متى تكون الهجرة من بلاد الكفر واجبة على من أسلم من أهل تلك الديار؟

السؤال

فضيلة الشيخ 

لقد سلكت العديد من السبل قبل قيامي بإرسال هذا البريد الإلكتروني إليكم ، أعلم أنك مشغول ، ولكن لو سمح وقتك بالإجابة على سؤالي فسأكون في غاية الامتنان ، أنا أعيش حاليّاً في الإمارات العربية المتحدة ، لكنني في الأصل من لندن ، بالمملكة المتحدة ، وأعيش هنا منذ عام تقريبًا ، ولقد قدمت إلى هنا حتى أتمكن من العيش في مكان يمكنني فيه ممارسة ديني الإسلام بشكل أفضل ؛ وأعني بذلك أن أتمكن من أداء الصلوات الخمس في المسجد .. إلخ .

والداي مطلقان ، ويعيش أخي الأصغر ( 21 عاماً ) مع والدي ، في حين تعيش أختي الكبرى ( 26 عامًا ) مع والدتي ، وعندما تم الطلاق بين والديّ – منذ 7 أعوام – ذهبت للعيش مع والدي ، وهناك لم أمارس تلك الشعائر ، كما كان لذلك أثر سيئ عليَّ ، فقدمت إلى ” دبي ” معتقدًا أن ذلك سيكون له أثر حسن على إسلامي ، ولكن لم يكن الأمر كذلك ، أشعر أنه من المحزن جدّاً هنا ( في دبي ) أن أقول أنني وجدت الكثير من الفتن هنا ، أكثر مما كنت أتوقع ، ولقد قمت بزيارة المملكة العربية السعودية منذ بضعة أشهر ، ومكثت هناك لمدة شهر ، وللأسف من الصعب جدّاً الانتقال إلى المملكة العربية السعودية ، والدتي وأختي مستقلتان إلى حدٍّ كبير ، وذلك على الرغم من أنني أشعر بالذنب لأنه كان من المفترض أن أكون بجوارهما في لندن ، وفي الواقع : أنا لم أستقر في دبي بشكل كامل ، حيث إنني لا أزال أعيش مع بعض الأصدقاء ، ولم أتمكن من العثور على وظيفة أستطيع من خلالها أن أوفر احتياجاتي ، أعلم أن والدتي تريد أن أعيش معها ، ولكنها لم تطلب مني ذلك نظراً لطبيعتها الحنونة ، ولخشيتها أن تمارس بعضاً من الضغط عليَّ ، الحمد لله تخرجت من دراستي في العام الماضي ، على الرغم من أنهم في دبي يطلبون أن يكون لديك سنوات من الخبرة قبل أن تتمكن من الحصول على عمل براتب حسن .

فضيلة الشيخ

هل ينبغي عليَّ أن أعود إلى لندن ، وأعيش بجوار والدتي وأختي ، وأحصل على بعض الخبرة قبل أن أستطيع الرحيل بشكل دائم وآخذهم معي إن شاء الله ؟ .

وأنا في حاجة إلى الزواج أيضاً ، لكن هذا أمر عسير جدّاً في الإمارات العربية المتحدة ، مقارنة بالمملكة المتحدة ، وكنت أفكر في العودة إلى المملكة المتحدة لأحصل على بعض الخبرة ، وأجني بعض المال ، قبل الانتقال مع عائلتي إلى المملكة العربية السعودية ، أنا في غاية الحيرة ، ماذا ينبغي عليَّ فعله ؟ .

كنتُ أعتقد أن الهجرة تعتبر فرضاً ، إلا أنني سمعت بعض الطلاب ذوي العلم يقولون إنها ليست كذلك ، ولا أعلم الطريق الصحيح .

هل ما أفعله هو الصواب ؟ أرجو منكم الرد ، وجزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام واجبة في الأصل ، لكن هذا الوجوب في حق من لم يستطع إظهار شعائر دينه في بلاد الكفر من أهل تلك البلاد ، فإن استطاع إظهار شعائر دينه في بلده : لم تكن الهجرة واجبة .

سئل علماء اللجنة الدائمة :

ما هي شروط الهجرة في الإسلام ، وما المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم : ( عبادة في الهرج كهجرة إليَّ ) ؟ .

فأجابوا :

الهجرة هي : الخروج من بلد الكفر إلى بلد الإسلام ، وهي واجبة ، قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ ) إلى قوله : ( فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) النساء/ 97 .

قال ابن كثير على هذه الآية : هذه الآية الكريمة عامَّة في كلِّ من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة ، وليس متمكناً من إقامة الدين ، فهو ظالم لنفسه ، مرتكب حراماً بالإجماع ا.هـ

أما قوله صلى الله عليه وسلم : ( العبادة في الهرج كهجرة إليَّ ) فهو يدل على فضل العبادة لله وحده في أوقات الفتن والقتال ، وأنها في الفضل : كهجرة للنبي صلى الله عليه وسلم لما كان المسلمون يهاجرون إليه في المدينة من بلاد الكفر مكة قبل الفتح ، وليس في ذلك دلالة على إسقاط الهجرة عمن تمكن منها إذا كان في بلد الكفر ، ولا يستطيع إقامة دينه بين أولئك الكفرة .

الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ عبد الله بن قعود . ” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 12 / 48 , 49 ) .

ثانياً:

ومن كان له أهل في بلاد الكفر ، وكانوا يحتاجون إليه ، في رعاية ، أو تربية ، وكان مستطيعاً لإظهار شعائر دينه : جاز له البقاء معهم ، بل قد يتحتم عليه ذلك ، إن تعلق الأمر به ، ولم يوجد غيره يقوم مقامه .

وإما أن يكون الأمر في بقائه هناك لمصلحة شخصية ، وكان غير مستطيع لإظهار دينه : فلا يجوز له الرجوع إلى بلده إن كان هاجر منه .

وعليه : فإن كنت من أهل تلك الديار أصلاً ، وكنت مستطيعاً إظهار شعائر دينك : فلا تجب عليك الهجرة منه ، ويجوز لك الرجوع إليه إن كنت لا زلت خارجه ، ويمكنك في رجوعك أن تعمل في مكانٍ يباح لك العمل فيه ؛ لتكتسب به خبرة ، وتبقى بجانب أهلك لدعوتهم ، وحثهم على الطاعة ، على أن تهيئ نفسك وأهلك – من أراد منهم – لمغادرة تلك الديار لما هو أفضل من بلاد المسلمين ، ونأسف أن تكون بعض ديار المسلمين شرّاً من كثير من الدول الأوربية ، وغيرها من ديار الكفر ؛ لما فيها من فسادٍ منظَّم ، ومحاربة للعفاف والحياء ، ومن تشديد على أهل الخير من الدعاة ، بل وفي بعضها يتم ملاحقة المصلين ، والمظهرين لبعض شعائر الإسلام الظاهرة ، مما لا تجده في كثير من دول الكفر ، لكن هذا لا يعني خلو بلاد الإسلام من ديار خير ، وعافية ، يستطيع المسلم فيها أن يقيم شعائر دينه ، وأن ينتفع بما فيها من علم وطاعة ، وأن ينفع فيها غيره .

وفي كل الأحوال : لا تقدِّم شيئاً على دينك ، لا أهلك ، ولا المال ، ولا الدراسة ، ولا العمل ، ودينك هو رأس مالك ، فلا تبحث عن مكانٍ لتربح فيه قد تخسر فيه رأس مالك ! .

 

والله أعلم.

 

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة