امرأة يهودية تسأل عن حكم الزيارات والصداقات بينها وبين المسلمات في الإسلام

السؤال

هل يجوز للمرأة المسلمة أن تصادق نساء غير مسلمات؟ وهل يحق للزوج أن يغضب إذا علم أن زوجته تصادق أو تُدخل بيته نساء غير مسلمات؟ فأنا امرأة يهودية ولديَّ الكثير من الصديقات من كل الديانات، وكل منّا يحترم الآخر وما يحمله من معتقدات وأفكار، ولكن مع هذا ليس لديَّ حتى الآن أي صديقة مسلمة، أقصد: مسلمة حقيقية، ترتدي الحجاب والنقاب وتتمثل الإسلام بكل معانيه.

وأريد أن أسألكم ما إذا كان دينكم يتيح لمثل هؤلاء النساء التعرف عليَّ ومصادقتي؟.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

يسرنا أنك توجهتِ بالسؤال لموقع إسلامي حتى تحصلين على جواب شرعي موثق، ونحن دوماً ندعو غير المسلمين لمثل هذا وأن لا يسأل أحدُهم عن شيء من أحكام الإسلام غيرَ المسلمين، أو غير المختصين بالعلوم الشرعية من المسلمين.

ثانيًا:

وفي شرعنا المطهَّر ليس ثمة قيد على المسلمات أن لا يزرن إلا مسلمات مثلهن، وليس ثمة قيد على غير المسلمة أنها لا تدخل بيت المسلمة، وإنما العبرة في شرعنا في هذا الباب: الفائدة والمصلحة من الزيارة، فليست الزيارات لتضييع الأوقات، والحياة قصيرة والوقت ثمين غالٍ فلا ينبغي تضييعه فيما لا نفع فيه ولا فائدة، والمسلمة العاقلة تعلم أنها ستقدم لا محالة على ربِّها تعالى وأنه سائلها عن عمرها فيما أفنَتْه، ولذا فإنه حيث وُجدت فائدة ومصلحة للزائرة أو للمزورة فلا يمنع الشرع المطهَّر بأن تزور المسلمة غير مسلمة – كتابية كانت أو وثنية -.

وقد توجد أسباب للزيارة بين المسلمة وغيرها من غير المسلمات توصي بها الشريعة الإسلامية استحبابا، ومن ذلك:

  1. أن تكون المرأة غير المسلمة أمّاً للمسلمة أو قريبة لها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أسماء بنت أبي بكر الصدِّيق أن تصل أمَّها المشركة.

عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي، وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: ( نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ ). رواه البخاري ( 2620 ) ومسلم (1003).

– ومعنى راغبة: أي: تطلب بر ابنتها لها.

وفي الحديث جواز زيارة أسماء رضي الله عنها لأمها المشركة، وجواز دخول الأم بيت ابنتها المسلمة.

  1. أن تكون المرأة غير المسلمة جارة للمسلمة.

قال الله تعالى ( وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا ) النساء/ 36.

* قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:

( وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ) أي: الجار القريب الذي له حق الجوار وحق القرابة.

( وَالْجَارِ الْجُنُبِ ) الذي ليس بقريب، فعلى العبد القيام بحق جاره مطلقًا، مسلمًا كان أو كافرا، قريبا أو بعيدا، بكف أذاه عنه، وتحمل أذاه، وبذل ما يهون عليه ويستطيعه من الإحسان، وتمكينه من الانتفاع بجداره، أو طريق ماء على وجه لا يضر الجار، وتقديم الإحسان إليه على الإحسان على من ليس بجار، وكلما كان الجار أقرب باباً كان آكد لحقه، فينبغي للجار أن يتعاهد جاره: بالصدقة والهدية والدعوة واللطافة بالأقوال والأفعال؛ تقربًا إلى الله وإحسانًا إلى أخيه صاحب الحق.

” تيسير اللطيف المنَّان في خلاصة تفسير الأحكام ” ( ص 57 ).

عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ فِي أَهْلِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ ” أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ؟ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَازَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ ). رواه الترمذي ( 1943 ) وحسَّنه وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي “.

وكما أوصت الشريعة ببعث الهدايا للجيران ولو كانوا يهودا فقد أباحت الشريعة قبول هدايا غير المسلمين وقبول دعوتهم للطعام في بيوتهم، وقد ثبت في صحيح السنَّة قبول النبي صلى الله عليه وسلم لدعوة يهودي في بيته على طعام، كما رواه أحمد في مسنده (20 / 424 ) بسند صحيح.

  1. أن تكون المرأة غير المسلمة مريضة فتعودها المسلمة في بيتها أو في المستشفى.

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ ( أَسْلِمْ ) فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ ). رواه البخاري ( 1290 ).

وكما كان للنبي صلى الله عليه وسلم غلام يهودي يخدمه فقد كان لعائشة رضي الله عنها امرأة يهودية تخدمها، كما رواه الإمام أحمد في ” مسنده ” ( 41 / 66 ) بإسناد صحيح.

وكل ما سبق فيه دخول اليهودي واليهودية بيت النبي صلى الله عليه وسلم، اليهودي لخدمة النبي صلى الله عليه وسلم، واليهودية لخدمة عائشة رضي الله عنها، ثم فيه دخول النبي صلى الله عليه وسلم لبيت اليهودي لعيادة ابنه.

  1. أن تكون ثمة خصومة بين غير المسلمة وامرأة أخرى فتزورها المسلمة للإصلاح.

قال الله تعالى ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) النساء/ 114.

فقوله تعالى ( إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) عام يشمل كل متخاصِمين من أي دين كانوا، وسواء زارت المرأة المسلمة أولئك المتخاصمات هي أو هنَّ زرنها في بيتها فالأمر سيان.

وثمة أسباب غير ما ذكرنا، وكلها تدعو المسلمة لأن تزور امرأةً غير مسلمة وعكسه، ومن أعظم الأسباب التي تدعو المرأة المسلمة لمثل تلك الزيارة – زائرة ومزورة – الدعوة إلى الله أداءً لواجب النصح الذي أوجبه الله تعالى على المسلمين تجاه الناس لدعوتهم إلى الدين الخاتم الذي ختم الله تعالى به الرسالات وأرسل به النبيَّ صلى الله عليه وسلم للناس كافَّة.

ثالثًا:

ومع ما سبق ذِكره من بيان أن الإسلام لا يمانع أن تزور المرأةُ المسلمة امرأة غير مسلمة في بيتها فإننا ننبه إلى أن ذلك لا بدَّ أن يكون وفق ضوابط شرعية، منها:

  1. أن لا تخرج المرأة من بيتها إلا بإذن زوجها.

وإذا كانت المرأة المسلمة مزورة فإن الأصل أن تستقبل من شاءت في بيتها إلا أن يمنعها زوجها من ذلك، فتمتنع الزوجة عن استقبال من يكره زوجها دخولها بيته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ أَلاَّ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلاَ يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلاَ وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ ) رواه الترمذي ( 1163 ) وصححه، وابن ماجه ( 1851 ).

  1. أن تكون الزيارة للقاء بنات جنسها من النساء، فلا يجوز أن يكون ثمة رجال أجانب في مجلس الزيارة، فلا تزور المسلمة جارًا ولا تعود مريضًا من الرجال لا من المسلمين ولا من غير المسلمين.
  2. أن تخلو زيارة المرأة المسلمة للنساء غير المسلمات من محرمات تشاهَد أو تُسمع، فلا يكون في مجلس الزيارة موسيقى ولا أفلام فيها ما يحرم مشاهدته، كما يجب أن يخلو المجلس من الغيبة والطعن والقذف وغير ذلك من المحرمات.
  3. أن تكون الزيارة ذات نفع وفائدة للزائرة أو المزورة أو لكلا الطرفين، ولا ينبغي أن تكون من أجل القضاء على الوقت، وقد سبق التنبيه على هذا في أول الجواب.

وما سبق من الضوابط هو لعموم زيارات المرأة ولو كانت لامرأة مسلمه مثلها.

  1. أن لا تكون الزيارة لغير المسلمة – ولا الاستقبال لها – إن كانت محاربة للمسلمين أو مشاركة في احتلال أرضهم أو إخراجهم من ديارهم، فما ذكرناه سابقاً لا ينطبق على اليهودية التي جاءت من أوربا أو أفريقيا لتسكن في بقعة أرض احتلها جنود الصهاينة، وأولى بالمنع أن تكون اليهودية هي نفسها من المشاركات في الحرب والاحتلال، فالصنف الأول من غير المسلمين هو الذي له البر والقسط منّا دون الصنف الآخر، قال الله تعالى – في الصنف الأول -: ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الممتحنة/ 8، وقال الله تعالى – في الصنف الآخر -( إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) الممتحنة/ 9.

وبما سبق ذِكره يتبين لكِ أن الشرع الحكيم لم يمنع النساء المسلمات من زيارتكِ في بيتكِ أو استقبالك في بيوتهنَّ لكونك يهودية؛ فأنتِ – بحسب ما كتبتِ لنا – كندية وتعيشين في ” كندا “، فلن يكون دِينُك مانعاً من زيارة المسلمات لك وعكسه، وقد ذكرنا لكِ زيارة محمد صلى الله عليه وسلم لغلام يهودي في بيته، ودخول يهودية بيت عائشة رضي الله عنها، فاختلاف الدين لن يكون مانعاً من زيارة المسلمات لكِ وزيارتك لهنَّ، وإنما الذي يمنع أن تكون المرأة غير المسلمة محاربة للمسلمين أو مشاركة في الإعانة على احتلال أراضي المسلمين وطرد أهلها منها.

هذا بخصوص الزيارات واللقاءات بين المسلمة وغير المسلمة، وأما الصداقة: فلها شأن عظيم في الدين والواقع، ومن شأن الصداقة أن يكتسب الصديق من صديقه أخلاقه وتصرفاته، والأخطر من ذلك أن ينتقل له أسوأ ما عنده، ولذلك ليس في الشريعة ترغيب بصداقة كل أحد حتى من المسلمين، ولا ينبغي للمسلمة أن تتخذ صديقة لها من النساء إلا أن تكون على عقيدة التوحيد، وعلى أخلاق الإسلام، فهذان شرطا الصداقة، ولا يعني هذا مقاطعة من تخلف عندها الشرطان أو أحدهما، فقد ذكرنا جواز الزيارة والعيادة بين المسلمة وغيرها من غير المسلمات، ولكن الصداقة شأنها عظيم ولذا مُنع المسلم من مصادقة من قد يضره في دينه أو سلوكه.

 

ونرجو أخيرًا أن نكون قد أوفينا سؤالك حقَّه من الإجابة، ولتعلمي أننا لم نجاملكِ على حساب ديننا، بل ذكرنا لك أحكام الشرع بأدلتها، داعين الله تعالى أن يشرح صدركِ للحق والالتزام به، وأن يختارك الله لتكوني على دين موسى عليه السلام الحق، وهو دين أخيه محمد صلى الله عليه وسلم، فكلاهما دينه الإسلام وكلاهما على عقيدة واحدة وإن اختلفت شرائعهم، وتجدين في موقعنا هذا مزيدًا من الفوائد والمسائل، وخاصة في قسم ” تعرَّف على الإسلام “.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة