مسجدان متقاربان والثاني منهما قليل المصلين أو معدومه ففي أي المسجدين يصلي؟

السؤال

نحن في منطقتنا يوجد مسجدان متقاربان، أحدهما يمتلأ عادة بالمصلين، أما الآخر: فيكون خالٍ من المصلين حتى إنَّه في بعض الأحيان لا يفتح المسجد أحيانا، ففي هذه الحالة أيهما أفضل: الصلاة في المسجد الممتلئ، أم إعمار المسجد الآخر؟.

وثانيًا: – بارك الله فيك – الإمام الذي في المسجد الممتلئ لا يراعي السنَّة، فهو مسبل، ولا يراعي السنَّة، أما المسجد الآخر: فإمامه نوعًا ما ملتزم ما استطاع بالسنَّة.

فنرجو منكم توضيح في أي المساجد الصلاة تكون فيه أفضل.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

انتشار المساجد، وكثرتها، ولو في الحي الواحد: علامة خير، وهو مما يشجع الناس على أداء الصلاة في بيوت الله، لكننا ففي الوقت نفسه ننبه على أمورٍ:

  1. أن لا يكون بناء المساجد بتقارب شديد، حتى لا يكاد المصلي يجد فرقًا في المسافة في الذهاب لواحد منهما؛ لئلا يكون بناؤها من الإسراف، والمباهاة، وهو ما حدث مع المسجد الآخر عندكم، حتى إنه ليأتي عليه أوقات لا يُفتح فيها لعدم وجود مصلين!.
  2. أن لا يكون بناء المسجد الآخر نتيجة عداوة، وبغضاء، وتعصب، بين أهل الحي الواحد، والمسجد على هذا سيؤصل للفُرقة، ويؤخر من الإصلاح.
  3. أن لا يصلَّى الجمعة فيهما، بل يصلى في المسجد الكبير منهما؛ ليجتمع المصلون في مكانٍ واحد، وبعض أهل العلم يرى بطلان الصلاة في المساجد الفرعية في القرية الواحدة، ونحن وإن كنا نرى عدم البطلان، لكننا نمنع من صلاة الجمعة في المسجدين المتقاربين، إلا لعذر شرعي، كامتلائهما بالمصلين، وغيرها من الأعذار المبيحة.
  4. ونرى أن بناء المساجد في المناطق التي تخلو من مساجد بالكلية أولى من بنائها في أماكن يوجد فيها من المساجد ما يؤدي الغرض.

هذه التنبيهات نرجو أن يُهتم بأمرها، وأن تكون في واقع التنفيذ، ومن المؤسف أننا لا نجد رسالة المسجد تحقق أهدافها في بعض الأماكن التي يوجد فيها مساجد متقاربة.

ثانيًا:

وبما أن الحال هو ما ذكرتَ : فإننا نرى أن تكون الصلاة في المسجد الأول؛ لأمور:

  1. أن اجتماع المصلين في مسجد واحد من شأنه أن يحقق الألفة بينهم، ويزيد في ترابطهم، فيُعرف مريضهم فيُعاد، وفقيرهم فيُعان، وميتهم فيُصلَّى عليه، ويُعزى أهله.
  2. أن المسجد الذي يصلي فيه أهل الحي جميعهم يعين على تعليمهم، ووعظهم، بخلاف تشتتهم في أكثر من مكان، فإذا جاء العلِم ليُعلِّم، والواعظ ليعظ، ويكون الناس قد اجتمعوا في صعيد واحد: فإن الخير والنفع والفائدة تصل لجميعهم.
  3. كلما زاد عدد المصلين في الجماعة: كان أحب إلى الله.

عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَإِنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ).

رواه أبو داود ( 554 ) والنسائي ( 843 ).

* قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:

لو قدِّر أن هناك مسجدين، أحدهما أكثرُ جماعة مِن الآخر: فالأفضلُ أن يذهبَ إلى الأكثرِ جماعة؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ( صَلاةُ الرَّجُلِ مع الرَّجُلِ أزكى مِن صلاتِهِ وحدَهُ، … ).

وهذا عامٌّ، فإذا وُجِدَ مسجدان: أحدُهما أكثرُ جماعة مِن الآخرِ: فالأفضلُ أن تُصلِّيَ في الذي هو أكثر جماعة.

” الشرح الممتع على زاد المستقنع ” ( 4 / 150، 151 ).

ثالثًا:

وأما بخصوص الإمام في المسجد الثاني: فإننا نرى أن ينضم إلى المسجد الأول، ولا يُحدث تفرقاً بين المسلمين، وليس في الإمام الأول ما يمنع من الصلاة خلفه، لا في اعتقاده، ولا في قراءته، واجتماع المسلمين مصلحة عظيمة، وخاصة إن كانوا أهل حيٍّ واحد، بل حتى لو كان حضور الإمام الثاني يعني أن تقام جماعة فيه، فانضمامه إلى المسجد الأول: أولى.

* قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:

الأفضل لغير أهل الثَّغر أنْ يصلِّي في المسجدِ الذي تُقام فيه الجماعةُ إذا حضر، ولا تُقام إذا لم يحضر، مثال ذلك: إذا كان هناك مسجدٌ قائمٌ يصلِّي فيه الناسُ، لكن فيه رَجُلٌ إن حَضَرَ وصار إمامًا: أُقيمت الجماعةُ، وإنْ لم يحضُرْ: تفرَّقَ الناسُ: فالأفضلُ لهذا الرَّجُلِ أنْ يصلِّيَ في هذا المسجدِ مِن أجلِ عِمارته؛ لأنَّه لو لم يحضُرْ لتعطَّلَ المسجدُ، وتعطيلُ المساجدِ لا ينبغي، فصلاةُ هذا الرَّجُلِ في هذا المسجد: أفضلُ مِن صلاتِهِ في مسجدٍ أكثرَ جماعةٍ.

لكن ينبغي أن يقيَّد هذا بشرطٍ، وهو أن لا يكون المسجدُ قريبًا مِن المسجدِ الأكثرِ جماعةً، فقد يُقال: إنَّ الأفضلَ أن يجتمعَ المسلمون في مسجدٍ واحدٍ، وأنَّ هذا أَولى مِن التفرُّق، فإذا قُدِّرَ أن هذا مسجدٌ قديمٌ ينتابه خمسةٌ، أو عشرةٌ من الناسِ، وحولَه مسجدٌ يجتمعُ فيه جمعٌ كثيرٌ، ولا يشقُّ على أهلِ المسجدِ القديمِ أنْ يتقدَّموا إلى المسجدِ الآخرِ، فرُبَّما يُقال: إنَّ الأفضلَ أن ينضمُّوا إلى المسجدِ الآخر، وأن يجتمعوا فيه؛ لأنَّه كلَّما كَثُرَ الجمعُ: كان أفضل.

” الشرح الممتع على زاد المستقنع ” ( 4 / 150 ).

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة