الشرك الأكبر أنواعه، وحكمه

السؤال

ما هي الأمور السبعة التي تعتبر من الشرك الأكبر؟ أرجو ذكر الدليل أو المرجع.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

الشرك هو أعظم الذنوب على الإطلاق، حيث إنه الذنب الذي حكم الله تعالى أن لا يغفر لصاحبه في الآخرة، كما أنه يحبط الأعمال جميعًا، ويوجب لصاحبه الخلود في النار.

قال الله تعالى: { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } [ النساء، آية 48 ].

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار”. رواه البخاري ( 129 ).

قال ابن القيم:

أخبر سبحانه أنه أرسل رسله وأنزل كتبه، ليقوم الناس بالقسط وهو العدل، ومن أعظم القسط التوحيد، وهو رأس العدل وقوامه، وإن الشرك ظلم كما قال تعالى: { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }، فالشرك أظلم الظلم، والتوحيد أعدل العدل، فما كان أشد منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر، وتفاوتها في درجاتها بحسب منافاتها له، وما كان أشد موافقة لهذا المقصود فهو أوجب الواجبات وأفرض الطاعات، فتأمل هذا الأصل حق التأمل، واعتبر بتفاصيله، تعرف به أحكم الحاكمين، وأعلم العالمين فيما فرضه على عباده، وحرمه عليهم، وتفاوت مراتب الطاعات والمعاصي.

فلما كان الشرك بالله منافيًا بالذات لهذا المقصود: كان أكبر الكبائر على الإطلاق، وحرم الله الجنة على كل مشرك، وأباح دمه وماله وأهله لأهل التوحيد، وأن يتخذوهم عبيدًا لهم، لما تركوا القيام بعبوديته، وأبى الله سبحانه وتعالى أن يقبل من مشرك عملًا أو يقبل فيه شفاعة، أو يستجيب له في الآخرة دعوة، أو يقبل له فيها رجاء، فإن المشرك أجهل الجاهلين بالله، حيث جعل له من خلقه ندًّا، وذلك غاية الجهل به. ” الجواب الكافي ” ( ص 172 ، 173 ) .

ثانيًا:

وقول السائل إن الأمور التي تعتبر من الشرك الأكبر سبعة فقط: ليس بصحيح، بل هي أكثر من ذلك، بل لا يمكن حصرها لكثرة أنواعها.

قال ابن القيم:

والشرك أنواع كثيرة لا يحصيها إلا الله، ولو ذهبنا نذكر أنواعه: لاتسع الكلام أعظم اتساع، ولعل الله أن يساعد بوضع كتاب فيه وفي أقسامه وأسبابه ومباديه ومضرته وما يندفع به. ” مدارج السالكين ” ( 1 / 344 – 347 ).

وتختلف أنواع الشرك الأكبر باختلاف الاعتبارات في التقسيم، فمن العلماء من يذكر مجمل الأنواع كالشرك في الألوهية والربوبية، ومن يجعلها في أقسام التوحيد الثلاثة فيضيف إليها الشرك في الأسماء والصفات، ومنهم يفصل في كل قسم من الأقسام الثلاثة.

أ. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

… فإذا تقرر هذا فالشرك أن كان شركًا يكفر به صاحبه، وهو نوعان:

شرك في الإلهية، وشرك في الربوبية.

فأما الشرك في الإلهية فهو: أن يجعل لله نِدًّا – أي مِثلًا – في عبادته، أو محبته، أو خوفه، أو رجائه، أو إنابته، فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، قال تعالى: { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف }، وهذا هو الذي قاتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركي العرب؛ لأنهم أشركوا في الإلهية، قال الله تعالى: { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبًا لله } الآية، { وقالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } الآية، { وقالوا أجعل الآلهة إلها واحدًا إن هذا لشيء عجاب }، وقال تعالى: { ألقيا في جهنم كل كفار عنيد } إلى قوله { الذي جعل مع الله إلهًا آخر فألقياه في العذاب الشديد } …

وأما النوع الثاني: فالشرك في الربوبية؛ فإن الرب سبحانه هو المالك، المدبر، المعطي المانع، الضار النافع، الخافض الرافع، المعز المذل، فمن شهد أن المعطي أو المانع أو الضار أو النافع أو المعز أو المذل غيره: فقد أشرك بربوبيته.

” مجموع الفتاوى ” ( 1 / 91 ، 92 ).

ب. وقال ابن القيم:

ومن أنواع الشرك:  

  1. سجود المريد للشيخ؛ فإنه شرك من الساجد والمسجود له … وكذلك السجود للصنم وللشمس وللنجم وللحجر.
  2. ومن أنواعه: النذر لغير الله؛ فإنه شرك وهو أعظم من الحلف بغير الله، فإذا كان مَن حلف بغير الله فقد أشرك فكيف بمن نذر لغير الله.
  3. ومن أنواعه: الخوف من غير الله، والتوكل على غير الله، والعمل لغير الله، والإنابة والخضوع والذل لغير الله، وابتغاء الرزق من عند غيره، وحمد غيره على ما أعطى، والغنية بذلك عن حمده سبحانه، والذم والسخط على ما لم يقسمه ولم يجر به القدر وإضافة نعمه إلى غيره واعتقاد أن يكون في الكون ما لا يشاؤه.
  4. ومن أنواعه: طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم؛ فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، فضلًا عمن استغاث به وسأله قضاء حاجته أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها.

” مدارج السالكين ” ( 1 / 344 – 347 ) باختصار.

ج. قال علماء اللجنة الدائمة:

الشرك الأكبر: أن يجعل الإنسان لله ندًّا; إما في أسمائه وصفاته، فيسميه بأسماء الله ويصفه بصفاته، قال الله تعالى: { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون }، ومن الإلحاد في أسمائه: تسمية غيره باسمه المختص به أو وصفه بصفته كذلك.

وإما أن يجعل له ندًّا في العبادة: بأن يضرع إلى غيره تعالى من شمس أو قمر أو نبي أو ملك أو ولي مثلًا بقربة من القرب صلاة أو استغاثة به في شدة أو مكروه أو استعانة به في جلب مصلحة أو دعاء ميت أو غائب لتفريج كربة أو تحقيق مطلوب أو نحو ذلك هو من اختصاص الله – سبحانه – فكل هذا وأمثاله عبادة لغير الله واتخاذ لشريك مع الله، قال الله تعالى: { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملًا صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا } وأمثالها من آيات توحيد العبادة كثير.

وإما أن يجعل لله ندًّا في التشريع، بأن يتخذ مشرعًا له سوى الله أو شريكًا لله في التشريع يرتضي حكمه ويدين به في التحليل والتحريم; عبادة وتقربًا وقضاء وفصلًا في الخصومات، أو يستحله وإن لم يره دينًا، وفي هذا يقول تعالى في اليهود والنصارى: { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون } وأمثال هذا من الآيات والأحاديث التي جاءت في الرضا بحكم سوى حكم الله أو الإعراض عن التحاكم إلى حكم الله والعدول عنه إلى التحاكم إلى قوانين وضعية، أو عادات قبلية، أو نحو ذلك.

فهذه الأنواع الثلاثة هي الشرك الأكبر الذي يرتد به فاعله أو معتقده عن ملة الإسلام، فلا يصلى عليه إذا مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يورث عنه ماله، بل يكون لبيت مال المسلمين، ولا تؤكل ذبيحته ويحكم بوجوب قتله ويتولى ذلك ولي أمر المسلمين إلا أنه يستتاب قبل قتله، فإن تاب قبلت توبته ولم يقتل وعومل معاملة المسلمين.

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود. ” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 1 / 746 ، 747 ).

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة