شرطية القِبلة في الصلاة وصور الاستثناء وحكم مسافر لم يجد أحدًا يسأله عنها

السؤال

لقد قرأت إجاباتكم على الأسئلة بخصوص ” صلاة السفر ” و ” الاتجاه الذي أصلي فيه في السفر “، ولكننا عندما نكون في سفر ولا نجد وسيلة لنعرف القبلة، كما في الولايات المتحدة، حيث نجد صعوبة في أن نجد مسلمًا نسأله عن اتجاه القبلة، وقد حاولت جاهدة أن أستخدم البوصلة ولكنني لم أستطع ومع ذلك حاولت استخدامها، فهل يجوز الصلاة في أي اتجاه خوفا من فوات الصلاة وأن نقوم بأدائها مرة أخرى في وقت آخر، ونعلم أن الله تعالى قد جعل الأرض كلها مسجدًا؟.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

لا خلاف بين العلماء في أن استقبال القِبلة شرط من شروط صحة الصلاة، وبترك هذا الشرط – مع القدرة على القيام به – تبطل الصلاة.

* قال أبو المظفر يحيى بن هبيرة الشيباني -رحمه الله -:

وأجمعوا على أن للصلاة شرائط، وهي التي تتقدمها، وأنها أربع، وهي: الوضوء بالماء أو التيمم عند عدمه، والوقوف على بقعة طاهرة، واستقبال القبلة مع القدرة، والعلم بدخول الوقت. ” اختلاف الأئمة العلماء ” ( 1 / 103 ).

ثانيًا:

وقد استُثنيت صورٌ يسقط معها هذا الشرط في حق أهله.

* قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:

الأصل أن: استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة، وأن من ترك الاستقبال: فصلاته باطلة.

لكن يستثنى من هذا صور، منها:

  1. المربوط والمصلوب لغير القبلة.
  2. وفي شدة القتال.

وهذا يرجع لعدم القدرة على الاستقبال، وكل من عجز عن شرط من شروط الصلاة، أو ركن من أركانها: سقط عنه.

  1. ومنها: المتنفل على الراحلة في السفر يتوجه جهة سيره، ولا يلزمه الاستقبال في شيء من صلاته على الصحيح.

وعلى المذهب: يلزمه افتتاح الصلاة إلى القبلة، إذا تمكن من ذلك وكذلك الماشي، ويلزمه الركوع والسجود إليها على المذهب.

  1. ومنها: من اشتبهت عليه القبلة في السفر واجتهد، ثم تبين له بعد الفراغ أنه لغير القبلة: فلا إعادة عليه.

وعلى المسألتين قوله تعالى ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) البقرة/ 115، فسِّر بكلٍّ منهما، والصحيح: أن الآية تعم ذلك، وما هو أعم منه.

  1. ومما يُسقط وجوب استقبال القبلة: إذا ركب السفينة، وهو لا يتمكن من الاستقبال: لم يلزمه، وإن تمكن: لزمه في الفرض دون النفل، فلا يلزمه أن يدور بدورانها، والله أعلم. ” إرشاد أولى البصائر والألباب لنيل الفقة بأيسر الطرق والأسباب ” ( ص 37) -ترقيم الشاملة -.

ثالثًا:

ولا نرى عُذرًا لكثيرٍ ممن يزعم أنه لا يعرف اتجاه القبلة ؛ وذلك أنه يوجد طرق كثيرة يمكن من خلالها معرفة اتجاه القبلة، ومنها:

  1. الشمس.
  2. النجوم.
  3. القمر.
  4. البوصلة.
  5. برامج ضبط القبلة الموجودة في بعض الساعات وكثير من الجوالات.
  6. النظر في الخريطة ورسم خط من مكان وجوده إلى الكعبة.
  7. سؤال أي أحدٍ من المسلمين المصلين.

وبما أنكم تملكون ” البوصلة ” فيصبح اتجاهكم للقبلة واجبًا، ولا يسقط عنكم هذا الشرط، ويصبح تعلُّم استعمال تلك البوصلة واجبًا لتعلق تعلمها بتحقيق شرط من شروط صحة الصلاة، وليس تعلمها بالأمر الصعب.

* قال علماء اللجنة الدائمة:

إذا ثبت لدى أهل الخبرة الثقات من المسلمين أن جهازًا أو آلة تضبط القبلة وتبينها عينًا، أو جهةً: لم يمنع الشرع من الاستعانة بها في ذلك وفي غيره، بل قد يجب العمل بها في معرفة القبلة إذا لم يجد من يريد الصلاة دليلا سواها.

الشيخ عبد العزيز بن باز, الشيخ عبد الرزاق عفيفي, الشيخ عبد الله بن غديان, الشيخ عبد الله بن قعود. ” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 6 / 315 ).

رابعًا:

وأما من كان مسافرًا ولم يجد من يسأله، أو كان مسجونًا ولم يدله أحد على اتجاه القبلة، وليس هو من أهل الاجتهاد للنظر لمعرفة اتجاهها، ولا يملك أجهزة يعرف من خلالها القبلة، وضاق عليه وقت الصلاة: فإن هؤلاء جميعاً معذورون شرعًا، فيصلُّون إلى أي اتجاه يرونه صوابًا، ولا يلزمهم إعادة الصلاة حتى لو تبيَّن لهم في الوقت أو بعده أنهم كان صلُّوا خطأً؛ لأنهم صلوا كما أمرهم الله تعالى فلا يعيدون إلا بأمره عز وجل.

خامسًا:

وفي حالة مثل حالتكم وهي أن يملك المسلم آلة يستطيع تحديد القبلة من خلالها، ولكنه لو اشتغل بتعلم طريقة ذلك خرج وقت الصلاة، فحينئذٍ لا يجوز له أن يتعمد تأخير الصلاة عن وقتها، فيصلِّي على الحال التي هو عليها إلى أي اتجاه يراه في نفسه صوابًا، ولا إعادة عليه إن تبين له خطؤه في تحديد القبلة، ويأثم لأنه فرَّط في تعلم استعمالها حتى ضاق عليه وقت الصلاة.

وبكل حال: فلا يشتغل مثل هذا بتحقيق شرط القبلة على حساب وقت الصلاة.

* سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:

هل يجوز للإنسان تأخير الصلاة لتحصيل شرط من شروطها، كما لو اشتغل باستخراج الماء؟.

فأجاب:

الصواب: أنه لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها مطلقًا، وإذا خاف الإنسان خروج الوقت: صلَّى على حسب حاله، وإن كان يمكن أن يحصل الشرط قريبًا؛ لقوله تعالى ( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) النساء/ 103، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت أوقات الصلاة، وهذا يقتضي وجوبها في وقتها، ولأنه لو جاز انتظار الشروط: ما صح أن يشرع التيمم؛ لأن بإمكانه أن يحصل الماء بعد الوقت، ولا  فرق بين أن يؤخرها إلى وقت طويل، أو إلى وقت قصير؛ لأن كليهما إخراج للصلاة عن وقتها، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. ” مجموع فتاوى الشيخ العثيمين ” ( 12 / 20 ).

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة