هل الرسول بشر أم نور؟ وهل يخطئ الأنبياء؟

السؤال

هل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بشر أم نور؟ أرجو ذكر مرجع مناسب.
هل يمكن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يخطئ أو أن يغلط كأي بشر؟.
– بعض الناس وللأسف يظنون أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بنور وأنه عليه السلام يمكن أن يخطئ أو أن يغلط وأنه صلى الله عليه وسلم قد فعل بعض الأخطاء.
هل يجوز أن نقول: اللهم اجعل نبيَّنا محمَّداً صلَّى الله عليه وسلم ضماناً للمغفرة؟

الجواب

الحمد لله

أولا:

قد بيَّنا في جواب سابق أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس نورا ولم يُخلق من نور، فليراجع.

ونزيد هنا:

– سئل الشيخ عبد العزيز بن باز:

سمعت أناسا يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم خلق من نور، وأول ما خلق الله هو نور محمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء يقرؤون القرآن الكريم، ويهدون ثوابه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والأموات… أفيدونا عن صحة هذا جزاكم الله خيرا.

– فأجاب:

ما يقوله الناس من أنه صلى الله عليه وسلم خلق من نور فهذا كله لا أصل له، فقولهم إنه خلق من نور أو أنه أول ما خلق نور محمد، هذه كلها أخبار موضوعة لا أصل لها، ولا أساس لها عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي موضوعة ومكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم.

وإنما الحق أنه صلى الله عليه وسلم خلق من ماء مهين كما خلق الناس الآخرون، خلق من ماء عبد الله بن عبد المطلب، ومن ماء آمنة أمه، ولم يخلق من نور ولكن الله جعله نوراً عليه الصلاة والسلام، جعله سراجاً منيراً بما أعطاه الله من الوحي، وبما أنزل الله من القرآن والسنة جعله الله نورا للناس، جعله الله سراجاً منيراً بالدعوة إلى الله، وبيان الحق للناس وإرشادهم وتوجيههم إلى الخير، فهو نور جاءه بعد ما أوحى الله إليه عليه الصلاة والسلام، وإلا فهو بشر من بني آدم خلق من ماء مهين، من ماء أبيه وأمه.

وأما ما يقوله بعض الناس، وبعض المخرفين، وبعض الصوفيين، إنه خلق من نور، أو إن أول شيء خلق هو نور محمد، فهذه كلها أخبار لا أصل لها، وكلها باطلة، وهي أخبار موضوعة لا أساس لها كما تقدم.

وقد قال الله سبحانه في سورة الأحزاب:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً } [ الأحزاب / 45 ، 46 ]، وذلك بما أوحى الله إليه من الكتاب والسنة عليه الصلاة والسلام. ” فتاوى نور على الدرب ” ( س 45 ).

ثانيا:

قد بيَّنا في جواب سابق تفصيل الكلام عن عصمة الأنبياء وأنواع الخطأ الصادر منهم، فليراجع فإنه مهم.

ونزيد هنا:

– سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:

سمعت من عالم إسلامي يقول إن الرسول يخطئ، فهل هذا صحيح؟ وقد سمعت أيضاً أن الإمام مالك يقول: كل منا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر، …؟

– فأجاب:

قد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولاسيما خاتمهم محمد معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عز وجل من أحكام، كما قال عز وجل: { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى . مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى . وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى . عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } [ النجم / 1 – 5 ]، فنبيُّنا محمَّد معصوم في كل ما يبلغ عن الله من الشرائع قولاً وعملاً وتقريراً، هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم، وقد ذهب جمهور أهل العلم أيضا إلى أنه معصوم من المعاصي الكبائر دون الصغائر، وقد تقع منه الصغيرة لكن لا يقر عليها، بل ينبه عليها فيتركها، أما من أمور الدنيا فقد يقع الخطأ ثم ينبه على ذلك. كما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم لما مرَّ على جماعة يلقحون النخل فقال: ما أظنه يضره لو تركتموه “،  فلما تركوه صار شيصاً، فأخبروه فقال عليه الصلاة والسلام: إنما قلت ذلك ظنّاً مني، وأنتم أعلم بأمر دنياكم، أما ما أخبركم به عن الله عز وجل فإني لم أكذب على الله “.رواه مسلم في الصحيح، فبيَّن عليه الصلاة والسلام أن الناس أعلم بأمور دنياهم كيف يلقحون النخل وكيف يغرسون وكيف يبذرون ويحصدون. أما ما يخبر به الأنبياء عن الله سبحانه وتعالى فإنهم معصومون من ذلك.

فقول من قال: إن النبي يخطئ فهذا قول باطل، ولا بد من التفصيل كما ذكرنا، وقول مالك رحمه الله: ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر: قول صحيح تلقاه العلماء بالقبول، ومالك رحمه الله من أفضل علماء المسلمين، وهو إمام دار الهجرة في زمانه في القرن الثاني، وكلامه هذا كلام صحيح تلقاه العلماء بالقبول، فكل واحد من أفراد العلماء يرد ويرد عليه، أما الرسول فهو لا يقول إلا الحق، فليس يرد عليه، بل كلامه كله حق فيما يبلغ عن الله تعالى، وفيما يخبر به جازما به أو يأمر به أو يدعو إليه …

والله ولي التوفيق. ” مجموع فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 6 / 290 ، 291 ).

ثالثا:

أما دعاء ” اللهم اجعل نبيَّنا محمَّداً صلَّى الله عليه وسلم ضماناً للمغفرة “: فالظاهر لنا أنه لا يجوز، ولا يمكن أن يكون النبي صلى الله ضماناً لمغفرة أحدٍ كائناً من كان، ولا يحل أن يُرفع أحدٌ – ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم – فوق منزلته، ولا يعرف في ديننا جواز هذا الدعاء، ولم نقرأ مثل هذا الدعاء لأحدٍ من سلف هذه الأمة.

ومغفرة ذنوب العبد مردها إلى الله سبحانه وتعالى، قال عز وجل: { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [ النساء / 48 ، و 116 ].

ولما استغفر نبينا صلى الله عليه وسلم لبعض المنافقين – قبل أن يُنهى عن ذلك – قال الله عز وجل في استغفاره: { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [ التوبة / 80 ].

وأما شفاعته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة فلا تكون إلا من بعد أن يأذن الله له فيها، ولا تكون إلا لمن رضي الله عن الشفاعة له.

قال الله تعالى: { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } [ البقرة / 255 ]، وقال تعالى: { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } [ الأنبياء / 28 ]، وقال عز وجل: { وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى } [ النجم / 26 ].

وإذا أراد أحدٌ أن يكون من أهل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فليلتمس المواضع الشرعية التي يُرجى لأصحابها أن يكونوا من أهل شفاعته صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك:

  • تحقيق التوحيد بالاعتقاد والقول والعمل.

عن أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد ظننتُ يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه. رواه البخاري ( 99 ).

  • الترديد خلف المؤذن، والصلاة والدعاء بعد الأذان.

عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” مَن قال حين يسمع النداء ” اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آتِ محمَّداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ” حلَّت له شفاعتي يوم القيامة “. رواه البخاري ( 589 ).

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلُّوا عليَّ؛ فإنه مَن صلَّى عليَّ صلاة صلَّى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلَّت له الشفاعة. رواه مسلم ( 384 ).

 

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة