، ولو كانوا كفاراً ، وليس من التقوى أخذ أموالهم غدراً وخداعاً ، وليس من التقوى مخالفة ما اشترطوه من الشروط المباحة .
فإذا كانوا قد اشترطوا لتلك المعونة عدم وجود عمل : فيجوز لك أخذها ، والتنزه عنها أولى ، كما سبق ذِكره ، وإما إن وجدت عملاً : فلا يحل لك أخذ شيء منهم ؛ لعدم انطباق الشروط عليك ، إلا أن يكون طبيعة العمل ليس مما يدخل في تعريفهم للعمل الذي تنقطع به المعونة ، وهذا يُرجع فيه لقوانينهم ، أو أعرافهم .
والله أعلم.