ماذا يفعل مع هذا المستأجر الذي لا يريد الخروج من البيت؟

السؤال

نحن أسرة مات عائلهم، وقد ترك لنا من ضمن الميراث عقارًا, وهذا العقار به أناس يسكنونه منذ فترة طويلة وصلت إلى 18 عامًا وبإيجار قيمته 40 جنيهًا مصريًّا، وهؤلاء السكان قد فتح الله عليهم بالخير الوفير حتى أصبح كل منهم يمتلك عقارًا يخصه، فمنهم من كتب هذا العقار باسم أبنائه، ومنهم من كتبه باسم زوجته، وقد أصبحنا الآن في أشد الحاجة لهذه الشقق؛ وذلك لظروف خاصة طرأت علينا ولا أريد أن أطيل عليكم بسردها، فذهبت إليهم مستسمحًا في أن يتركوا الشقق، وشرحت لهم الظروف، فما وجدت منهم إلا الرفض ومنهم من طلب مني مبلغا من المال الباهظ نظير تركه للشقة، فحاولت معهم عدة مرات ولكن بالحسنى، فأنا إنسان مسالم وملتزم ولا أحب العراك أو المحاكم ولكن دون جدوى والقانون عندنا في مصر في صالحهم كما تعلمون، وبعد ذلك طلبت منهم زيادة الإيجار حتى نستطيع سد حاجتنا المعيشية ولكن دون جدوى أيضًا، فماذا أفعل أيها الأحباب الكرام أنا وأسرتي، وإني أقسم لكم بالله أنني في حيرة لا حدود لها منذ وفاة والدي وإني ألجأ إليكم بعد ربي، والله المستعان على كل حال.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

مثل هذا الإشكال الحاصل بين المؤجر والمستأجر سببه هو عدم الالتزام بشرع الله تعالى عند توقيع العقد وإنشائه، ومما يخالف فيه الأكثرون ويسبب لهم متاعب ومشاكل هو عدم تحديد مدة عقد الإيجار؛ إذا إن في تحديد المدة قطعًا للنزاع وحفظًا لحقوق كلٍّ من الطرفين، فيلتزم المؤجر بإبقاء المستأجر في العقار، ويلتزم المستأجر بدفع الأجرة لصاحب العقار طيلة المدة، ويُلزم بإنفاذ العقد ودفع الأجرة حتى لو لم يستعمله.

* قال ابن قدامة:

ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة إجارة العقار, قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم, على أن استئجار المنازل والدواب جائز.

ولا تجوز إجارتها إلا في مدة معينة معلومة, ولا بد من مشاهدته وتحديده, فإنه لا يصير معلوما إلا بذلك, ولا يجوز إطلاقه, ولا وصفه. وبهذا قال الشافعي.

” المغني ” ( 5 / 260 ).

والصحيح أن المدة لا تتعين في فترة محدودة، بل يمكن أن تستمر أشهرًا أو عشرات السنين مادام ذلك برضًا من الطرفين.

* قال ابن قدامة:

الإجارة إذا وقعت على مدة يجب أن تكون معلومة كشهر وسنة. ولا خلاف في هذا نعلمه, لأن المدة هي الضابطة للمعقود عليه, المعرفة له, فوجب أن تكون معلومة, كعدد المكيلات فيما بيع بالكيل. فإن قدر المدة بسنة مطلقة, حمل على سنة الأهلة; لأنها المعهودة في الشرع, قال الله تعالى: { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } فوجب أن يحمل العقد عليه. ” المغني ” ( 5 / 251 ).

* وقال:

ولا تتقدر أكثر مدة الإجارة, بل تجوز إجارة العين المدة التي تبقى فيها وإن كثرت. وهذا قول كافة أهل العلم. إلا أن أصحاب الشافعي اختلفوا في مذهبه, فمنهم من قال: له قولان; أحدهما, كقول سائر أهل العلم. وهو الصحيح. الثاني لا يجوز أكثر من سنة; لأن الحاجة لا تدعو إلى أكثر منها. ومنهم من قال: له قول ثالث, أنها لا تجوز أكثر من ثلاثين سنة; لأن الغالب أن الأعيان لا تبقى أكثر منها, وتتغير الأسعار والأجر. ولنا قول الله تعالى إخبارًا عن شعيب عليه السلام, أنه قال: { على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرًا فمن عندك }, وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يقم على نسخه دليل. ولأن ما جاز العقد عليه سنة, جاز أكثر منها, كالبيع والنكاح والمساقاة, والتقدير بسنة وثلاثين, تحكم لا دليل عليه, وليس ذلك أولى من التقدير بزيادة عليه أو نقصان منه. ” المغني ” ( 5 / 253 ).

ثانيًا:

وأما بالنسبة لموت المستأجر أو المؤجر: فقد ذهب جمهور أهل العلم أن العقد لا ينفسخ بموت واحد منهما، وخالف فيه الحنفية وبعض التابعين فقالوا: إن العقد ينفسخ إلا برضا ورثة المؤجر، وأن لهم المطالبة بإخلاء العقار المؤجَّر.

والصحيح هو قول الجمهور لكن يحمل ذلك على ما لو لم تنته مدة عقد الإيجار، فالإيجار عقد لازم للطرفين خلال المدة.

وفي كتاب ” الإجارة ” من صحيح البخاري: قال البخاري – رحمه الله – مبوِّبًا:

باب إذا استأجر أرضًا فمات أحدهما، وقال ابن سيرين: ليس لأهله أن يخرجوه إلى تمام الأجل، وقال الحكم والحسن وإياس بن معاوية: تمضى الإجارة إلى أجلها، وقال ابن عمر: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر بالشطر فكان ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرًا من خلافة عمر ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جددًا الإجارة بعدما قبض النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.

* قال الحافظ ابن حجر:

قوله: ” باب إذا استأجر أرضا فمات أحدهما ” أي: هل تفسخ الإجارة أم لا؟ والجمهور: على عدم الفسخ، وذهب الكوفيون والليث إلى الفسخ, واحتجوا بأن الوارث ملك الرقبة والمنفعة تبع لها فارتفعت يد المستأجر عنها بموت الذي آجره, وتعقب بأن المنفعة قد تنفك عن الرقبة كما يجوز بيع مسلوب المنفعة, فحينئذ ملك المنفعة باق للمستأجر بمقتضى العقد. وقد اتفقوا على أن الإجارة لا تنفسخ بموت ناظر الوقف فكذلك هنا.

– قوله: ” وقال ابن سيرين: ليس لأهله ” أي: أهل الميت.

– ” أن يخرجوه ” أي: يخرجوا المستأجر …

والغرض منه هنا الاستدلال على عدم فسخ الإجارة بموت أحد المتآجرين, وهو ظاهر في ذلك, وقد أشار إليه بقوله ” ولم يذكر أبا بكر جدد الإجارة بعد النبي صلى الله عليه وسلم “، وذكر فيه حديث ابن عمر في كراء المزارع وحديث رافع ابن خديج في النهي عنه وسيأتي شرحهما في المزارعة أيضًا إن شاء الله تعالى.

” فتح الباري ” ( 4 / 463 ).

ثالثًا:

وأما بالنسبة لما تصنعه مع المستأجرين الذين يرفضون الخروج، فنوصيك بما يلي:

  1. أن تبيِّن لهم عدم شرعية العقد بينكما بسبب عدم تحديد مدة العقد، وبسبب الخلاف الحاصل بين العلماء في حكم فسخ العقد بموت أحد الطرفين.
  2. أن تعطيهم فرصة مناسبة ليخرجوا من العقار، ويكون تحديد هذه المدة بمثابة تصحيح الخطأ السابق ويكون عقدًا جديدًا بمدة محددة.
  3. أن تبيِّن لهم حال رفضهم الخروج أنهم بذلك مغتصبون آثمون، وفي قول للحنابلة أن صلاتهم في العقار باطلة، وتبين لهم عاقبة الظلم وحكم المغتصبين.
  4. أن توسط بعض العقلاء ممن يستطيعون التفاهم معهم، أو ممن لهم عليهم كلمة من أقربائهم أو معارفهم.
  5. أن ترفع أمركَ للقضاء ليستوفي لك حقك.
  6. فإن لم ينفع كل ما سبق فلك أن تضيق عليهم بقطع الكهرباء أو الماء أو عمل ما يضايقهم دون الوقوع في الإثم.
  7. فإن لم ينفع ذلك – أيضًا -: فأنت بين ثلاث خيارات: إما أن تدعوَ عليهم – ودعوة المظلوم مستجابة – وإما أن تعفو عنهم، أو تترك أمرهم ليأخذ الله لك حقك منهم.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة