هل تجب على المسلمين الجدد الهجرة من بلاد الكفر؟

السؤال

بالنسبة لنا الذين أسلموا ويعيشون في بلاد الكفر، سمعت شيخا يقول بأننا يجب أن نغادر هذه البلاد للبلاد الإسلامية، هذا الأمر ليس بالهين، فلا يوجد بلد مسلم يفتح ذراعيه لنا ويعطينا الفيز ويمنحنا حق الإقامة ويعطوننا حقوقاً كما هي حقوق الآخرين كالتملك والزواج وهكذا.

* أرجو أن توضح هذا الأمر لنا فليس لنا بلد نهاجر إليه، فعلى من تقع مسئولية هذا؟

جزاكم الله خيرا.

الجواب

الحمد لله

وقعت الهجرة في الإسلام على وجهين: الهجرة من دار الخوف إلى دار الأمن كما كان في هجرة بعض الصحابة من مكة إلى الحبشة، وكما وقع من بعضهم من الهجرة إلى المدينة أول الأمر، والثاني: الهجرة إلى المدينة بعد إقامة الدولة فيها، وكانت الهجرة إذ ذاك واجبة على المسلمين لحاجة الدولة إليهم ولأنهم كانوا مستضعفين في مكة، ولذا لم يُعذر القادر على الهجرة إذا كان بقاؤه يتسبب في نقص دينه.

وتستمر هاتان الهجرتان بهذا الاعتبار، ولكن لم يعد يوجد للمسلمين بلاد تفتح ذراعيها للمسلمين الجدد المستضعفين فضلا عن الراغبين في الهجرة دون استضعاف؛ لذا نقول:

إنّ المسلم الذي لا يستطيع إظهار شعائر دينه فإنّه تجب عليه الهجرة إلى بلادٍ يستطيع فيها ذلك، حتى لو كانت البلاد المهاجر منها أهلها مسلمون، فليس كل بلاد المسلمين الآن – وللأسف – يستطيع المسلم فيها إظهار شعائر دينه، فمثل هؤلاء نقول لهم بوجوب الهجرة إلى بلاد أكثر أمنًا يستطيعون القيام فيها بشعائر دينهم دون تضييق أو خوف.

وهكذا نقول للمسلم في بلاد الكفر، فليس لمجرد كونه فيها تجب عليه الهجرة، بل إن كان مضيَّقاً عليه ولا يستطيع القيام بشعائر دينه: فإنه تجب في حقه الهجرة إلى بلادٍ أخرى يمكنه أن يعبد الله فيها ويحافظ على دينه دونما خوف.

وعلى المسلم أن يحسن الاختيار ويتقي الله ربه فيه، فلا يجوز له الهجرة إلى بلاد يكثر فيها العمل والمال ويسمح له بإطلاق لحيته وأداء الصلاة – مثلا – وتكون تلك البلاد فيها الفسق والفجور والمجون، مما قد يؤثر على دينه ودين أهله وأبنائه، بل الواجب أن يبحث عن بلدٍ يستطيع القيام فيها بشعائر دينه مضافاً إليها تربية أبنائه وحسن القيام عليهم.

* ومن كان مستطيعا لإظهار دينه فلا تجب عليه الهجرة حتى لو كان في بلاد الكفر.

قال الحافظ ابن حجر:

(قوله: ” لا هجرة بعد الفتح ” أي: فتح مكة، قال الخطابي وغيره: كانت الهجرة فرضًا في أول الإسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع، فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجًا فسقط فرض الهجرة إلى المدينة، وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به، أو نزل به عدو). انتهى

وكانت الحكمة أيضًا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى ذويه من الكفار؛ فإنهم كانوا يعذّبون مَن أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه، وفيهم نزلت: { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } الآية، وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها، وقد روى النسائي من طريق بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده مرفوعا ” لا يقبل الله من مشرك عملا بعد ما أسلم أو يفارق المشركين “، ولأبي داود من حديث سمرة مرفوعًا ” أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين “، وهذا محمول على من لم يأمن على دينه.

” فتح الباري ” ( 6 / 38 ، 39 ).

– وللمزيد حول هذا الموضوع: يرجى مراجعة إجاباتنا الأخرى.

 

والله أعلم.

المقالة السابقةوالدها لا يسأل عن دين الخاطب
المقالة القادمةحكم الزواج من ملحد

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة