هل يسمح لزوجته التائبة بزيارة ابنتها من الزنا التي تعيش مع من زنى بأمها؟

السؤال

أنا مقبل على الزواج من فتاة كانت قد وقعت في الزنا، لكنها تابت والحمد لله، ابنتها من الزنا تعيش مع مرتكب الزنا.

هل إذا منعتها من زيارة ابنتها أكون قد ارتكبتُ ذنبًا؟ وما هي شروط زيارتها في حالة إذا كان هذا واجباً عليَّ؟.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

لا شك أن الزنا من كبائر الذنوب، وأن فاعله متوعد بأشد الوعيد في الآخرة مع ما عليه من عقوبة في الدنيا، لكنه إن تاب تاب الله عليه وغفر له ذنبه، وعلى من وقع في هذا الذنب الابتعاد عن أسبابه التي توقعه فيه، كما عليه الابتعاد عن الطرف الآخر حتى لا تسوِّل لهم أنفسهم الوقوع في الذنب مرة أخرى.

ونرجو الله أن يكون حال من ترغب الزواج بها قد انصلح، وأن يقبل الله توبتها، وأن تكون نعم الزوجة لزوجها عشرة بالمعروف له، وحفظاً لعرضه وبيته وماله وأولاده.

ثانيًا:

ولتعلم – أخي – أنه لا يجوز لك إن تزوجت تلك المرأة التائبة أن تزور ابنتها من الزنا – وهي على الحال التي ذكرت في سؤالك – لسببين:

الأول: أن بقاء ابنتها من الزنا مع الزاني من المحرمات؛ فهو لا يربطه بها نسب ولا رضاع ولا مصاهرة، وهي الأشياء التي تنتشر بها المحرمية، فبقاؤها مع ذلك الرجل بقاء امرأة مع أجنبي لا يحل له أن يراها ولا أن يختلي بها، فضلًا أن يعيش وإياها في مسكن واحد، ثم مثله لا يؤمن جانبه أن يفعل مع تلك الابنة مثل ما فعل مع أمها، ولا شيء يردعه مثل الدِّين والخوف من الله، وإذا لم يتب توبة صادقة من فعله ذاك فلن يؤمن جانبه.

والزاني وإن كان لا يجوز له التزوج بابنة المزني بها منه فإن هذا لا يعني أنها صارت ابنته وتُنسب إليه وتجب عليه نفقتها ويحل له الخلوة بها، بل هي أجنبية عنه في هذه الأبواب كلها.

* قال ابن قدامة – رحمه الله -:

– والوطء على ثلاثة أضرب:….

الثالث: الحرام المحض، وهو الزنا، فيثبت به التحريم – على الخلاف المذكور – ولا تثبت به المحرمية، ولا إباحة النظر لأنه إذا لم يثبت بوطء الشبهة فالحرام المحض أولى، ولا يثبت به نسب، ولا يجب به المهر إذا طاوعته فيه. ” المغني ” ( 7 / 482 ).

وإنما لم يجز له التزوج بها لأنها ابنته خلْقًا وكوْنًا لا شرعًا، فهي بضعة منه، وإذا كان لبن الزوج يؤثر فيصير أباً في الرضاع فمن باب أولى تأثير مائه، وتبعُّض الأحكام في النسب غير مُستنكر، فقد صحَّ في الحديث ( يَحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) ومع ذلك لم يثبت بالرضاع نسبٌ، ولم تجب به نفقة، ولا يقع به توارث، ثم إن الحرمة في النكاح ليست مقصورة على النسب الثابت شرعاً ولا مرتبطة بالمحرمية، كحال أمهات المؤمنين رضي الله عنهنّ فهنَّ أمهات في الحرمة فقط لا في المحرمية.

* قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:

” النسب ” تتبعض أحكامه، فقد يكون الرجل ابناً في بعض الأحكام دون بعض، فابن الملاعَنة ليس بابن لا يرث ولا يورث وهو ابن في ” باب النكاح ” تحرم بنت الملاعنة على الأب، والله سبحانه وتعالى حرَّم من الرضاعة ما يحرم من النسب فلا يحل للرجل أن يتزوج بنته من الرضاعة ولا أخته؛ مع أنه لا يثبت في حقها من ” أحكام النسب ” لا إرث ولا عقل ولا ولاية ولا نفقة ولا غير ذلك إنما تثبت في حقها حرمة النكاح والمحرمية.

و” أمهات المؤمنين ” أمهات في الحرمة فقط؛ لا في المحرمية، فإذا كانت البنت التي أرضعتها امرأته بلبن در بوطئه تحرم عليه وإن لم تكن منسوبة إليه في الميراث وغيره: فكيف بمن خُلقت من نطفته فإن هذه أشد اتصالًا به من تلك. ” مجموع الفتاوى ” ( 32 / 139 ).

الثاني: أننا لا نرى أن تجتمع المرأة بمن زنى بها لقاء واجتماعًا ومخالطة؛ لأن الشيطان قد يزين لهما طريق الفاحشة مرة أخرى، ومن تمام التوبة البُعد عن المكان الذي فُعلت فيه المعصية، والهجر لأشخاص السوء الذي أعانوا عليها، أو كانوا الطرف الآخر فيها.

ثالثًا:

وعليه: فيجب على الابنة أن تعلم أنه لا يحل لها البقاء مع ذلك الرجل الأجنبي عنها، ويجب عليها أن تنفصل في معيشتها وحياتها عنه؛ فهو لا يرتبط معها برابط نسب ولا غيره مما يجعل له حقًّا عليها؛ إذ هو أجنبي عنها – إلا في الزواج كما سبق -، ونرى أن الأفضل أن تعيش مع أمِّها، ونرجو أن تُكمل معروفك – أخي السائل – بأن تسمح بذلك وأن تجمع بين الأم وابنتها، واعلم أنك إن تزوجت أمها ودخلت بها: فقد حرمت عليك ابنتها تلك على التأبيد، ولا يكون في معيشتها معك حرج بعد ذلك من حيث النظر والخلوة والمحرمية؛ لأن المحرمية هنا ثبتت بالمصاهرة، وإن أبت تلك الابنة أن تعيش مع أمها وأصرَّت أن تعيش وحدها: فلا مانع من أن تزور أمها في أي وقت تسمح لها أنت به، وأما إن أصرَّت على البقاء مع ذلك الرجل فلا ينبغي لأمها زيارتها – كما سبق ذِكره – ولكم أن تمنعوها من زيارتكم من باب الضغط عليها لتترك العيش عند ذلك الأجنبي عليها، وتراعى المصلحة في ذلك فإن لم يُجد معها الهجر فلا بأس من السماح لها بزيارة أمها فعسى أن يكون ذلك نافعًا لها لتترك ذلك الرجل.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة