قضت حاجتها في كأس في الحرم، فما حكم ذلك؟

السؤال

امرأة ذهبت إلى الحرم ودخلت موقع ماء زمزم وكانت لا تستطيع تحمل البول مما اضطرها إلى البول في ” كاسة ” وقامت بإلقائه مع الماء الذي يجري من صنابير الماء، فما الحكم في ذلك؟.

الجواب

الحمد لله

أولًا :

قضاء الحاجة في المسجد من المحرَّمات فكيف إذا كان في المسجد الحرام؟.

عن أنس بن مالك قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزرموه ، دعوه، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن، قال: فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنَّه عليه.

رواه البخاري ( 217 ) ومسلم ( 285 ).

والصحابة رضي الله عنهم أخذتهم الغيرة وصاحوا بهذا الأعرابي، وهموا للقيام بمنعه والإنكار عليه لئلا يتم بوله، فيؤخذ من ذلك أنه لا يجوز الإقرار على المنكر، بل الواجب المبادرة بالإنكار على فاعل المنكر، ولكن هذه المبادرة كانت ستؤدي إلى أمر أكبر ضررًا ولهذا نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، بل زجرهم عن أن ينهوا الأعرابي ويصيحوا به.

وهذا هو الأمر الأول الذي ينبغي التنبيه عليه في هذا السؤال، وهو تحريم قضاء الحاجة في المساجد، ولكن ما جاء في السؤال يدل على أن الأمر لم يكن بإرادة الأخت بل غلبها قضاء الحاجة ولم تتحمل تأخيره، فصار ذلك من باب الضرورة، ولا حرج في فعلها، والقاعدة الشرعية ” الضرورات تبيح المحظورات “.

ومثال الضرورة: أن يكون كبيرًا في السن أو مريضًا لا يتحمل انحباس البول أو يشق عليه الخروج من المسجد بسبب مرض أو نحوه، وهذا هو ظاهر الحال المسئول عنها

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ” الفتاوى الكبرى “:

الْبَوْل فِي قَارُورَةٍ فِي الْمَسْجِدِ, مِنْهُمْ مَنْ نَهَى عَنْهُ, وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَخِّصُ فِيهِ لِلْحَاجَةِ ا.هـ.

ومال رحمه الله في موضع آخر إلى جوازه للحاجة فقال في ” الفتاوى المصرية “:

وَالأَشْبَهُ أَنَّ هَذَا إذَا فُعِلَ لِلْحَاجَةِ فَقَرِيبٌ ا.هـ .

ثانيًا:

وإذا أراد الإنسان قضاء حاجته فإنه ينبغي أن يتخلى بحيث لا يراه أحد فيطلع على سوء‌ته.

عن ابن عباس قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبيرٍ، وإنه لكبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، فغرز في كل قبرٍ واحدة، قالوا: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا.

رواه البخاري ( 213 ) و ( 5708 ) – واللفظ له – ومسلم ( 292 ).

– ومعنى ” وما يعذبان في كبير “: أي: ليس يشق عليهم تركه، أو ليس بكبير عندهما.

– ومعنى ” وإنه لكبير “: أي: هو عند الله من الكبائر.

وهذا هو الأمر الثاني الذي ينبغي التنبيه عليه في هذا السؤال، وهو وجوب ستر العورة عند قضاء الحاجة، بل في كل حال، فإذا كانت الأخت قد حرصت على هذا وفعلتْه: فلا حرج عليها إن شاء الله.

ثالثًا:

والأمر الثالث الذي ينبغي التنبيه عليه: هو تصريف هذا البول، فلو كانت احتفظت به في شيء مأمون إلى أن تخرج به خارج الحرم، أو في مكان لا يتصل بغيره من الطاهرات: لكان أفضل وأحسن، وأما ما فعلتْه وهو وضع هذا البول في مكان تصريف ماء زمزم: فإنه قد يُخشى أن يلوِّث بعض الموجودين هناك عند الصنابير، فإذا كان الماء يذهب بحيث يؤمن تلويث الناس به: فلا حرج في هذا الفعل، وإن كان الفعل الأول هو الأصوب كما ذكرنا.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة