حكم الصلاة في الحزام والمحفظة المصنوعة من الجلد
السؤال
ما أعرفه أن دبغ الجلود طهورها، لكن من وقت قريب سمعت أنه لا يجوز الصلاة في الحزام الجلدي فهل هذا صحيح؟ فزوجي يصلي وهو يلبس حزام من الجلد الطبيعي، وكذلك المحفظة في جيبه من الجلد أيضا.
الجواب
الحمد لله
ليس كل جلد يحرم لبسه، وليس كل جلد يطهر بالدباغ، أما جلود الحيوانات مأكولة اللحم: فإن دباغها ذكاتها، يعني أنها إذا ذُبحت الذبح الشرعي: فلا حاجة لدباغة جلودها؛ لأنها تطهر بمجرد الذبح.
فإن كانت الجلود لحيوانات مأكولة اللحم لكنها ميتة: فإن جلدها ينجس، ولا يحل استعماله إلا بعد دباغته.
عن ابن عباس – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: مر بشاة مطروحة أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” ألا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به “. رواه البخاري ( 1492 ) – وليس فيه لفظ ” الدبغ ” – ومسلم ( 363 ).
وعن عبد الله بن عباس – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” إذا دبغ الإهاب فقد طهر “. رواه مسلم ( 366 ).
وإن كانت الحيوانات غير مأكولة اللحم – كالسباع والحمار والخنزير -: فقد اختلف العلماء في جلودها هل يطهرها الدباغ أم لا؟، وأرجح أقوالهم: أنه لا تطهر بالدباغ، بل قد جاء النهي صريحاً عن لبس جلود السباع – وهي غير مأكولة اللحم -.
عن المقدام بن معد يكرب – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها “. رواه أبو داود ( 4131 ).
* قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
وقيل: إن جلد الميتة يطهر بالدباغ بشرط أن تكون الميتة مما تُحله الذكاة، وأما ما لا تحله الذكاة: فإنه لا يطهر، وهذا القول هو الراجح، وعلى هذا: فجلد الهرة وما دونها في الخِلقة لا يطهر بالدباغ.
فمناط الحكم هو على طهارة الحيوان في حال الحياة، فما كان طاهراً: فإنه يباح استعمال جلد ميتته بعد الدبغ في يابس، ولا يطهر على المذهب، وعلى القول الثاني: يطهر، وعلى القول الثالث: يطهر بالدباغ إذا كانت الميتة مما تحله الذكاة.
والراجح: القول الثالث، بدليل أنه جاء في بعض ألفاظ الحديث: ” دباغها ذكاتها ” – رواه النسائي ( 4243 ) ، وصححه الحافظ ابن حجر في ” التلخيص الحبير ” ( 1 / 49 ) – فعبَّر بالذكاة، ومعلوم أن الذكاة لا تطهِّر إلا ما يباح أكله، فلو أنك ذبحتَ حماراً وذكرتَ اسم الله عليه وأنهر الدم: فإنه لا يسمَّى ذكاة.
وعلى هذا نقول: جلد ما يحرم أكله، ولو كان طاهرًا في الحياة: فإنه لا يطهر بالدباغ، والتعليل: أن الحيوان الطاهر في الحياة إنما جُعل طاهراً لمشقة التحرز منه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ” إنها من الطوافين عليكم والطوافات ” – أي: الهرة، والحديث رواه الترمذي ( 92 ) وأبو داود ( 75 ), والنسائي ( 68 ), وابن ماجه (368 ), وصححه البخاري, والترمذي, والدارقطني والعقيلي كما قال ابن حجر في ” التلخيص الحبير ” ( 1 / 41 ) – وهذه العلة تنتفي بالموت، وعلى هذا يعود إلى أصله وهو النجاسة، فلا يطهر بالدباغ.
فيكون القول الراجح: كل حيوان مات وهو يؤكل: فإن جلده يطهر بالدباغ، وهذا أحد قولي شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -، وله قول آخر يوافق قول مَن قال: إن ما كان طاهراً في الحياة: فإن جلده يطهر بالدبغ.
” الشرح الممتع ” ( 1 / 74 ، 75 ).
والخلاصة:
أن الجلد الطبيعي إن كان من حيوان مأكول اللحم: جاز استعماله بعد دباغته إن لم يذَّكى تذكية شرعية، ودون الحاجة لدباغته إن كان مذَّكى، وإن كان من حيوان غير مأكول اللحم: فلا يجوز استعماله، وليس لهذا المنع من الاستعمال تعلق بالصلاة، فحيث كان المنع كان في العموم في الصلاة وخارجها.
– وما قلناه عن الحزام الجلدي ينطبق – كذلك – على المحفظة الجلدية.
والله أعلم.


