هل الصلاة في ساحة الحرم لها نفس أجر الصلاة فيه؟

السؤال

إذا صلَّى شخص في ساحة المسجد النبوي خارج الحرم مع الإمام أو كان بمفرده هل يدرك الأجر بألف صلاة؟ وكذلك في المسجد الحرام؟.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

إذا صلَّى المسلم في ساحات المسجد الحرام أو النبوي: فإن حكمه يختلف باعتبار كونه مفردًا أو مأمومًا.

فإن كان مفردًا: فالصحيح من أقوال أهل العلم أنه يحصل أجر الصلاة في المسجدين؛ لأن ساحات المسجدين داخلتان في حدود الحرم.

أ. المسجد الحرام.

* قال ابن حزم:

المراد بالمسجد الحرام: هو الحرم كله.

” المحلى ” ( 5 / 149 ).

* وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:

وكذلك لفظ ” المسجد الحرام ” يعبَّر به عن المسجد وعما حوله من الحرم.

” مجموع الفتاوى ” ( 19 / 247 ).

* سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:

هل الثواب في كل مساجد مكة المكرمة، مثل الثواب في الحرم؛ لأن كثيرًا من الناس يصلون في مساجد مكة وفي حدود الحرم ويقولون إن الأجر سواء؟.

فأجاب:

هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، منهم من رأى أن المضاعفة تختص بما حول الكعبة ” المسجد الحرام ” الذي حول الكعبة، وأن مضاعفة المائة ألف صلاة إنما يكون ذلك لمن صلى في المسجد المحيط بالكعبة.

وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن المسجد الحرام يعم جميع الحرم، وإن كان للصلاة فيما حول الكعبة ميزة وفضل لكثرة الجماعة وعدم الخلاف في ذلك، ولكن الصواب هو القول الثاني، وهو أن الفضل يعم، وأن المساجد في مكة يحصل لمن صلى فيها التضعيف الوارد في الحديث.

وإن كان ذلك قد يكون دون من صلى في المسجد الحرام الذي حول الكعبة؛ لكثرة الجمع وقربه من الكعبة، ومشاهدته إياها، وخروجه من الخلاف في ذلك، ولكن ذلك لا يمنع من كون جميع بقاع مكة كلها تسمى المسجد الحرام، وكلها يحصل فيها المضاعفة إن شاء الله. ” مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز ” ( 4 / 130 ).

* سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

هل من صلى في الساحة التي خلف المسعى يكون أجره مثل الذي صلى بجوار الكعبة؟.

فأجاب:

أما الصلاة في الساحة: فإذا اتصلت الصفوف بأن امتلأ المسجد حتى وصلت الصفوف إلى الساحة: فهؤلاء يُرجى لهم أن يكونوا مثل الذين في المسجد في الأجر، وأما إذا كان المسجد خاليًا وفيه مكان: فإن الصلاة في هذه الساحة ليست كالصلاة في المسجد الحرام، فلا يكون لمن صلى فيها مائة ألف صلاة؛ لأنها منفصلة عن المسجد، بينها وبين المسجد شارع واسع –  كما تعرفون -. ” الباب المفتوح ” ( 546 ).

وننبه إلى أن جواب الشيخ – رحمه الله –  في الفقرة الثانية إنما هو باعتبار ما يرجحه وهو أن الأجر المضاعف لا يكون لمن صلَّى خارج مسجد الكعبة حتى لو كان في حدود الحرم، وهو ما لم نرجحه نحن، ونقلنا عن الشيخ ابن باز ما يخالفه.

وأما إن صلَّى جماعة: فيختلف الحكم تبعًا لاتصال الصفوف من عدمها، فإن صلى في الساحات وحده أو مجموعة مع عدم وصول الصفوف إلى الساحات: فليس له جماعة، وهو يشبه من صلى في محله أو بيته تبعًا للإمام، وإن كان المسجد مزدحمًا ووصلت الصفوف إلى الساحات بل والشوارع: فإن له مثل أجر من صلَّى داخل المسجدين، ولا فرق.

* سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

هل تجوز الصلاة في الشارع متابعة للإمام في المسجد؟.

فأجاب:

الصلاة في الشارع تجوز إذا ازدحم المسجد وامتلأ، فإنها تجوز لأن الصفوف متصلة، أما مع الانفصال: فلا يجوز لأحدٍ أن يصلي مع جماعة وهو خارج المسجد.

* وقال:

… أما إذا كان خارجه – أي: خارج المسجد – والصفوف متصلة – طبعًا سيرى الصفوف – حتى لو كان بعضهم على الدرج وبعضهم عند الأبواب: فلا بأس.

” الباب المفتوح ” ( 259 ).

ب. المسجد النبوي:

ذهب جمهور العلماء إلى أن للمدينة حرمًا، وخالف في ذلك الحنفية، والنصوص الصحيحة الصريحة ترد عليهم.

ويرى الجمهور أن حد حرم المدينة ما بين ثور إلى عير.

عن علي رضي الله عنه مرفوعًا: ” حرم المدينة ما بين ثور إلى عير “.

رواه البخاري ( 6374 ) ومسلم ( 1370 ).

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ما بين لابتيها حرام “. رواه البخاري ( 1774 ) ومسلم ( 1372 ).

واللابة الحرة, وهي أرض تركبها حجارة سود، وللمدينة لابتان شرقية وغربية, وهي بينهما.

* قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

والثاني: حرم عند جمهور العلماء وهو حرم النبي صلى الله عليه وسلم من عير إلى ثور، بريد في بريد، فإن هذا حرم عند جمهور العلماء، كمالك والشافعي وأحمد، وفيه أحاديث صحيحة مستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

” مجموع الفتاوى ” ( 27 / 15 ).

ثانيًا:

واختلف العلماء في تضعيف الصلاة في المسجد النبوي هل يكون في المسجد الذي كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم دون ما زاد عليه أو تدخل الزيادة إلى حدود الحرم.

وقد ذهب النووي – من الشافعية – وابن عقيل – من الحنابلة –  إلى الأول، وقد تمسكوا بظاهر اللفظ ” في مسجدي هذا “، وذهب إلى الثاني: شيخ الإسلام ابن تيمية، وولي الدين العراقي – من الشافعية – وغيرهما، واستدل بعضهم على هذا الحكم بأحاديث وآثار، لكنها غير صحيحة، والأصح منه: الاستدلال بفعل السلف، وهو إن لم يكن إجماعًا فهو شبه إجماع.

* وكان مما استدل به أصحاب القول الأول:

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام “.

رواه البخاري ( 1133 ) ومسلم ( 1394 ).

* قال النووي:

واعلم أن هذه الفضيلة مختصة بنفس مسجده صلى الله عليه وسلم الذي كان في زمانه دون ما زيد فيه بعده, فينبغي أن يحرص المصلي على ذلك, ويتفطن لما ذكرته, وقد نبهت على هذا في كتاب المناسك, والله أعلم. ” شرح مسلم ” ( 9 / 166 ).

* قال ولي الدين العراقي – متعقبًا -:

ومقتضى ذلك أنه لو نذر الصلاة في بقعة من المسجد مما هو زائد على ما كان في زمنه عليه الصلاة والسلام لم يتعين, وكان كغيره من المساجد وفيه بعد ونظر ظاهر.

” طرح التثريب ” ( 6 / 46 ).

* قال ابن مفلح الحنبلي:

وهذه المضاعفة تختص بالمسجد على ظاهر الخبر وقول العلماء من أصحابنا وغيرهم، قال ابن عقيل: الأحكام المتعلقة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في زمانه لا ما زيد فيه لقوله: عليه السلام ” في مسجدي هذا “، واختار الشيخ – أي: ابن تيمية – أن حكم الزائد حكم المزيد عليه. ” الآداب الشرعية ” ( 3 / 429 ).

والصحيح: أن التضعيف حاصل –  بلا شك – في حال كون الصلاة في بناء المسجد ولو اتسع البناء، وأن هذا هو المعروف منذ عهد عمر ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهما حيث ابتدئا بالزيادة في المسجد النبوي فلم يُنكر عليهما ولم تترك الصلاة في الزيادة.

* قال ابن كثير:

وغيَّره – أي: المسجد النبوي – عثمان رضي الله عنه وزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج، وهكذا رواه البخاري عن علي بن المديني عن يعقوب بن إبراهيم به.‏

قلت‏:‏ زاده عثمان بن عفان رضي الله عنه متأولًا قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏” ‏من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة‏ “‏‏.‏

ووافقه الصحابة الموجودون على ذلك ولم يغيروه بعده، فيستدل بذلك على الراجح من قول العلماء أن حكم الزيادة حكم المزيد فتدخل الزيادة في حكم سائر المسجد من تضعيف الصلاة فيه وشدّ الرحال إليه. ” البداية والنهاية ” ( 3 / 263 ، 264 ).

* قال شيخ الإسلام ابن تيمية: 

وهذا الذي جاءت به الآثار هو الذي يدل عليه كلام الأئمة المتقدمين وعملهم فإنهم قالوا: إن صلاة الفرض خلف الإمام أفضل، وهذا الذي قالوه هو الذي جاءت به السنة، وكذلك كان الأمر على عهد عمر وعثمان، فإن كليهما زاد من قبلي المسجد فكان مقامه في الصلوات الخمس في الزيادة، وكذلك مقام الصف الأول الذي هو أفضل ما يقام فيه بالسنة والإجماع، وإذا كان كذلك فيمتنع أن تكون الصلاة في غير مسجده أفضل منها في مسجده وأن يكون الخلفاء والصفوف الأول كانوا يصلون في غير مسجده، وما بلغني عن أحد من المسلمين خلاف هذا لكن رأيت بعض المتأخرين قد ذكر أن الزيادة ليست من مسجده وما علمت لمن ذكر ذلك سلفا من العلماء.

* قال:

وهذه الأمور نبهنا عليها ههنا فإنه يحتاج إلى معرفتها، وأكثر الناس لا يعرفون الأمر كيف كان ولا حكم الله ورسوله في كثير من ذلك.

نقله الحافظ ابن عبد الهادي عنه في كتابه ” الصارم المنكي ” ( ص 139 – 140 ).

* وقال الشيخ الألباني بعد أن حكم على حديث ” لو بني هذا المسجد إلى صنعاء كان مسجدي ” بأنه ضعيف جدًّا -:

وقد روي موقوفًا من طريقين مرسلين عن عمر قال: ” لو مدَّ مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذي الحليفة لكان منه “، والفظ الآخر: ” لو زدنا فيه حتى بلغ الجبانة كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه الله بعامر “.

ثم إن معناه صحيح يشهد له عمل السلف به حين زاد عمر وعثمان في مسجده صلى الله عليه وسلم من جهة القبلة، فكان يقف الإمام في الزيادة ووراءه الصحابة، فما كانوا يتأخرون إلى المسجد القديم كما يفعل بعض الناس اليوم.

” السلسلة الضعيفة ” ( 2 / 402 ).

* وخلاصة الكلام:

إن التضعيف في الأجر في الحرم النبوي لا يشمل الحرم كله، ولا المسجد القديم وحده، بل يشمل المسجد وما زاد عليه من بناء مهما اتسع وزاد.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة