جواب على سائل يهودي حول القرآن والتوراة

السؤال

أعلم أن نقطة الاتفاق بين الإسلام واليهودية هي عبادة الله الواحد وحرمة عبادة الأصنام،  والفرق الأساسي بينهما هو كتاب كل دين – أقصد القرآن والتوراة -، فكيف تختلف تعاليم القرآن عن تعاليم التوراة؟.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

نرحب بك في موقعنا هذا ونسأل الله أن نقدِّم لك المفيد من المعلومات، وأن يكون ذلك نافعًا لك في دينك ودنياك.

ثانيًا:

اعلم أن الكتب السماوية كلها مصدرها واحد، وهو الرب عزَّ وجل، قال تعالى ( اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ. مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ) آل عمران/ 2 – 4.

واعلم أن من أعظم القواسم المشتركة بينها كلها: أنها تدعو الناس لتوحيد الله تعالى ونبذ الشرك، قال تعالى ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) الأنبياء/ 25، وقال تعالى ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ) النحل/  36.

ثالثًا:

واعلم أن الإيمان بهذه الكتب ركن من أركان الإيمان في الإسلام، وأنه لا يكون مسلماً من كفر بأيٍّ من الكتب السماوية السابقة، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ ) النساء/ 136، وقال تعالى ( وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا ) النساء/ 136.

رابعًا:

واعلم أن التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى عليه السلام قد وصفها ربُّنا تعالى بما تستحقه من صفات، وقد جاء ذِكر هذه الصفات في القرآن الكريم، ومنها: أنها ” هدى ” و ” نور ” و ” فرقان ” و ” ضياء ” و ” ذِكر ” و ” رحمة “، قال تعالى ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ) المائدة/ 44، وقال تعالى ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ ) الأنبياء/ 48، وقال تعالى ( ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً ) الأنعام/154.

خامسًا:

– والتوراة الموجودة اليوم تشتمل على خمسة أسفار وهي:

  1. ” سِفر التكوين “: ويتحدث هذا السفر عن خلق العالم، وظهور الإنسان، وطوفان نوح، وولادة إبراهيم إلى موت يوسف عليه الصلاة والسلام.
  2. ” سِفر الخروج “: ويتحدث عن حياة بني إسرائيل في مصر، منذ أيام يعقوب إلى خروجهم إلى أرض كنعان مع موسى ويوشع بن نون.
  3. ” سِفر اللاويين “: نسبة إلى لاوي بن يعقوب، وفي هذا السِّفر حديث عن الطهارة، والنجاسة، وتقديم الذبائح، والنذر، وتعظيم هارون وبنيه.
  4. ” سِفر العدد “: يحصي قبائل بني إسرائيل منذ يعقوب، وأفرادَهم ومواشيهم.
  5. ” سفر التثنية “: وفيه أحكام، وعبادات، وسياسة، واجتماع، واقتصاد، وثلاثة خطابات لموسى عليه السلام.

واعلم أن التوراة التي أُمرنا بالإيمان بها، والتي جاءت أوصافها بما سبق ذِكره ليست هي هذه التوراة الحالية التي بأيدي اليهود؛ وذلك بسبب التحريف والتبديل والتغيير الذي نالها من أهلها، قال تعالى ( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ. فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ ) البقرة/78،79، وقال تعالى ( أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) البقرة/ 75، وقال تعالى ( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ ) المائدة/ 13.

وهذا التبديل والتحريف في كلام الله تعالى في التوراة قد قامت عليه الشواهد الكثيرة المتعددة، سواء كان التحريف للمعنى أو للفظ، أو لكليهما، مما يدل على أنه يستحيل أن تكون تلك النسخة مستحقة لتلك الأوصاف التي سبق ذِكرها للنسخة الأصلية، ومن الشواهد على أن التوراة الحالية ليست هي التوراة المنزلة من رب العالمين:

  1. ما حصل للتوراة من الضياع والنسخ والتحريف والتدمير، فلقد حُرِّف فيها، وبُدِّل، وضاعت، وتعرضت لسبع تدميرات، منذ عهد سليمان عليه السلام ( 945 ) قبل الميلاد إلى أن حصل التدمير السابع عام 613 م، مما يدل على ضياعها وانقطاع سندها.
  2. ما تشتمل عليه من عقائد باطلة لا تمت إلى ما جاء به المرسلون بأدنى صلة.
  3. اشتمالها على تنقص الرب جل وعلا وتشبيهه بالمخلوقين، ومن ذلك قولهم: ” إن الله تصارع مع يعقوب ليلة كاملة فصرعه يعقوب! “، ومن ذلك قولهم: ” إن الله ندم على خلق البشر لما رأى من معاصيهم، وأنه بكى حتى رمد فعادته الملائكة! “، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
  4. اشتمالها على سبِّ الأنبياء والطعن فيهم، ومن ذلك قولهم: ” إن نبي الله هارون صنع عجلاً وعبده مع بني إسرائيل! “، وقولهم: ” إن لوطًا شرب خمرًا حتى سكر، ثم قام على ابنتيه فزنى بهما الواحدة تلو الأخرى! “، وقولهم: ” إن سليمان عليه السلام ارتد في آخر عمره، وعَبَدَ الأصنام، وبنى لها المعابد! “.
  5. اشتمالها على المغالطات والمستحيلات والمتناقضات.
  6. أن المعركة التي قامت بين التوراة وحقائق العلم الحديث أثبتت ما في التوراة من الأخطاء العلمية.

ومن تلك الكتب التي تكلمت على هذا الموضوع كتابان هما: ” أصل الإنسان ” و ” التوراة والإنجيل والقرآن ” لعالم فرنسي اسمه ” موريس بوكاي ” حيث أثبت وجود أخطاء علمية في التوراة والإنجيل، وأثبت في الوقت نفسه عدم تعارض القرآن مع العلم الحديث وحقائقه، بل سجل شهادات تفوق سبق القرآنُ فيها العلمَ بألف وأربعمائة عام.

يُنظر كتاب ” الإيمان بالكتب ” للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد ( ص 15 )، ومنه استفدنا فقرة ” خامسًا “.

ولعله قد تبين لك الآن أنه لم يعد ثمة قواسم مشتركة بين القرآن والتوراة حتى في عبادة الله وحده ونبذ عبادة الأصنام؛ لما حصل في التوراة الآن من تحريف قبيح تعلق حتى في الغاية التي من أجلها أرسل الله تعالى الرسل، فاقرأ – مثلًا – في ” سفر التكوين ” ( 32 : 1 – 5 ) تجد فيه أن هارون عليه السلام هو الذي صنع العِجِل، وأمَر بني إسرائيل بعبادته!، واقرأ في السفر نفسه ( 11: 10 – 12 ) تجد أن سليمان عليه السلام عَبَدَ الأصنام في آخر حياته، وبنى لها المعابد!!.

وكل هذا من الكذب والافتراء على دين الله تعالى وعلى أنبيائه الكرام عليهم السلام.

وحتى ما يوجد في التوراة من تحريم الربا ووجوب التعامل بالأمانة فإنهم حرَّفوا معناه، ونسبوا للرب تعالى أن ذاك التحريم للربا وذاك الوجوب في التعامل بالأمانة هو في حال إذا كان تعامل اليهود بعضهم مع بعض! وأما إذا كان تعاملهم مع غير اليهود فإنهم يستحلون الربا معهم ويستحلون خيانتهم.

وقد ذكر الله تعالى ذلك عنهم في القرآن الكريم فقال ( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) آل عمران/ 75.

وأما القرآن الكريم فقد تكفل الله تعالى بحفظه بأسباب كثيرة.

سادسًا:

واعلم أن الله تعالى قد ختم رسالاته إلى الأرض بالإسلام، وختم أنبياءه ومرسَليه بنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه تعالى قد ختم كتبه المنزلة من عنده بالقرآن الكريم، لذا كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مبعوثاً للناس كافَّة، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) الأعراف/ 158، وقال تعالى ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ) سبأ/ 28، ولذا كان القرآن الكريم ذِكرًا للعالَمين، قال تعالى (وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ) القلم/ 52.

ولذلك فقد أوجب الله تعالى على كل أحد أن يدخل في الإسلام، وأن يؤمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم رسولًا من عند ربِّه تعالى، ولا يحل لأحدٍ كان على دينٍ أن يستمر عليه، ولو فعل فهو غير نافعه عند ربه؛ لأن الإسلام خُتمت به الديانات، وأحكام القرآن ناسخة ومهيمنة على ما قبلها في الأديان التي قبله، فلا ينفع أحدٌ أن يعمل بشريعةٍ أو يتعبد ربَّه تعالى بدينٍ إلا بشريعة ودين الإسلام، قال تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ) آل عمران/ 19، وقال تعالى ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران/ 85.

ونسأل الله تعالى أن نكون قد وفينا سؤالك حقَّه من الإجابة، ونسأله تعالى أن يشرح صدرك للإسلام، وما وجدته غير واضح ويحتاج لمزيد بيان فلا تتردد في مراسلتنا بشأنه.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة