قراءة القرآن وذكر الله بالقلب ” تفكرًا ” في الحمام!.

السؤال

هل يجوز للمسلم أن يقرأ القرآن أو يتذكر الله (تفكرا)  في قلبه, ودون أن ينطق بذلك, وهو في الحمام؟ وهل يجوز للحائض قراءة القرآن عن بعد دون أن تمس الكتاب؟

الجواب

الحمد لله

  1. الذكر ذِكران: ذكر لا يصح إلا باللسان مثل قراءة القرآن والأذكار والأدعية التي رغَّب الشرع بفعلها، وذِكر قلبي وذلك بالتفكر في مخلوقات الله، أو تمرير القرآن على القلب، لكن ليس له أجر قراءة القرآن على هذا التمرير لأن الأجر معلق على القراءة، وهي لا تكون إلا باللسان، ومثله: الأدعية، ومنه: دعاء دخول الخلاء فلا يصح لمن نسيه أن يمرره على قلبه؛ وذلك لاشتراط أن يكون ذلك باللسان.

وعليه:

لا بأس بذكر الله تعالى في النفس أو تمريرها على القلب في أماكن الخلاء وذلك لعدم ورود النهي عن ذلك.

ولا يجوز قياس ذلك على الذكر باللسان لفارق الشبه بين هذا وذاك؛ لأن تمرير الكلام على القلب ليس كذكره باللسان.

وكما أنه لا يجوز أن يقرأ الرجل القرآن في الصلاة بقلبه وفي نفسه ويطلب منه أن يتلفظ به بلسانه، وأنه لا يحل التمرير على القلب محل اللفظ باللسان ولا يأخذ حكمه: فكذلك فإن اللفظ باللسان هنا لا يأخذ حكم التمرير على القلب.

قال ابن المنذر في الأوسط: 

وقال عكرمة لا يذكر الله وهو على الخلاء بلسانه ولكن بقلبه.

” الأوسط ” ( 1 / 341 ).

وقال النووي:

ولهنا اتفقوا على أن الجنب لو تدبر القرآن بقلبه من غير حركة لسانه لا يكون قارئا مرتكبا لقراءة الجنب المحرمة.

” شرح النووي على صحيح مسلم ” ( 4 / 103 ).

وقال الأمير الصنعاني: 

قلت: ويحتمل أن استغفاره للأمرين معا ولما لا نعلمه على أنه يقال إنه صلى الله عليه وسلم وإن ترك الذكر بلسانه حال التبرز لم يتركه بقلبه. ” سبل السلام ” ( 1 / 80 ).

وهو الذي عليه الفتوى عند علمائنا المعاصرين:

قالت اللجنة الدائمة:

من آداب الإسلام أن يذكر الإنسان ربه حينما يريد أن يدخل بيت الخلاء أو الحمَّام، بأن يقول قبل الدخول: ” اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث “، ولا يذكر الله بعد دخوله، بل يسكت عن ذكره بمجرد الدخول. عبد العزيز بن باز، عبد الرزاق عفيفي، عبد الله بن قعود. ” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 5 / 93 ).

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز:

الذِّكر بالقلب مشروع في كل زمان ومكان، في الحمَّام وغيره، وإنما المكروه في الحمَّام ونحوه: ذكر الله باللسان تعظيمًا لله سبحانه إلا التسمية عند الوضوء فإنه يأتي بها إذا لم يتيسر الوضوء خارج الحمَّام؛ لأنها واجبة عند بعض أهل العلم، وسنة مؤكدة عند الجمهور. ” فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 5 / 408 ).

  1. أما قراءة القرآن بالنسبة للحائض: فهي مسألة محل خلاف بين العلماء، والصواب أنه لا يحرم على الجنب والحائض والنفساء قراءة القرآن، وإن كان الأفضل والأولى وجود الطهارة لعموم الأدلة المرغِّبة في ذلك، وسنذكر أدلة المانعين والرد عليها:
  • استدل من منع بحديث علي رضي الله عنه قال” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته ثم يخرج فيقرأ القرآن ويأكل اللحم معنا، ولا يحجبه – وربما قال “لا يحجزه”- عن القرآن شيءٌ ليس الجنابة “. رواه أبو داود ( 229 ) والترمذي ( 146 ) والنسائي (265)  وابن ماجه ( 594 )

الرد: 

  1. قال النووي:

قال البيهقي: وإنما توقف الشافعي في ثبوته، لأن مداره على “عبد الله بن سلمة” كان قد كبر، وأُنكر من حديثه وعقله بعض النكرة.  وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر، قاله شعبة‍” المجموع ” ( 2 / 183 ).

  1. قال الخطابي:

وكان الإمام أحمد رضي الله عنه يوهن حديث “عليٍّ” هذا، ويضعف أمر عبد الله بن سلمة.

” معالم السنن/ هامش المنذري” ( 1 / 156 ).

  1. قال الحافظ ابن حجر:

رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان، وضُعف بعض رواته والحقُّ أنَّه من قبيل الحسن يصلح للحجة!  لكن قيل:  في الاستدلال به نظرٌ، لأنَّه فعلٌ مجرَّدٌ فلا يدل على تحريم ما عداه،  وأجاب الطبري عنه:  بأنَّه محمولٌ على الأكمل جمعاً بين الأدلة. ” الفتح ” ( 1 / 538 ).

  1. وما قاله الحافظ في فقه الحديث – لو صح – جَيِّدٌ مَتِينٌ. وما قاله في أنَّه حسنٌ، مردودٌ، وانظر ردَّ الشيخ الألباني عليه في ” إرواء الغليل ” ( 2 / 242 ).
  • واستدل المانعون أيضا بحديث ابن عمر ” لا تقرأ الحائضُ ولا الجنبُ شيئًا من القرآن “.

رواه الترمذي ( 131 )  وابن ماجه ( 596 ) ، والبيهقي ( 1 / 309)  وقال: ليس هذا بالقويِّ.

الرد: 

  1. قال النووي:

وأما حديث ابن عمر: فرواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي وغيره، وهو ضعيفٌ، ضعفه البيهقي والبخاري وغيرهما، والضعف فيه بيِّنٌ. ” المجموع ” ( 2 / 177 )

  1. وقال الحافظ ابن حجر:

وأما حديث ابن عمر مرفوعًا ” لا تقرأ الحائض…  ” فضعيفٌ من جميع طرقه.‏

‍ ” الفتح ” ( 1 / 538 ).

  1. وقال الشوكاني:

الحديث في إسناده إسماعيل بن عياش، وروايته عن الحجازيين ضعيفةٌ، وهذا منها.

” نيل الأوطار ” ( 1 / 284 ).

  • واستدل المانعون أيضا ببعض الآثار ومنها: عن علي رضي الله عنه: ” لا يقرأ الجنبُ القرآنَ ولا حرفًا واحدًا ” رواه أحمد (1/110) والبيهقي (1/90). وهو أثرٌ ضعيفٌ ، انظر “الإرواء” ( 2 / 243 ) .
  • واستدلوا بقصة عبد الله بن رواحة عندما جامع جاريتَه، فلما رأتْه امرأتُه، أنكرَ، وقالت له: اقرأ قرآنًا، فأنشدها أبياتًا من الشعر لأنه كان جنبًا، أوهمها أنه قرآن، فصدَّقته!.

قال النووي:  إسنادُ هذه القصةِ ضعيفٌ ومنقطعٌ. ” المجموع ” ( 2 / 183 ).

قلت:  والشِّعر الذي قاله عبد الله بن رواحة ثابتٌ له دون القصة المذكورة.

انظر تحقيق ” الخلافيات ” للبيهقي ( 2 / 31 –38 ).

والصواب:  جواز قراءة القرآن من الجنب والحائض والنفساء، لما يلي:

  • روى البخاري رحمه الله في “صحيحه” (1/536): عن إبراهيم النخعي قوله:  لا بأس أن تقرأ – (أي:  الحائض) – الآية.

وعن ابن عباس أنه ” لم ير بالقراءة للجنب بأسًا”.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت “كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يذْكُرُ الله في كُلِّ أَحْيَانِهِ” وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة حين حاضت “  فافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي” أ.ه‍‏ـ من “البخاري”.

قال الحافظ ابن حجر: 

إنَّ مراد البخاري الاستدلال على جواز قراءة الحائض والجنب بحديث عائشة رضي الله عنها، لأنَّه صلى الله عليه وسلم لم يستثنِ مِن جميع مناسك الحج إلا الطواف  فكذلك الجنب لأنَّ حدثَها أغلظ مِن حدثه، ومَنْعُ القراءة إنْ كان لكونه ذكر الله، فلا فرقَ بينه وبين ما ذكر، وإنْ كان تعبداً فيحتاج إلى دليلٍ خاصٍّ، ولم يصحَّ عند المصنف شيءٌ من الأحاديث الواردة في ذلك. ” الفتح ” ( 1 / 536 ).

  • قال النووي رحمه الله:

واحتج من جوّز مطلقًا كابن عباس وابن المنذر وابن المسيب بحديث عائشة رضي الله عنها “أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَذْكُرُ الله عَلى كُلِّ أَحْيَانِهِ” رواه مسلم، والقرآنُ ذِكرٌ،  ولأنَّ الأصلَ:  عدمُ التحريم.  واحتجَّ أصحابُنا بحديث”ابن عمر” المذكور في الكتاب، لكنَّه ضعيفٌ كما سبق. ” المجموع ” ( 2 / 182 ).

وهو قول الطبري وابن المنذر وداود وابن حزم، ومن التابعين سعيد بن المسيب، ومن الصحابة عبد الله بن عباس، ورجحه شيخ الإسلام كما في ” مجموع الفتاوى ” ( 26 / 19 ).

قال ابن المنذر: 

الذكر قد يكون بقراءة القرآن وغيره، فكل ما وقع عليه اسم “ذكر الله”:  فغير جائز أن يُمنع منه أحدٌ، إذ كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يمتنع مِن ذكر الله على كل أحيانه.  وحديث “عليٍّ” لا يثبت إسناده، لأنَّ “عبد الله بن سلِمة ” تفرَّد به، وقد تكلَّم فيه “عمرو بن مُرَّة” قال:  “سمعتُ عبد الله بن سلمة وإنا لنعرِفُ ونُنْكرُ”.  فإذا كان هو الناقل لخبره فَجَرَحَهُ:  بطل الاحتجاج به.  ولو ثبت خبر “عليٍّ” لم يجب الامتناع من القراءة مِن أجله، لأنه لم ينهَه عن القراءة فيكون الجنب ممنوعاً منه.  ” الأوسط ” ( 2 / 100 ).

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة