هل يجوز إسقاط الجنين المصاب بتخلف عقلي في شهره الثالث؟

السؤال

رُزق زوجان طفلا يعاني من تخلف عقلي.  وهما يريدان مولودا آخر الآن.  لكن الطبيب أخبرهما بأنه في حالة حدوث حمل, فإن هناك نسبة عالية بأن يكون الطفل الجديد يعاني من نوع ما من التخلف العقلي.

وتوجد هذه الأيام اختبارات تبين حالة الجنين الصحية في مرحلة مبكرة من الحمل (خلال 3 أشهر الأول).

 والسؤال:

إذا كانت نتائج الاختبارات تؤيد حقا أن الجنين ليس طبيعيا, فهل يجوز لهما أن يتخلصا من هذا الحمل.  وإذا كان ذلك لا يجوز, فما هي عقوبتهما إن هما صمما على المضي قدما وعمل ما ذُكر على أية حالة؟

الجواب

الحمد لله

  1. مطلوب من كل مسلم ومسلمة أن يكثرا من نسلهما لما جاء في حديث معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم “. رواه أبو داود ( 2050 ) والنسائي ( 6 / 65 ). والحديث: صححه العلامة الألباني رحمه الله في ” الإرواء ” ( 1784 ).
  1. لا بد أن يعلم المسلم أن ما يصيبه من هم أو مصيبة أو حزن هو خير له إن صبر ولا شك أن ما حدث معكما في المولود الأول يستلزم منكم صبرًا عظيمًا وتوكلًا على الله ورضا بما قسم الله، ولا شك أن في ذلك الأجر العظيم، ففي حديث أبي سعيد الخدري و أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: ” ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا همٍّ ولا حزَن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه “. رواه البخاري ( 5641 ) ومسلم ( 2573 ).

وعن صهيب قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: ” عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له “. رواه مسلم ( 2999 ).

وعن جابر قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: ” يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض “.

رواه الترمذي ( 2408 ). والحديث: حسنه الألباني رحمه الله في ” صحيح الجامع ” ( 8177 ).

  1. في حالة أن الطبيب أخبركم أن هناك نسبة عالية بأن يأتي المولود متخلفا عقليا فلا بد قبلُ أن نبين بعض الآمور:
  • المسلم لا يملك أن يحكم بحياة أحد أو وفاته حتى نفسه التي بين جنبيه لا يملك أن يتلفها أو يُنهيَ وجودها، فهذا من حق الله تبارك وتعالى، ونحن مستخلفون في هذا الأمر فقط.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: ” من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدًا ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدًا “. رواه البخاري ( 5778 ) ومسلم ( 109 ).

فإذا كان الإنسان سيحاسب على نفسه التي بين جنبيه وهو محاسب إن قصر بها أو آذاها، فكيف يملك الإنسان نفس غيره بأن يجعل لها الحياة  أو يجعل عليها الفناء، ومهما كانت هذه النفس مشوهة أو ناقصة أو غير ذلك، ومهما كانت الدواعي من شفقة أو رحمة عليه، وخذ مثالا على ذلك لو أنك رأيت مثلا في طريقك طفلا مشوها وأخذتك الشفقة والرحمة عليه وقلت في نفسك أنه سوف يتعذب في كبره فهل تملك أنت أن تريحه من هذه الحياة طبعا الجواب لا وهكذا يقال في المولود في بطن أمه.

ب.  لا شك أن الطب قد تقدم ونسبة الإصابة في توقعاته عالية جدا، ولكن أيضا نسبة الخطأ واردة ولا ينكرها إلا مكابر.

  1. قرر العلماء أنه لا يجوز لأحد أن يسقط الحمل بعد التخلق وهي إذا ما مر بالرحم أربعة أشهر – وفي قول آخر: أربعين – ففي حديث ابن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال: ” إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات ويقال له اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة “. رواه البخاري ( 3208 ) ومسلم ( 2643 ).

فدل الحديث أن المولود تدب فيه الروح بعد أربعة أشهر عربية.

وهناك خلاف بين العلماء أن الروح هل  تدب بالمخلوق بعد الأربعين الأولى أم بعد أربعة أشهر، ففي حديث حذيفة بن أسيد يبلغ به النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: ” يدخل الملَك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة فيقول: يا رب أشقي أو سعيد؟ فيكتبان، فيقول: أي رب أذكر أو أنثى؟ فيكتبان، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص “. رواه مسلم ( 2644 ).

قال النووي رحمه الله:

واتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة اشهر، ووقع في رواية للبخاري ” إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ثم يكون علقة مثله ثم يكون مضغة مثله ثم يبعث إليه الملك فيؤذن بأربع كلمات فيكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه “، فقوله: ” ثم يبعث: بحرف ثم يقتضي تأخير كتب الملك هذه الأمور إلى ما بعد الأربعين الثالثة، والأحاديث الباقية تقتضي الكتب بعد الأربعين الأولى، وجوابه: أن قوله ” ثم يبعث إليه الملك فيؤذن فيكتب ” معطوف على قوله ” يجمع في بطن أمه ” ومتعلق به لا بما قبله وهو قوله ” ثم يكون مضغة مثله “، ويكون قوله ” ثم يكون علقة مثله ثم يكون مضغة مثله ” معترضا بين المعطوف والمعطوف عليه، وذلك جائز موجود في القرآن والحديث الصحيح وغيره من كلام العرب. شرح صحيح مسلم ( 16 / 191 ).

ولا شك أن الروح إذا تخلقت في المولود أصبح للمولود حرمة كحرمة الحي في أنه لا يجوز التعدي عليه فالصحيح أنه لا يجوز إسقاط المولود قبل الأربعين  – احتياطًا للخلاف – ولا بعد الأربعة أشهر – قطعًا وجزمًا – إلا إن مات المولود في بطن أمه وخشي على الأم.

  1. ومن خالف ففعل فإنه يكون قاتلًا لنفس حرّم الله قتلها، ومعلوم أن عاقبة قتل إنسان مسلم وخيمة، قال تعالى: { ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما } [ النساء / 93 ].

والخلاصة: أنه لا يجوز إسقاط المولود بعد التخلق، وعلى الزوجين أن يصبرا والله سيعينهما إن توكلا عليه وصبرا ونسأل الله التوفيق والإعانة لكم.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة