كيف لنا أن نحصل على أجر الهجرة في هذه الأيام؟

السؤال

كيف لنا أن نحصل على أجر الهجرة في أيامنا هذه ومع وجود كل هذه الفتن في سائر أرجاء العالم؟  وهل يوجد مكان محدد؟

الجواب

الحمد لله

أولًا:

لا بد أن نعرف قبل الكلام في المسألة معنى الهجرة:

الهجرة في اللغة: الترك، والهجرة إلى الشيء: الانتقال إليه عن غيره.

وفي الشرع: ترك ما نهى الله عنه.

* وقد وقعت الهجرة في الإسلام على معنيين:

  • الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمان كما في هجرتي الحبشة وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة.
  • الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان، وذلك بعد أن استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه من المسلمين، وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص وبقي عموم الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام لمن قدر عليه باقيا.

انظر: ” فتح الباري ” ( 1 / 23 ) لابن حجر العسقلاني.

ثانيًا:

اتفق الفقهاء على وجوب الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى:{ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا } [ النساء / 97]، ودار الإسلام: هي الدار التي يأمن فيها المسلم على دينه وعرضه ونفسه وماله ويكون هذا الأمان بأيدي المسلمين لا دخول تحت حماية الكافر كما هو الشأن في من يعيش في بلاد الكفر، والشرط الثاني: أن تكون شرائع الإسلام ظاهرة من جمعة وجماعات وأذان وغير ذلك.

ثالثًا:

إن إشارة السائل إلى وجود الفتن في جميع أنحاء العالم قول صحيح، ولكن مما لاشك فيه أن هذه الفتن تتفاوت، فلا خلاف بين العقلاء مثلا أن من يعيش في أمريكا يتعرض للفتن أكثر ممن يعيش – مثلًا – في الرياض، فلا شك أن من يعيش في بلاد الكفر يتعرض للفتن هو وزوجته وأولاده أكثر ممن يعيش في بلاد المسلمين، فصحيح أنه يوجد في بلاد المسلمين فتن، ولكن يستطيع المسلم أن يتجنبها وأن يجنبها أولاده، وأما في بلاد الكفر فيصعب عليه وعلى أولاده أن يعيش بمنعزل عن المحيط حوله، وإن استطاع هو أن يسيطر على نفسه لا يستطيع السيطرة على أولاده، وهذا معلوم ومشاهد، والبلاد الإسلامية لا تزال بخير ولله الحمد وهذا الخير يتفاوت من بلد إلى آخر ومن شخص إلى آخر، وبالجملة هي أفضل من بلاد الكفر.

ثالثًا:

نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السكنى عند الكفار، بل قد تبرأ ممن يسكن عندهم، وقد بوَّب الإمام الترمذي في ” سننه ” بابًا أسماه: باب ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين، ثم ذكر حديث جرير ابن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  بعث سرية إلى ” خثعم ” فاعتصم ناس بالسجود فأسرع فيهم القتل فبلغ ذلك النبي  صلى الله عليه وسلم  فأمر لهم بنصف العقل، وقال: أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا يا رسول الله ولم؟ قال: لا تراءى ناراهما. رواه الترمذي في “سننه ” ( 1606 ) وأبو داود ( 2645 ).

والحديث: صححه الشيخ الألباني رحمه الله في ” إرواء الغليل ” ( 5 / 29 ).

والحكمة في ذلك أن المسلم مهما كان متمسكا بالالتزام لابد أن يتأثر بهم ويأخذ من عاداتهم أو يتنازل عن شيء من التزامه أو يداهنهم ليستطيع العيش معهم، ناهيك عن عدم الأمان على نفسه أو ماله أو عرضه كما جاء في الحديث.

رابعًا:

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن أفضل بلد للسكنى هل مكة أو المدينة أم بلاد الشام؟

فأجاب رحمه الله أن ذلك يتفاوت بحسب الأشخاص، وقال:

ولهذا كان أفضل الأرض في حق كل إنسان أرضٌ يكون فيها أطوع لله ورسوله، وهذا يختلف باختلاف الأحوال ولا تتعين أرض يكون مقام الإنسان فيها أفضل، وإنما يكون الأفضل في حق كل إنسان بحسب التقوى والطاعة والخشوع والخضوع والحضور.

وقد كتب أبوالدرداء – وكان في بلاد الشام -إلى سلمان  الفارسي – رضي الله عنهما – وكان سلمان في العراق -: هلم إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه سليمان: إن الأرض لا تقدس  أحدًا، وإنما يقدِّس العبدَ عملُه ” – أخرجه مالك في موطئه ( 2 / 769 ) -.

وكان النبي قد آخى بين سلمان وأبي الدرداء، وكان سلمان أفقه من أبي الدرداء في أشياء من جملتها هذا، وقد قال الله تعالى لموسى عليه السلام:{ سأريكم دار الفاسقين } [ الأعراف / 145 ]، وهى الدار التي كان بها أولئك العمالقة ثم صارت بعد هذا دار المؤمنين وهي الدار التي دل عليها القرآن من الأرض المقدسة. ” مجموع الفتاوى ” ( 18 / 283 ).

فدل ذلك أن الأرض لكل إنسان تتفاوت مع بيان أنه لا يجوز السكنى في بلاد المشركين لغير ضرورة وبالنسبة للبلاد الإسلامية فالأرض التي يعبد فيها المسلم ربه حق العبادة  هي الأفضل في حقه ولا يتعين عليه بلد معين ولا بقعة معينة حتى الحرمين كما قرر ذلك شيخ الإسلام.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة