حكم المواقع التي تفرد أقسامًا للكتابة في تفاصيل العلاقة الزوجية الخاصَّة

السؤال

ما حكم الكتب، ومواقع الإنترنت، والدورات التدريبية المتخصصة بمواضيع الثقافة الجنسية؟ علمًا بأن المواقع التي أتحدث عنها – وقد شاهدتها بنفسي – عربية، ويرتادها نساء مسلمات، وهي مخصصة للنساء فقط، ولا يسمح بمشاركة الرجال فيها إطلاقًا، وتتحدث عن أنواع المداعبات الزوجية، وأوضاع الجماع، ولكن دون صور إباحية، أو ما شابه، كما أنها تنبذ الممارسات الشاذة، والمحرمة بالدين الإسلامي، والدورات التي أتحدث عنها أيضًا مخصصة للنساء المتزوجات فقط، وتُلقيها أستاذة – امرأة -، وتتحدث عن مواضيع مختلفة، منها: زيادة الحب، والود بين الزوجين، وطرق إغراء الزوج، والتفاهم بين الزوجين.

أنا أعترف بأنني أشعر بانتعاش، وتحسن شديد بعلاقتي الزوجية بعد قراءتي لهذه المواضيع. ما حكم هذه الأمور؟. جزاكم الله خيرًا.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

أمر الله تعالى الأزواج أن يعاشر كل منهما صاحبه بالمعروف، والمعاشرة الجنسية بين الأزواج تدخل في هذا الأمر، ومما لا شك فيه أن كلا الزوجين بحاجة لـ ” ثقافة جنسية ” تسهل عليهما الحياة الزوجية، وتقوي ما بينهما من رباط.

– وإنه لمن المحزن أننا نجد في هذا الأمر إفراطًا، وتفريطًا:

أما الإفراط: فهو ما ينتشر في الآفاق من نشر لهذه الثقافة الجنسية بقوة، من غير حياء، ولا حشمة، فتتناولها المناهج الدراسية بالتعليم النظري، ويتناولها دعاة الفحش، والعهر، بالتطبيق العملي، وذلك من خلال تسهيل عملية اللقاء بين الجنسين بكل ما هو محرَّم، ومثل هذا العلم والعمل يكون قبل الزواج بسنوات، بل إنه ليبعِّد كثيرين عن الزواج؛ لما يراه من متعة! من غير تحمل مسئولية، ومن غير ارتباط بشريك واحد.

وأما التفريط: فهو منع تعلم تلك الأمور المتعلقة بالجنس، فتتزوج الفتاة وهي لا تعرف ما يثير زوجها، ولا تعرف كيف تعينه على قضاء شهوته، ولا تعرف ما يحل لها في تلك العلاقة، وما يحرم عليها.

ومن ظنَّ أن الإسلام جاء ليحارب هذه ” الثقافة ” بالكلية: فهو مخطئ، وهو جاهل بأحكام الإسلام، وثمة أبواب في كتب الإسلام المشهورة صنفت لهذا الغرض، كما أفرد بعضهم ذلك بالتصنيف المستقل، قديمًا، وحديثًا.

وفي القرآن والسنَّة تصريحات بأدق تلك الأمور التي تكون بين الزوج وزوجته، في التقبيل، والمداعبة، والجماع، لكن جاء ذلك بعبارات غاية في الأدب، والحشمة، كما في قوله تعالى: ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ ) البقرة/ 187، وقوله تعالى: ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) البقرة/ من الآية 223، وقوله صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله لما علِم بتزوجه من ثيب:  ( فَهَلَّا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُضَاحِكُكَ وَتُضَاحِكُهَا وَتُلَاعِبُكَ وَتُلَاعِبُهَا ) رواه البخاري ( 5052 ) ومسلم ( 715 ).

ثانيًا:

وأما بخصوص المواقع التي تعلِّم النساء تلك الثقافة الجنسية: فإننا لا نرى مانعًا من الاشتراك بها، وقراءة موادها، لكن ليس الأمر على إطلاقه، بل لا بدَّ من شروط وضوابط، حتى لا تقع مخالفات شرعية، ومن ذلك:

  1. أن تُضبط أمور الاشتراك بحزم، فلا يمكَّن كل من أراد الاشتراك والقراءة، بل يُقتصر في ذلك على النساء المتزوجات، أو اللاتي عقدن النكاح، وهنَّ على أبواب الدخول في الحياة الزوجية العملية، وهذا الحزم هو ما تسلكه الأخوات اللاتي يلتقين في ” البال توك ” للتحدث بأصواتهن في مسائل العلم، ولو فُتح الباب لكل أحدٍ: لفتح باب شر كبير، ولا شك أن لقراءة تفاصيل العلاقة الحميمية بين الزوج وزوجته يهيج الشهوة، وإذا كانت الأمور غير منضبطة بما ذكرناه: أمكن مشاركة الشباب والشابات، وصارت تلك المواقع مواقع نشر فساد، وتهييج شهوات.
  2. أن تخلو تلك المواقع، والمقالات من الصور المحرَّمة، كصور النساء عمومًا، أو الصور اليدوية، وخاصّه تلك التي تُرسم فيها الأعضاء الجنسية.
  3. تجنب الألفاظ النابية، والتخلق بأخلاق الإسلام في الاكتفاء بما يوصل الرسالة، دون التعرض للألفاظ الصريحة المؤذية، إلا أن تكون حاجة لذلك.
  4. تجنب عرض تلك المواضيع بالصوت – كما تعقدها بعض النساء في دورات! -، ومن باب أولى بالصوت والصورة؛ لما في ذلك من تعريض المتكلمات أنفسهن للسوء، من خلال انتشار أشرطة تلك المحاضرات بين أيدي السفهاء، وتعريض المتكلمات أنفسهن لتعليقات ساخرة، ومهينة، من أهل الفساد.
  5. عدم الاكتفاء في التعليم والتوجيه لمسائل الحب، والعشق، وممارسة الجنس، وتعليق الزوج بالفراش، فالعلاقة الزوجية أسمى من أن تكون موجهة لذلك الاتجاه دون غيره، بل تعلَّم المرأة أخلاق الإسلام في التعامل مع زوجها، وأهل زوجها، وتعلَّم أصول تربية أولادها، وضبط علاقاتها بجيرانها، وأقرباء زوجها، وأمور تنظيف البيت، وترتيبه، والطهي، واستغلال الوقت في التزود بالعلم الشرعي، والإتيان بالأذكار، وتعليمهن مسائل الشرع الخاصة بالنساء، كأحكام الحيض، والغسل، وغير ذلك، وبذلك تكون هذه المواقع قد أدت رسالتها على أكمل وجه، وإننا لنرى أنه من المهانة للمرأة حصر تعليمها وتوجيهها في الأمور الجنسية، وأمور الفراش، وهذه الأمور وإن كانت لها أهمية بالغة، لكنها جزء من الحياة الزوجية، لا كلها.

والمرجو من أصحاب المواقع الالتزام بهذه الشروط، والضوابط، وعدم التسبب في نشر الفساد، والفواحش، ولو التزموا بما ذكرناه كان لهم عظيم الأجر في الدلالة على ما فيه سعادة الأسرة، وتماسكها، وتوثيق العلاقة بين أفرادها.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة