خطيب الجمعة يأمرهم بما يخالف الشرع فهل هذا مسوِّغ لترك الجمعة بالكلية؟

السؤال

في الفترة الأخيرة صار حضور صلاة الجمعة في مسجدي – وفي مساجد أخرى من منطقتي – بالأمر الصعب على نفسي، فقد صرت لا أود أن أشهد صلاة الجمعة فيها؛ فلقد طلب منا الأئمة الابتهال، والدعاء، والصلاة، من أجل ” الولايات المتحدة الأمريكية “، وإبداء الرفض للمجاهدين، حتى أنه طُلب منَّا احترام أعياد الكافرين! وأعرف أن صلاة الجمعة فرض، ولكن ما جدواها إن لم يقع منها النفع؟ وليرض عنك ربك، والسلام عليكم.

الجواب

الحمد لله

صلاة الجمعة من الواجبات العينية على المكلفين من الرجال، وهي من شعائر الإسلام الظاهرة، وهي عيد المسلمين الأسبوعي المتكرر، فليس للبالغ، القادر، الصحيح، المقيم، الخالي من الأعذار: أن يتخلف عن صلاة الجمعة بسبب ما في الخطبة من كلام مخالف للشرع، إلا أن يترك الصلاة في مسجده ليذهب لمسجد آخر يقيم فيه صلاة الجمعة.

وقد أُمرنا بالذهاب للمساجد يوم الجمعة حين يُنادى بها؛ لشهود الخطبة، والصلاة، وعند ذلك النداء تحرُم كل معاملة أثناءه، وبعده، حتى تؤدى الصلاة، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) الجمعة/ 9، 10.

وقد جاء الوعيد الشديد في ترك صلاة الجمعة مع عدم العذر.

وعليه: فما تذكره – أخي السائل – مما يطلبه منكم الخطيب يوم الجمعة: بعضه منكر، ومحرَّم، كالطلب منكم احترام أعياد الكفار، ورفض المجاهدين، وبعضه محتمل، وهو حفظ البلاد التي تعيشون فيها، فإن كان المراد: حفظ البلاد من القحط، والزلازل: فجائز الطلب، وجائز الدعاء، وإن كان المراد: حفظها في حروبها على المسلمين، واحتلالها لبلادهم: فلا يجوز الطلب، ولا الدعاء، بل هو دعاء بإثم، وظلم، لا يحل فعله، ولا الرضا به، وكل ما سبق لا تعلق لوجوده من خطيبكم بحضورك صلاة الجمعة، وإقامتها في المسجد، ولا تكون معذورًا بترك الصلاة فيه، إلا أن تترك ذلك للحضور في مسجد آخر يخلو من مثل تلك المنكرات.

ولا شك أن كثيرًا من المسلمين يعانون من سوء خطَب الجمعة، وجهل الخطباء، ونشر الأحاديث الضعيفة والموضوعة على المنابر، والدعوة لإقامة البدع، ولم يكن مثل هذا عذرًا عند أهل العلم للإفتاء بترك صلاة الجمعة في تلك المساجد، وقد وُجد مثل هذا في زمن الصحابة رضي الله عنهم، فقد كان خطيبهم – أحيانًا – ” الحجاج الثقفي “! ولم يكن ليفتي أحدهم بالتخلف عن صلاة الجمعة والحال هو ذاك.

وهذه المسألة مبحوثة عند العلماء في باب الصلاة خلف المبتدع، والفاسق، ولا يخرج عامة الخطباء المشار إليهم سابقًا عن هذا، ولا يجوز عند أهل السنَّة – على التحقيق – ترك الصلاة خلفهم، لا جمعة، ولا جماعة، إلا لمن أراد تركهما ليصلي عند أهل السنَّة الذين لم يتلبسوا ببدعة، ولا بفسق ظاهر.

* قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:

ولو علِم المأموم أن الإمام مبتدع يدعو إلى بدعته، أو فاسق ظاهر الفسق، وهو الإمام الراتب الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه, كإمام الجمعة، والعيدين، والإمام في صلاة الحج بعرفة، ونحو ذلك: فإن المأموم يصلِّي خلفه، عند عامة السلف، والخلف، وهو مذهب أحمد، والشافعي، وأبي حنيفة، وغيرهم, ولهذا قالوا في العقائد: ” إنه يصلِّي الجمعة والعيد خلف كل إمام، بَرّاً كان، أو فاجرًا “, وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد، فإنها تصلَّى خلفه الجماعات؛ فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده, وإن كان الإمام فاسقًا، هذا مذهب جماهير العلماء: أحمد بن حنبل، والشافعي، وغيرهما, بل الجماعة واجبة على الأعيان في ظاهر مذهب أحمد, ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر: فهو مبتدع عند الإمام أحمد، وغيره من أئمَّة السنَّة، كما ذكره في رسالة ” عبدوس “، و ” ابن مالك “، و ” العطار “.

مجموع فتاوى ابن باز – (2 / 329).

والصحيح: أنه يصليها، ولا يعيدها؛ فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة، والجماعة خلف الأئمة الفجار، ولا يعيدون، كما كان ابن عمر يصلِّي خلف الحجَّاج, وابن مسعود، وغيره يصلُّون خلف الوليد بن عقبة، وكان يشرب الخمر، حتى أنه صلَّى بهم مرة الصبح أربعًا، ثم قال: أزيدكم؟ فقال ابن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة، ولهذا رفعوه إلى عثمان.

وفي صحيح البخاري أن عثمان رضي الله عنه لمَّا حُصر صلَّى بالناس شخصٌ, فسأل سائل عثمان, فقال: إنك إمام عامة, وهذا الذي يصلِّي بالناس إمام فتنة، فقال: ” يا ابن أخي إن الصلاة مِن أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا: فأحسن معهم، وإذا أساءوا: فاجتنب إساءتهم “، ومثل هذا كثير.

” فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 2 / 328، 329 ).

بل وحتى في زمن الفتن، والوصية بلزوم البيت: فليس معناه ترك صلاة الجمعة والجماعة في بيوت الله تعالى.

* سئل علماء اللجنة الدائمة:

رجل لا يحضر الصلاة بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأحد أصحابه: ( كن جليس بيتك ) ما رأي علمائنا في ذلك؟.

فأجابوا:

لا يجوز ترك صلاة الجماعة في المسجد إلا لعذر شرعي، من مرضٍ، أو خوفٍ، وما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من الحث على لزوم البيوت: فالمراد به: اعتزال الفتن، والشرور، وليس المراد به ترك الجمعة، والجماعة.

الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد.

” فتاوى اللجنة الدائمة ” المجموعة الثانية ( 6 / 191، 192 ).

فلا يسعك – أخي السائل – سوى حضور صلاة الجمعة، واعلم أنك لا تُعفى من الإنكار على الخطيب، وغيره، ممن يقع في معصية الله، القولية، والفعلية، وما يعتقدونه من عقائد مخالفة لاعتقاد أهل السنَّة والجماعة، ولعلَّ حُسن عرضك للحق أن يكون مثمرًا، وترى نتيجة ذلك أمام ناظريك، وإن لم يحصل: فحسبك الأجور المترتبة على دعوتك لهم، وإنكارك عليهم، وحسبك براءة ذمتك من ذلك.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة