صلاة الحاجة وصلاة التوبة
السؤال
السلام عليكم
جزاكم الله خيرا، أريد تفصيلًا في صحة أو ضعف صلاة الحاجة ,والتوبة عند الذنب.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
صلاة الحاجة: هي ركعتان، ثم يدعو بعدهما بهذه الأدعية المأثورة “ لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين … “.
ومن الأدعية هذا وفيه محظور شرعي:
“اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي حاجتي لتقضى لي، اللهم فشفِّعه فيّ!“
قلت: وهذه الصلاة غيرُ شرعيَّةٍ، وقد ذكر المصنف لها روايتين مع كلِّ روايةٍ دعاءٌ، وهذا بيانُ تفصيلِ كلِّ روايةٍ:
أما الأولى: ودعاؤها “لا إله إلا الله الحليم … “؛ فهي صلاةٌ مرويةٌ – كما قال المصنف – في “الترمذي”، ولو أنه كلّف نفسَه ورجع إلى “الترمذي” (2/ 344) لما سطَّر مثلَ هذا فإنه كالرحمة الله عقب روايته الحديث: هذا حديثٌ غريبٌ – (أي: ضعيف كما هو اصطلاحه رحمه الله)– وفي إسناده مقالٌ، وفائد بن عبد الرحمن يُضعَّف في الحديث، وفائد هو أبو الورقاء ،انتهى.
وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: و”فائد” – بالفاء في أوله – وهو ضعيفٌ جدّاً، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال الحاكم: روى عن ابن أبي أوفى أحاديثَ موضوعةً، وحديثه هذا رواه أيضا ابن ماجه (1/ 216)، والحاكم في “المستدرك” (1/ 320) وزعم أنه إنما أخرج حديثه شاهداً وهو مستقيم الحديث، وتعقبه الذهبي بأنه متروك أ. ه* *كلام الشيخ أحمد شاكر.
قلت: وحديثه هذا إنما هو عن ابن أبي أوفى فهو حديثٌ ضعيفٌ جدّاً – أو موضوع -.
وأما الصلاة بدعائها الثاني: “اللهم إني أسألك بنبيك … “ فهو ما يسمى عند العلماء “حديث الضرير”، وهو عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه” أن رجلاً ضريرَ البصر أتى النَّبيَّ – صلى الله عليه وسلم – فقال: ادْعُ الله أَنْ يُعَافِيَني، قاَلَ “إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ، وَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ” (وفي روايةٍ “وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ”)، فَقَالَ: ادْعُهُ، فأَمَرَهُ أَنْ يتوَضَأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءهُ، فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلى رَبِّي في حَاجَتي هَذه فَتُقْضَى لي، اللَّهُمَّ فشفعهُ ِفيَّ(وَشَفِّعْني فِيهِ)، قال: ففعل الرجل فبرأ. رواه أحمد (4/ 138)، والترمذي (5/ 569)، وابن ماجه (1/ 441)، وهو حديثٌ صحيحٌ.
وهذا الحديث لا حجة فيه على التوسل بذات النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – أو جاهه، لا في حياته ولا بعد مماته، ولا أنه عامٌّ لكلِّ أحدٍ، بل هو خاصٌّ بذلك الصحابي الأعمى، وفي زمن حياة نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم –، وفي دعائه – صلى الله عليه وسلم – الخاص له، والأدلة على ذلك كثيرةٌ، منها:
1- أن الأعمى إنما جاء إلى النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – ليدعوَ له “ادْعُ الله أَنْ يُعَافِيَنِي”،وهو توسلٌ جائزٌ مشروعٌ، وهو التوسل بدعاء الرجل الصالح في حياته، ولا أصلحَ من النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – يُتوسل بدعائه، ومثل هذا: توسل الصحابة بدعاء العباس رضي الله عنه في عهد عمر رضي الله عنه لما أصابهم الجدب.
2- نُصح النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – بالأفضل، وهو الصبر” وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ”، وإصراره رضي الله عنه على الدعاء “ادْعُهُ”.
3- توجيه النبي – صلى الله عليه وسلم – الرجلَ الأعمى لنوع آخر من التوسل المشروع، وهو التوسل بالعمل الصالح، فأمَرَه أنْ يتوضأَ ويصليَ ركعتين ويدعوَ لنفسه “فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ … “.
4- أنَّ الأعمى قال “اللهمَّ فَشِفِّعْهُ فيَّ “، أي: اقبل شفاعته، أي: دعاءه – صلى الله عليه وسلم– لي.
5- قول الأعمى “وَشَفِّعْنِي فِيهِ” – ولم يذكرْها المصنف – يعني: اقبل شفاعتي، أي: دعائي في أنْ تقبل شفاعته – صلى الله عليه وسلم – في ردِّ بصري.
6- لم يفعل أحدٌ من العميان في عصر السلف هذا الأمر، أي: الصلاة والدعاء، لأنهم لم يفهموا الحديث على عمومه، فليس هناك دعاءٌ منه – صلى الله عليه وسلم – لهم، وقد لقي ربه عز وجل، فكيف سيقولون مثل هذا الدعاء؟!.
7- ذكر العلماء هذا الحديث في معجزاته – صلى الله عليه وسلم – كالبيهقي في “دلائل النبوة” وغيره.
ذكر هذه الوجوه: شيخنا الألباني رحمه الله في كتابه النافع “التوسل أنواعه وأحكامه”(ص69 فما بعدها)، وانظر كلاماً متيناً لشيخ الإسلام رحمه الله على هذا الحديث في كتابه “قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة” (ص185).
تنبيه: وممَّا يَستدلُّ به بعضُ المبتدعة أن رجلاً أعمى كان يتردد على عثمان بن عفان رضي الله عنه … وأن عثمان بن حنيف أمره بالصلاة والدعاء، وهي قصة ضعيفة، وزعمهم أن “الطبراني” روى القصة وصححها: تلبيسٌ واضحٌ، إذ الطبراني رواها مع الحديث السابق، وقال في آخرها: “حديث صحيح”، وهو –رحمه الله– لم يصحِّح القصةَ، وإنما الحديثَ، وهو صحيحٌ كما قال، وانظر “التوسل” (ص86) و”كشف المتواري” (ص27 – 76).
فائدة:
صلاة التوبة
في “ لقاءات الباب المفتوح “ (ج 14):
السؤال: ما حكم صلاة التوبة وما صحة الدليل الذي ورد في ذلك؟
الجواب: صلاة التوبة حديثها فيه ضعف، لكن له شواهد تدل على أن له أصلاً مثل حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه حينما توضأ كوضوء النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال: (من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه) فهذا الحديث شاهد يدل على أن الإنسان إذا توضأ فأسبغ الوضوء، ثم صلى ركعتين؛ فإنه يغفر له ما تقدم من ذنبه، ولا تسمى صلاة التوبة ولكنها سنة الوضوء ولكن تحصل بها التوبة. انتهى.
وفي كتاب الصلاة من “ المنتقى من فتاوى الفوزان “:
62 – هل صلاة التوبة واجبة؟
التوبة واجبة على المسلم من كل الذنوب، وليس للتوبة صلاة خاصة – فيما أعلم – وباب التوبة مفتوح ليلاً ونهارًا، وحقيقة التوبة الرجوع إلى الله تعالى بطاعته وترك معصيته، ولها شروط ثلاثة: الإقلاع عن الذنب، والعزم ألا يعود إليه، والندم على فعله، وإن كانت التوبة من ظلم مخلوق فلابد من شرط رابع وهو طلب المسامحة من ذلك المخلوق ورد مظلمته عليه إن كان تمالاً، وتمكينه من القصاص إن كانت جناية يشرع فيها القصاص، والله أعلم. انتهى.
وفي “ الشبكة الإسلامية “:
عنوان الفتوى: ” صلاة التوبة بيانها وكيفيتها ” رقم الفتوى:40344 .
تاريخ الفتوى:27 رمضان 1424
السؤال: ماهي صلاة التوابين؟
الفتوى: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كنت تقصد صلاة التوبة التي تؤدى بعد صدور ذنب من مسلم وتكون سببا في غفرانه، فقد ورد فيها حديث صحيح رواه الترمذي وأبو داود وأحمد في “المسند” وغيرهم.
فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما منعبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له، ثم قرأ هذه الآية: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].
وإن كان المقصود صلاة الأوّابين، فالتفصيل فيها ورد في إجابة أخرى فلتنظر.
والله أعلم. انتهى.
وفي “ فتاوى الشيخ ابن باز “ (الجزء رقم: 4، الصفحة رقم: 228):
أما صلاة التوبة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث الصديق رضي الله عنه أنه قال: “ ما من عبد يذنب ذنبا ثم يتطهر فيحسن الطهور ثم يصلي ركعتين ثم يتوب لله من ذنبه إلا تاب الله عليه “ وبالله التوفيق. انتهى.
فائدة: صلاة الاستخارة تسمى – أيضا – صلاة الحاجة:
وفي “ فتاوى الشيخ ابن باز “ (الجزء رقم: 25، الصفحة رقم: 165):
52 – ما صحة حديث صلاة الحاجة؟
س: هل الحديث الذي رواه أحمد في صلاة الحاجة صحيح أم لا؟ من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم 7.
ج: نعم، روى أحمد – رحمه الله – وغيره بإسناد صحيح عن علي – رضي الله عنه – عن الصديق – رضي الله عنه – أن الرسول – عليه الصلاة والسلام – قال: أخرجه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند أبي بكر الصديق – رضي الله عنه –، برقم 46. من أذنب ذنبا ثم تاب ثم تطهر وصلى ركعتين فتاب إلى الله من ذلك تاب الله عليه أو كما قال – عليه الصلاة والسلام -. هذا صحيح وثابت وهو من الأسباب المعروفة إذا أذنب وأتى شيئا مما يكرهه الله ثم تطهر وصلى ركعتين – صلاة التوبة – ثم سأل ربه واستغفره فهو حري بالتوبة كما وعده الله بذلك، وحديث صلاة الاستخارة يسمى أيضا صلاة الحاجة لأن الاستخارة في الحاجات التي تهم الإنسان فيشرع له أن يصلي ركعتين ويستخير الله في ذلك. انتهى.
والله أعلم.