الحقوق الواجبة على الرجل تجاه أقاربه

السؤال

ما هي حقوق كل من الزوجة والأبناء والإخوة والأخوات والوالدين على الرجل إذا كانوا جميعهم أحياء؟ جزاكم الله خيرًا، والسلام.

الجواب

الحمد لله

  1. حقوق الزوجة:

قد بيّناها بالتفصيل في جواب سابق.

  1. حقوق الأبناء:

قد جعل الله للأبناء على آبائهم حقوقا كما كان للوالد على ولده حقوق، بل قد سبقت حقوق الولد على أبيه حقوق الوالد على ولده كونه السابق إلى الدنيا في وجوده.

عن ابن عمر قال: ” إنما سماهم الله أبرارا لأنهم بروا الآباء والأبناء كما أن لوالدك عليك حقا كذلك لولدك عليك حقا “. ” الأدب المفرد ” ( 94 ).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حديث عبد الله بن عمر: ” … وإن لولدك عليك حقا ” مسلم ( 1159 ).

– وإن من حقوق الأولاد على آبائهم منها ما يكون قبل ولادة الولد، فمن ذلك:

اختيار الزوجة الصالحة لتكون أمّا صالحة: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ” رواه البخاري ( 4802 ) ومسلم ( 1466 ).

قال الشيخ عبد الغني الدهلوي: تخيروا من النساء ذوات الدين والصلاح وذوات النسب الشريف، لئلا تكون المرأة من أولاد الزنا فإن هذه الرذيلة تتعدى الى أولادها، قال الله تعالى:{ الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } [ النور / 3 ]، وإنما أمر بطلب الكفؤ للمجانسة وعدم لحوق العار. ” شرح سنن ابن ماجه ” ( 1 / 141 ).

– حقوق ما بعد ولادة المولود:

  1. يسن تحنيك المولود حين ولادته:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان ابنٌ لأبي طلحة يشتكي فخرج أبو طلحة فقبض الصبي فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سليم: هو أسكن ما كان، فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها فلما فرغ، قالت: وار الصبي فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فأخبره، فقال: أعرستم الليلة؟ قال: نعم، قال: اللهم بارك لهما فولدت غلاما قال لي أبو طلحة: احفظه حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم،  فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم وأرسلت معه بتمرات فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أمعه شيء؟ قالوا: نعم تمرات فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها ثم أخذ من فيه فجعلها في فيِ الصبي وحنكه به، وسماه عبد الله” رواه البخاري ( 5153 ) ومسلم ( 2144 ).

قال النووي: اتفق العلماء على استحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر فإن تعذر فما في معناه وقريب منه من الحلو فيمضغ المحنِّك التمر حتى تصير مائعة بحيث تبتلع ثم بفتح فم المولود ويضعها فيه ليدخل شيء منها جوفه. ” شرح النووي على صحيح مسلم”( 14 / 122 – 123 ).

  1. تسمية الولد بأسماء الصالحين أو باسم صالح كعبد الله وعبد الرحمن:

عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن أحب أسمائكم  إلى الله عبد الله وعبد الرحمن” رواه مسلم ( 2132 ).

– ويستحب تسمية الولد باسم الأنبياء:

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم ” رواه مسلم ( 2315 ).

– ويستحب تسميته قبل السابع ولا بأس بتسميته في يوم ولادته للحديث السابق:

عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: ” كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى ” رواه أبو داود ( 2838 )، وصححه الشيخ الألباني في ” صحيح الجامع ” ( 4541 ).

قال ابن القيم: إن التسمية لما كانت حقيقتها تعريف الشيء المسمى، لأنه إذا وجد وهو مجهول الاسم لم يكن له ما يقع تعريفه به، فجاز تعريفه يوم وجوده، وجاز تأخير التعريف إلى ثلاثة أيام، وجاز إلى يوم العقيقة عنه، ويجوز قبل ذلك وبعده، والأمر فيه واسع. ” تحفة المودود ” ( ص 111 ) .

  1. كما يسن حلق شعره في اليوم السابع والتصدق بوزنه فضة:

عن علي بن أبي طالب قال: ” عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن بشاة وقال: يا فاطمة: احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة قال فوزنته فكان وزنه درهما أو بعض درهم ” رواه الترمذي ( 1519 )، وحسَّنه الشيخ الألباني في ” صحيح الترمذي ” ( 1226 ).

  1. كما تجب العقيقة على والده كما مر سابقا من الحديث، فقوله: ” كل غلام رهينة بعقيقة”، هذا يدل على الوجوب.

– فيذبح عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة:

عن يوسف بن ماهك أنهم دخلوا على حفصة بنت عبد الرحمن:  فسألوها عن العقيقة فأخبرتهم أن عائشة أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة ” رواه الترمذي ( 1513 )، صحيح الترمذي ( 1221 ) أبو داود ( 2834 ) النسائي ( 4212 ) ابن ماجه ( 3163 ).

  1. الختان:

عن أبي هريرة رواية: ” الفطرة خمس أو خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب ” رواه البخاري ( 5550 ) ومسلم ( 257 ).

  1. حقوق في التربية:

عن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” كلكم راع  فمسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم والعبد راع  على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع  وكلكم مسؤول عن رعيته ” رواه البخاري ( 2416 ) ومسلم ( 1829 ).

أ. فعلى الآباء مراعاة توجيه أبنائهم في الواجبات الدينية وغيرها من فضائل الشريعة المستحبة، ومن أمور الدنيا التي فيها قوام معاشهم.

فيبدأ الرجل بتربية أبنائه على الأهم فالمهم فيبدأ بتربيتهم على العقيدة الصحيحة الخالية من الشرك والبدع، ثم بالعبادات لا سيما الصلاة، ثم يعلمهم ويربيهم على الأخلاق والآداب الحميدة، وعلى كل فضيلة وخير، قال الله تعالى:{ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان / 13 ].

عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين، واضربوه عليها ابن عشر ” رواه الترمذي ( 407 ) وأبو داود ( 494 )، وصححه الشيخ الألباني في ” صحيح الجامع ” ( 4025 ).

وعن الربيع بنت معوذ قالت: ” أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم قالت: فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار ” رواه البخاري ( 1859 ) ومسلم ( 1136 ).

وعن السائب بن يزيد قال: ” حُج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين ” رواه البخاري ( 1759 ).

ب. التربية على الآداب والأخلاق:

ينبغي على كل أب مربٍ أو أم مربية أن يعلموا أبناءهم وبناتهم على الخلق الحميد والآداب الرفيعة سواء في أدبهم مع الله أو نبيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو أدبهم مع قرآنهم وأمتهم ومع كل من يعرفون ممن لهم عليه حق، فلا يسيئون العشرة مع خلطائهم ولا جيرانهم وأصدقائهم.

قال النووي: أن على الأب تأديب ولده وتعليمه ما يحتاج إليه من وظائف الدين وهذا التعليم واجب على الأب وسائر الأولياء قبل بلوغ الصبي والصبية، نص عليه الشافعي وأصحابه، قال الشافعي وأصحابه: وعلى الأمهات أيضا هذا التعليم إذا لم يكن أب لأنه من باب التربية ولهن مدخل في ذلك وأجرة هذا التعليم في مال الصبي فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته؛ لأنه مما يحتاج إليه والله أعلم. ” شرح النووي على صحيح مسلم ” ( 8 / 44 ).

ج. وينبغي عليه أن يربيهم على الآداب في كل شيء:

في المأكل والمشرب والملبس والنوم والخروج من المنزل ودخوله وركوب المركبات وغير ذلك وفي أمرهم كله، وأن يغرس فيهم صفات الرجال الحميدة من حب التضحية والإيثار والنجدة والشهامة والجود، وأن يبعدهم عن الرذائل من جبن وبخل وقلة مروءة وقعود عن المكرمات وغير ذلك.

قال المناوي: ( كما أن لوالديك عليك حقا كذلك لولدك عليك حقا أي حقوقا كثيرة منها تعليمهم الفروض العينية وتأدبهم بالآداب الشرعية والعدل بينهم في العطية سواء كانت هبة أم هدية أم وقفا أم تبرعا آخر فإن فضل بلا عذر بطل عند بعض العلماء وكره عند بعضهم. ” فيض القدير ” ( 2 / 574 ).

د. وعليه أن يقي أبناءه وبناته من كل شيء مما شأنه أن يقربهم من النار:

قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون } [ التحريم / 6 ].

قال القرطبي: … وعن هذا عبَّر الحسن في هذه الآية بقوله: ” يأمرهم وينهاهم “، وقال بعض العلماء: لما قال: “قوا أنفسكم” دخل فيه الأولاد؛ لأن الولد بعض منه، كما دخل في قوله تعالى: { ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم } فلم يفردوا بالذكر إفراد سائر القرابات فيعلمه الحلال والحرام ويجنبه المعاصي والآثام إلى غير ذلك من الأحكام. ” تفسير القرطبي ” ( 18 / 194 – 195 ) .

  1. النفقة :

وهذه من الواجبات على الأب تجاه أولاده فلا يجوز له التقصير فيها ولا تضييعها، بل يلزمه القيام بها على الوجه الأكمل:

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ” رواه أبو داود ( 1692 )، وحسَّنه الشيخ الألباني في ” صحيح الجامع ” ( 4481 ).

كذلك أيضًا من أعظم الحقوق وأجلها: حسن التربية والرعاية للبنت خاصة، ولقد رغَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم  في هذا العمل الصالح.

عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: جاءتني امرأة معها ابنتان تسألني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة فأعطيتُها فقسمتْها بين ابنتيها ثم قامت فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فحدثتُه فقال: من يلي من هذه البنات شيئاً فأحسن إليهن كنَّ له ستراً من النار. رواه البخاري ( 5649 ) ومسلم ( 2629 ).

كذلك أيضاً من الأمور المهمة: وهي من حقوق الأولاد التي ينبغي رعايتها حق العدل بين الأولاد، وهذا الحق أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ” اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ” رواه البخاري ( 2447 ) ومسلم ( 1623 ).

فلا يجوز تفضيل الإناث على الذكور كما لا يجوز تفضيل الذكور على الإناث؛ ولذلك قالوا إن التفضيل يتسبب في مفاسد أولها يكون ضرره على الوالد نفسه فإنه ينشأ الأولاد على حقده وكراهيته، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى بقوله في الحديث الذي رواه مسلم ( 1623 ) لوالد النعمان: أتحب أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم “، أي: إذا كنت تريدهم في البر سواء فاعدل بينهم في العطية.

  1. حقوق الإخوة والأخوات :

– والإخوة والأخوات من الرَّحِم الذي أمر الشرع بصلته:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يقول الله تعالى : أنا الرحمن وهذه الرحم شققتُ لها اسماً من اسمي فمَن وصلها وصلتُه ومَن قطعها بتتُّه ” رواه الترمذي ( 1907 ) وأبو داود ( 1694 )، وصححه الشيخ الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” ( 520 ).

وقال صلى الله عليه وسلم: ” مَن سرَّه أن يُنسأ له في أثره ويوسّع عليه في رزقه فليصِل رحِمه ” رواه البخاري ( 1961 ) ومسلم ( 2557 ).

* ومن الحقوق المشتركة بينهم وبين غيرهم من المسلمين: أن تسلِّم عليه إذا لقيتَهم، وتجيبهم إذا دعوْك، وتشمتهم إذا عطسوا، وتعودهم إذا مرضوا، وتشهد جنازتهم إذا ماتوا، وتبر قسمهم إذا أقسموا عليك، وتنصح له إذا استنصحوك، وتحفظهم بظهر الغيب إذا غابوا عنك، وتحب له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك، ورد جميع ذلك في أحاديث صحيحة.

* ومنها: أن لا يؤذي أحداً منهم بفعل ولا قول، قال صلى الله عليه وسلم: ” المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ” رواه البخاري ( 10 ) ومسلم ( 40 ).

وقال صلى الله عليه وسلم في حديث طويل يأمر فيه بالفضائل: ” فإن لم تقدر فدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدقت بها على نفسك ” رواه البخاري ( 2382 ) ومسلم ( 84 ).

  1. حقوق الوالديْن:

– قد بيَّنا حقوق الأم على الولد في جواب سابق فانظرها.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة