الأشهر الحرم، فضائل وأحكام

السؤال

ما هي الأشهر الأربعة الحرم في الإسلام ، وما هي فضائلها وأهميتها ؟ وهل صحيح أن ارتكاب معصية في تلك الأشهر أشد من ارتكاب تلك المعصية في غيرها من الأشهر الأخرى؟.

وما هي تلك الأشهر وفقاً للتقويم الميلادي؟.

وجزاك الله خيراً.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

الأشهر الحرم هي التي ورد ذكرها في قول الله تعالى : { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض , منها أربعة حرم } ، وهن : رجب , وذو القعدة , وذو الحجة , والمحرم . وهذا التحديد تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن أبي بكرة أن النبي قال : ” إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض , السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم : ثلاث متواليات ، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ” البخاري ( 3025 ) ومسلم ( 1679 )  .

والأربعة الحرم حرمها العرب في الجاهلية ، وسبب تحريمهم لذي القعدة وذي الحجة والمحرم هو أداء شعيرة الحج ، فكانوا يحرمون قبله شهراً ليتمكنوا من السير إلى الحج ويسمونه القعدة لقعودهم عن القتال فيه ، ثم يحرمون في ذي الحجة وفيه أداء مناسكهم وأسواقهم ، ثم يحرمون بعده شهراً ليعودوا إلى ديارهم . وحرموا شهر رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والإعمار ، فيأمن قاصد البيت الغارة فيه . انظر: ” تفسير القرآن العظيم ” ( 4 / 89 ) .

ثانياً :

والأشهر الحرم فضَّلها الله على سائر شهور العام , وشرَّفهن على سائر الشهور ، فخص الذنب فيهن بالتعظيم , كما خصهن بالتشريف , وذلك نظير قوله تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } قال ابن عباس : خص الله من شهور العام أربعة أشهر فجعلهن حرُماً , وعظم حرماتهن , وجعل الذنب فيهن والعمل الصالح والأجر أعظم , وعن قتادة : الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها , وإن كان الظلم في كل حالٍ عظيماً , ولكن الله يعظِّم من أمره ما شاء , فإن الله تعالى اصطفى صفايا من خلقه , اصطفى من الملائكة رسلاً , ومن الناس رسلاً , واصطفى من الكلام ذكره , واصطفى من الأرض المساجد , واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم , واصطفى من الأيام يوم الجمعة , واصطفى من الليالي ليلة القدر ، قال قتادة : فعظموا ما عظم الله , فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند أهل الفهم وأهل العقل .

قال ابن العربي :

المسألة السابعة : قوله تعالى : { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ } فيه قولان : أحدهما : لا تظلموا أنفسكم في الشهور كلها ، وقيل : في الثاني : المراد بذلك الأشهر الحرم .

واختلف في المراد بالظلم على قولين – أيضا – أحدهما : لا تظلموا فيهن أنفسكم بتحليلهن ، وقيل : بارتكاب الذنوب فيهن ; فإن الله إذا عظَّم شيئاً من جهة صارت له حرمة واحدة , وإذا عظَّمه من جهتين أو من جهات صارت حرمته متعددة بعدد جهات التحريم , ويتضاعف العقاب بالعمل السوء فيها , كما ضاعف الثواب بالعمل الصالح فيها ; فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام والمسجد الحرام ليس كمن أطاعه في شهر حلال في بلد حلال في بقعة حلال ، وكذلك العصيان والعذاب مثله في الموضعين والحالين والصفتين ; وذلك كله بحكم الله وحكمته ، وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله : { يا نِسَاء النَّبِي مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَـاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } لعظمهن وشرفهن في أحد القولين . ” أحكام القرآن ” ( 2 / 500 ) .

ثالثاً :

ومما تختص به هذه الأشهر من أحكام :

أ. تحريم ابتداء القتال فيها .

كان القتال في الأشهر الحرم محرما في الجاهلية قبل الإسلام , فكانت الجاهلية تعظمهن وتحرم القتال فيهن , حتى لو لقي الرجل منهم فيهن قاتل أبيه أو أخيه تركه ، ثم جاء الإسلام يؤيد حرمة القتال في الأشهر الحرم بقوله تعالى : { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه . قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل } .

واختلف العلماء هل النهي مستمر أم هو منسوخ ، فذهب الجمهور إلى الأول ، وأما القتال في الشهر الحرام دفعاً فيجوز إجماعا من غير خلاف .

ب. تغليظ الديات في الأشهر الحرم .

اختلف الفقهاء في تغليظ دية القتل في الأشهر الحرم أو عدم تغليظها , فالشافعية والحنابلة يرون تغليظ الدية للقتل في الأشهر الحرم ، ومن قال بالتغليظ اختلف في صفتها , فقيل : إنها ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة , وقيل غير ذلك , ويفصل الفقهاء ذلك في الديات .

وقد عظم الله الذنب في الحرم , وبين أن الجنايات تعظم على قدر عظم الزمان كالأشهر الحرم , وعلى قدر المكان كالبلد الحرام , فتكون المعصية معصيتين : إحداهما المخالفة , والثانية إسقاط حرمة الشهر الحرام أو البلد الحرام .

القول الثاني –  وهو الأصح – : أن القتل في الحل والحرم سواء ، وفي الشهر الحرام وغيره سواء ، وهو قول جماعة من التابعين ، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وابن أبي ليلى ، ورجحه القرطبي .

واستدل القرطبي لترجيحه بما سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الديات من غير أن يفرِّق بين الحرم وغيره ، وبين الشهر الحرام وغيره من الشهور .

ج. صوم الأشهر الحرم .

ذهب جمهور الفقهاء – الحنفية والمالكية والشافعية – إلى استحباب صوم الأشهر الحرم ، وصرح المالكية والشافعية بأن أفضل الأشهر الحرم : المحرم , ثم رجب , ثم باقيها : ذو القعدة وذو الحجة ، والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل , وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم ” رواه مسلم .

قال ابن القيم :

قال شيخنا : ويحتمل أن يريد بشهر الله المحرم أول العام , وأن يريد به الأشهر الحرم , والله أعلم ” إعلام الموقعين ” ( 4 / 265 ) .

وهو الأصح ، أي: أن الفضل إنما هو في صيام شهر محرم دون غيره من الأشهر الحرم.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة