جاءه ضيف كافر وكسر له قطعة أثاث في بيته فهل من حقه مطالبته بالضمان؟

السؤال

عندي قطعه من أثاث في بيتي كسرها ضيف لي وهو من غير المسلمين، وأنا أسكن بالولايات المتحدة الامريكية، فهل التعويض المالي عن تلك القطعة جائز؟ وإذا كان غير جائز فهل يعني هذا أن لا آخذ التعويض سواء مَن كسرها مِن المسلمين أو غير المسلمين؟ وإذا كان التعويض المالي عن القطعة المكسورة غير جائز فهل التعويض العيني جائز؟ يعني: أن يذهب ويشتري ما يشابه القطعة المكسورة ويعطيني إياها؟.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

من الآداب الواجب العناية بها من قبَل الضيف أن يحافظ على أثاث ومتاع المضيف، وإذا كان معه أولاده فإن عليه تنبيههم إلى هذا الأمر، ولا ينبغي للضيف التصرف في بيت مضيفه إلا وفق مراد صاحب البيت فهو أدرى المكان المناسب لجلوسه، فقد يختار الضيف ما لا يصلح أن يجلس عليه فيتسبب في كسره، أو ما لا يصلح إمساكه فيُكسر.

عَنْ هَمَّامِ بْنِ الحَارِثِ قَالَ: ضَافَ عَائِشَةَ ضَيْفٌ فَأَمَرَتْ لَهُ بِمِلْحَفَةٍ صَفْرَاءَ فَنَامَ فِيهَا فَاحْتَلَمَ، فَاسْتَحْيَا أَنْ يُرْسِلَ بِهَا وَبِهَا أَثَرُ الاِحْتِلاَمِ، فَغَمَسَهَا فِي الْمَاءِ، ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ أَفْسَدَ عَلَيْنَا ثَوْبَنَا؟ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَفْرُكَهُ بِأَصَابِعِهِ، وَرُبَّمَا فَرَكْتُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصَابِعِي. رواه الترمذي ( 116 ) وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وابن ماجه ( 538 ).

ثانيًا:

والقاعدة في المتلفات من حيث الأصل: الضمان على المتلِف، ولا علاقة لذلك الضمان للمتلفات بالتكليف؛ لأنه من الأحكام الوضعية لا التكليفية، ولذا فإنه يضمن النائم والصبي والمجنون والعامد والمخطئ والناسي والذاكر، والفرق بين العامد وغير العامد إنما هو في الإثم، فيأثم الأول دون الثاني.

* قال النووي – رحمه الله -:

وأما إذا أتلف النائم بيده أو غيرها من أعضائه شيئاً في حال نومه: فيجب ضمانه بالاتفاق، وليس ذلك تكليفًا للنائم؛ لأن غرامة المتلفات لا يشترط لها التكليف بالإجماع، بل لو أتلف الصبي أو المجنون أو الغافل وغيرهم ممن لا تكليف عليه شيئًا: وجب ضمانه بالاتفاق، ودليله من القرآن: قوله تعالى ( وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ) فرتَّب سبحانه وتعالى على القتل خطأ الدية والكفارة مع أنه غير آثم بالإجماع. ” شرح مسلم ” ( 5 / 186 ، 187 ).
* وقال ابن العربي المالكي – رحمه الله -:

لا إشكال في أن مَن أتلف شيئاً فعليه الضمان.

” أحكام القرآن ” ( 5 / 390 ).

* وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:

القاعدة: أنَّ كل مَن أتلف شيئاً فعليه الضمان.

” الشرح الممتع على زاد المستقنع ” ( 10 / 200 ).

* وقال – رحمه الله -:

كل مَن أتلف محترمًا: فعليه الضمان، سواء كان عالمًا أو جاهلًا أو ناسيًا أو ذاكرًا أو عامدًا أو مخطئًا، فعليه الضمان بكل حال، وسواء كان هذا المحترم قليلًا أم كثيرًا.” الشرح الممتع على زاد المستقنع ” ( 10 / 198 ).

ويستثنى من ضمان المتلفات ثلاث حالات:

الأولى: إذا أَتْلف شيئًا لدفع أذاه، كقتل الصائل الذي لا يندفع إلا بالقتل، فإنه لا ضمان عليه.

الثانية: إذا أتلف بإذن من المالك، كمن يأذن لطبيب معروف بطبِّه أن يعالجه فيخطئ من غير تعمد جناية، فإنه لا ضمان له عليه.

الثالثة: إذا أتلف بإذن من الله عز وجل، كمن أتلف آلات لهو ومعازف، فإنه لا ضمان عليه، والقاعدة في هذا ” ما ترتَّب على المأذون فليس بمضمون “.

وعليه: فإن قطعة الأثاث التي أتلفها ذاك الضيف إن لم تكن شيئًا أذنتَ له باستعمالها والجلوس عليها: فإنه يضمنها، وإن كنت أذنتَ له باستعمالها والجلوس عليها: فإنه لا يضمنها إلا إن حصل منه تعدٍّ أو تفريط، ومعنى ” التعدِّي “: فعل ما لا يجوز، ومعنى ” التفريط “: ترك ما يجب.

ثالثًا:

والقاعدة في ضمان المتلفات: أن المِثلي يُضمن بمثله، والمتقوَّم يُضمن بقيمته.

* قال الشيخ العثيمين – رحمه الله -: والقاعدة عندنا في ضمان المُتلفات: ” أن المِثلي يُضمَن بمثله، والمتقوَّم يُضمن بقيمته ” لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم ( إِنَاءٌ بِإِنَاءٍ وَطَعَامٌ بِطَعَامٍ ) – رواه الترمذي وصححه – في قصة معروفة، وهي أنه صلّى الله عليه وسلّم كان عند إحدى زوجاته – رضي الله عنهن – فأرسلت الزوجة الأخرى خادمها بطعام في صحفة، فدخل الخادم بالطعام والصحفة على الرسول صلّى الله عليه وسلّم في منزل الضرَّة، فأصابتها الغَيرة، فضربت بيد الخادم حتى سقطت الصحفة وانكسرت، فأخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم طعام المرأة التي هو عندها وصحفتها وأعطاها الخادم، وقال ( إِنَاءٌ بِإِنَاءٍ وَطَعَامٌ بِطَعَامٍ ) فهنا ضُمِن بالمثل؛ لأن هذا مثلي.

لكن في الإعتاق لما بيَّن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن من أعتق شِركًا له في عبد سرى عتقه إلى نصيب شركائه قال: ( وقُوِّمَ عليه قيمة عدل ) – متفق عليه – فأوجب القيمة؛ لأنه ليس مِثليًّا، يتعذر فيه تحصيل المثل فهو متقوم.

” الشرح الممتع على زاد المستقنع ” ( 10 / 119 ، 120 ).

وعليه: فإن قطعة الأثاث المكسورة يكون ضمانها بتصليحها لإرجاعها كما كانت قبل كسرها، فإن لم يمكن ذلك وكان التصليح لا يرجعها كما كانت: فإذا وُجد في السوق قطعة تماثلها أو تقرب منها: فيُخيَّر الضيف بين إحضارها لك شراءً لها من قبَله أو أن تأخذ ثمنها الذي وُجد في السوق، وإذا لم يوجد لقطعتك مماثل في السوق: فتُقدَّر قيمتُها وقت تلفها وكسرها وتُعطى مبلغها.

* قال الشيخ العثيمين – رحمه الله -: والمعتبر: زمن التلف؛ لأنه هو الذي خرج ملك صاحبها عنها فيه، أي: في وقت التلف.” الشرح الممتع على زاد المستقنع ” ( 10 / 122 ).

فالخلاصة: إذا كَسر ذاك الضيف قطعة الأثاث من غير إذن منك له بالجلوس عليها واستعمالها فإنه يضمن تصليحها حتى ترجع كما كانت قبل الكسر، وإن كان كسرها غير قابل للتصليح فإنه يضمن مثلها إن تيسر وجود ذلك في السوق أو تصنيعًا عند نجَّار، وإن لم يمكن ذلك لعدم وجود مماثل لها أو لعدم وجود قادر على صناعة مثلها: فإنها تقوَّم بقيمتها وقت كسرها، ولك مطالبته بتلك القيمة، ولا فرق في هذه الأحكام بين المسلم وغير المسلم.

ومع أننا ذكرنا أنه يجوز شرعًا أخذ التعويض عن كسر قطعة الأثاث من ذاك النصراني إلا أننا نشير عليك بما هو خير من أخذ التعويض، وهو العفو والمسامحة لوجه الله تعالى وابتغاء مرضاته ورجاء تحبيب ذاك الرجل في الإسلام، وتأليف قلبه على الهداية، وإذا فعلتَ ذلك رجونا لك الخير والأجر، قال تعالى ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) الشورى/ 40، وقال تعالى ( وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) التغابن/ 14.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة